مقاربات بين الرؤية والرواية في توصيف حالة دولة الأحتلال

سبت, 01/21/2023 - 22:48

بقلم: مروان اِميل طوباسي

بغض النظر عن من ساهم بتنفيذ المشروع الصهيوني من مسيحيين ومسلمين "قولاً" اذ خدموا الحركة الصهيونية فعلا ًباشكال سياسية ومالية وغيرها، بل وكانوا جزءا من مكونات فكرها حين ساهموا في اضطهاد اليهود ووضعوا عراقيل أمام حق مواطنتهم وفق ما كانت ترغب به الحركة الصهيونية من عدم حل المسألة اليهودية لاجبارهم على الهجرة الاستيطانية إلى فلسطين وتهجير شعبنا الأصلي صاحب الأرض منها . رغم ان اليهود العرب شكلوا جزء أساسيا من الشعوب العربية وان الديانة اليهودية هي نتاج هذه المنطقة كغيرها من الديانات، كما كان أيضا يهود أوروبا جزء من مجتمعاتها تعرضوا إلى نفس الحالة بفعل المؤامرة والاتفاقيات مع الحركة الصهيونية .
والاَن فانه من الطبيعي أن "دولة" قامت على أساس التطهير العرقي وفكر الأستعمار الأستيطاني بعد "٧٥ عاما" دون مساءلة من النظام الدولي القائم بل وبتشجيع على ارتكاب جرائمها، أن يَتسم النظام السياسي فيها الاَن بجوهر الفكر الصهيوني الديني العنصري بأشكال فاشية وتصاعد أزماتها الداخلية والفوضى السياسية وبالأصرار على تطويع تشريعاتها ونظامها القضائي على هذا الأساس .
ووفقا لعدد من التوجهات التي من أبرزها، "أن للشعب اليهودي حقاً حصرياً وغير قابل للتصرف في جميع أنحاء أرض إسرائيل، بحيث تشجع الحكومة توسيع الوجود اليهودي في جميع أنحاء أرض إسرائيل - في الجليل والنقب والجولان ويهودا والسامرة- الضفة الغربية"، وفق أقوال نتنياهو .
فان التوجهات تلك اصبحت ترسم الأسس وتساهم في تنفيذ تصورات الحل النهائي للقضية الفلسطينية على طريقة سموتريتش وبن غفير وأمثالهما، وهي مأخوذة من سفر "يشوع" بالتوراة ، حيث يُقدم هذا الاخير نظرة عامة على الحملات العسكرية لإمتلاك الأرض التي "وعد بها الرب" حسب اعتقاداتهم بعد الخروج من مصر والسنوات الأربعين من التوهان في البرية . فيقول أن الأمة المشكَّلة حديثاً اصبحت جاهزة لدخول أرض الموعد، والإنتصار على سكانها وإحتلال الأرض.
حيث ووفق روايتهم التي ترسم معالم رؤيتهم ، يقوم الإسرائيليون الغزاة بتنفيذ عملية إبادة ضد الكنعانيين الأصليين، حتى لا تُترك روح واحدة تتنفس، بحسب توصيف حاخاماتهم ومفكري الصهيونية الدينية.
فبحسب هؤلاء، فقد أرسل يشوع وهو من ورث القيادة بعد موسى،إلى الكنعانيين رسالة نصحهم فيها بالفرار، ثم يمكن للذين بقوا أن يقبلوا بمكانة المواطنة الدنيا وباستعبادهم، وأخيراً، إذا قاوموا، سوف تتم إبادتهم.
وكان سموتريتش وغيره قد قدموا هذه الرواية كخطة ورؤية علناً باعتبارها التحول المطلوب إلى المرحلة الحاسمة من الصراع، فإذا لم يهرب الفلسطينيون ورفضوا القبول بمواطنة أدنى ، كما يفعل أي شخص ذو كرامة، "سوف يعرف الجيش الإسرائيلي ما الذي يجب عمله"، كما يقول هذا العنصري .
وبرأي العديد من المتابعين ، فإن مصطلح الفاشية، ليس المصطلح الصحيح لوصف جوهر إسرائيل الحالي كدولة عنصرية ودولة نظام "أبارتهايد" قائم على أساس الفوقية اليهودية واسسها، فالعديد من المصطلحات الأخرى من الممكن أن تفي بالغرض أكثر من مصطلح فاشية رغم انه يعبر عن شكل قائم الآن فيها أكثر من أي وقت مضى حتى بحق مواطنيها من اليهود أنفسهم .
فما يحصل اليوم، هو أن نظام دولة الاستعمار هذه لم يعد يخفي كونها دولة الشعب اليهودي فقط، بالإضافة إلى أنها لم تعد تُظهر أي اهتمام بأن تكون أو تبدو كدولة ديمقراطية أو أن تجاهر بتقويض حتى الفكر الليبرالي الصهيوني فيها .
فالسؤال الممكن هنا، عما إذا كانت إسرائيل تتحوّل الان إلى دولة فاشية ؟ أنا أفضل أن يكون السؤال هل من الممكن أن لا تكون إسرائيل دولة فاشية؟
ان الأمر لا يقتصر على الدولة او شكل النظام السياسي فيها، فالمجتمع الإسرائيلي أصبح فاشياً ينزلق إلى وحل العنصرية المطلقة التي أصبح يعيش بها.
