يعتبر القطاع الفلاحي من أهم القطاعات الحيوية في المنظومة الإقتصادية لتحقيق الأمن الغذائي.
حيث تناط بهذا القطاع مهمة توفير الغذاء بصفة مستقرة و منتظمة مع ضرورة إحترام مختلف الشروط و المواصفات وتوفير الكمية و الجودة المطلوبة .
و يري مراقبون أن السبب الرئيسي وراء الركود الإقتصادي في موريتانيا خلال منتصف سبعينات القرن الماضي يعود إلي تراجع قطاعها الريفي، الذي كان يساهم وقتها بنسبة 45 بالمائة من الناتج المحلي و يشكل العمود الفقري لمعيشة الغالبية العظمي من الشعب.
و رغم إدراك الدولة الموريتانية لأهمية هذا القطاع خلال العقود الماضية ، إلا أن كل المؤشرات تشير إلي أن كل الخطط الحكومية لتنميته لم تكن علي مستوي طموحات المواطنين .
لهذه الأسباب و رغبة منه في تحسين الظروف المعيشية لسكان الأرياف بصفة عامة ، فقد دعا رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني إلي الإقبال على الزراعة و الإستثمار فيها لوضع أسس تنمية شاملة و مستدامة ، و ذلك لإيمانه بأن تحقيق الأمن الغذائي علي المستوي الوطني مرهون بقدرة البلاد علي تطوير زراعتها بشقيها المروي و المطري. مؤكدًا في الوقت ذاته علي أن مسألة الإكتفاء الذاتي أصبحت ضرورة لازمة لكونها في الحقيقة مسالة سيادة و أمن و هي أساس القدرة علي الصمود في وجه مختلف الأزمات.
و مواكبة لهذا التوجه ، فقد تبنت وزارة التعليم العالي و البحث العلمي مقاربة جديدة ، في إطار سياسة لا مركزية التعليم العالي تهدف إلي موائمة التكوين مع سوق العمل و جعل البحث العلمي في خدمة التنمية الإقتصادية و الإجتماعية للبلد.
في هذا الإطار ، فقد وقعت الوكالة الوطنية للبحث العلمي و الإبتكار، إتفاقية مع المعهد العالي للتعليم التكنولوجي بروصو ، لتنفيذ مشروع أنموذجي لإنتاج الخضروات المحمية. و قد أعطت هذه التجربة خلال السنة المنصرمة نتائج مهمة. و يسعي هذا المشروع البحثي إلي الإسهام في التنمية المحلية من خلال الوصول إلي الهدف الإستيراتيجي الكبير المتمثل في تحقيق الإكتفاء الذاتي في المجال الغذائي.و تتميز هذه الوحدة المتكاملة لإنتاج الخضروات المحمية بإعتمادها على الطاقة الشمسية في عملية السقاية و الري، الشيء الذي يمكن من تعميم التجربة دون صعوبات كبيرة نحو باقي مناطق الوطن.
و بالفعل فقد قام المعهد بالشراكة مع بعض الممولين بنقلها إلي كل من ولايات لبراكنة و كوركول و تكانت بهدف تحسين الإنتاج النباتي في هذه المناطق و خاصة ما يتعلق بميدان الغذاء .
في السياق ذاته، تعكف السلطات الوصية علي التعليم العالى و البحث العلمي علي وضع اللمسات الأخيرة لإقامة منشآت تربوية مماثلة علي عموم التراب الوطني ستري النور قريبًا بحول الله،و ذلك سعيًا منها لتنفيذ تعهدات الرئيس في الآجال المحددة و وضع الآليات الكفيلة بالنهوض بإقتصاد البلاد في المجالات كافة.
و من أهم هذه المنشآت نذكر على سبيل المثال لا الحصر:
- إقامة مدرسة للبيطرة بمدينة النعمة بالحوض الشرقي،
- إقامة مدرسة للزراعة بمدينة كيهيدي في كوركول،
- إقامة مدرسة للمهندسين و معهد للتسيير بمدينة كيفة في ولاية لعصابة،
-إقامة معهد للجيولوجيا بمدينة سيلبابي،
- إقامة معهد لعلوم التربية بمدينة تجكجة في ولاية تكانت.
- إقامة معهد للسياحة والتراث بمدينة آطار في ولاية آدرار.
و لا شك أن زيارة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني المرتقبة غدا الخميس الموافق 2فبراير 2023م لمدينة روصو عاصمة الزراعة بولاية الترارزة و إختياره للمعهد العالي للتعليم التكنولوجي مقرًا لعقد إجتماع مجلس الوزراء يؤكد بما لا يدع مجالًا للشك أن الرجل متمسك بسياسة الإصلاح الهادفة إلي الرفع من الأداء الإقتصادي و مؤمن بقناعة راسخة أن التعليم هو المدخل الصحيح للنهوض بالمجتمعات و التغيير من واقعها نحو الأفضل.
و نحن إذ نثمن هذه البادرة الطيبة الغير مسبوقة من طرف الرئيس فإنه يحدونا الأمل أن تتكاتف جميع جهود شعبنا لإغتنام هذه الفرصة لكي نجعل من ترقية مواردنا الطبيعية منطلقًا لنهضتنا التنموية و أساس المستقبل الذي نصبو إليه جميعًا.
" و قل أعملوا فسيري الله عملكم و رسوله و المؤمنون"
صدق الله العظيم.
بقلم د. محمد الراظي بن صدفن