فإسرائيل هي دولة فاشية منذ ان قامت على أساس من التطهير العرقي وتمارس الاحتلال الاستيطاني، وهي دولة إثنوقراطية حيث اليهود يحتكرون كافة الحقوق وفق قانون القومية العنصري نفسه .
فوصف إسرائيل بدولة فاشية أو دولة مارقة فوق القانون الدولي حتى، هو نتاج قراءة تجزيئية قد تنطبق على دولة قامت وفق أسس طبيعية. فالفاشية ومفهوم الدولة المارقة هما عرضان وتفسيران ممكنان لجوهر الصهيونية باعتبارها حركة عنصرية استعمارية استيطانية حتى وفق قرار الأمم المتحدة الذي تم التواطئ على إلغائه عام ١٩٩١.
أما الإصرار على صفة الفاشية وحدها فهو يشير إلى عملية تضليل تمهد الطريق للتعامل معها كدولة طبيعية لديها إشكالات محلية تتعلق بمعاداة الديمقراطية والليبرالية ومناهضة حقوق الإنسان وحقوق الأقليات، وهي سمات مشتركة مع أنظمة عالمية انحدرت نحو الفاشية. بل إن الإصرار على صفة الفاشية فقط قد يكون هو جواز عبور لاندماج دولة الاستعمار الصهيوني في المنطقة العربية التي هي محكومة بعدد من الانظمة غير الديمقراطية اصلاً والتي جاز وصفها بالفاشية في مراحل من تكونها، وهو ما يهمش مقاربة الطبيعة الصهيونية كحركة استعمارية تقوم على المحو والإبادة للسكان الأصليين ويجعل من اتفاقيات التطبيع التي ترعاها الولايات المتحدة التي تتمحور سياساتها بمقاربات مع جوهر الفكر اليهودي الصهيوني، ويشجعها الاتحاد الاوروبي الذي أصبحت الفاشية تصعد في بعض دوله اليوم امراً طبيعيا .
ان مقاربات الصهيونية مع النهج السياسي الأميركي والغرب بشكل عام يرتبط بمحددات متعددة منها مصادر الفكر الصهيوني نفسه والتفسيرات المُبتدعة للديانة المسيحية، والتي كنت قد اشرت لها بمقالات سابقة ، وهي تهدف بتطويعها بحسب رؤية الغرب إلى استبدال الحقوق الفلسطينية الوطنية التاريخية والسياسية بحوافز مالية وحلول اقتصادية قي مناطق من الكانتونات معظمها سوف يقع في خانة الوعود والأوهام تحت استمرار تبني مبدأ حل الدولتين، الذي تم تقويضه اساسا، بهدف استدامة الاحتلال دون كلفة عالية.
ومن هنا فإن رؤية حكومة نتينياهو الحالية والتي ستعمل دون مواجهة صلبة مع الولايات المتحدة خاصة مع سيطرة اليمين الجمهوري على الكونغرس،سوف تركز على تصعيد الجرائم اليومية وزيادة القهر والضم والاستيطان متحملة للبيانات اللفظية في محاولة منها لاذابة الحقوق الوطنية الفلسطينية التاريخية او التي اقرتها الشرعية الدولية، تحت شعار تحسين شروط الحياة ، إلى حين انتهاء الأربع السنوات القادمة من حكم نتنياهو الذي سيترافق مع ازمات داخلية مختلفة أمام ضعف الحال العربي وبطئ التحولات الجارية بالنظام العالمي التي قد تأخذ وقتا طويلا ً، ما يهدف إلى محاولة تحقيق الخطوة الأخيرة من برنامجه وهو برنامج الحركة الصهيونية العالمية من إدارة الصراع الحالي الى إغلاق الملف الفلسطيني والإعلان عن انتهاء قضية فلسطين كمحطة أساسية فى المخطط الصهيوني الأميركي-الإسرائيلي ، بالمقابل الدفع نحو مزيد من اتفاقيات التطبيع دون أن يكون هناك اي عقبات خطيرة أمام المخططات والأحلام الصهيونية.
والنقطة القادمة والأخطر هي اعتراف اميركا بقانون القومية اليهودي بعد اعترافها بالقدس كعاصمة لهم، والذي تم اقراره سابقا بالكنيست زمن حكومة نتنياهو السابقة ، الذي يقول أن إسرائيل دولة قومية يهودية، والشعب اليهودي هو صاحب الأرض، رغم ان اليهودية لبست بقومية ولا اليهود يشكلون مفهوم شعب .
اما السؤال الوارد أمامنا، فهو هل سننجح وكيف في استثمار النفور العالمي من دولة الأحتلال جراء ما هو جاري من تصعيد لجرائم ولتحولات تحمل اشكال الابرتهايد والاستيطان والفاشية معا، من اجل محاصرة وعزل دولة الاحتلال ولجم عدوانها المستمر والمتصاعد وصولا الى حقنا بتقرير المصير والاستقلال الوطني، ولهذا حديث في مقال قادم

الفيديو

تابعونا على الفيس