"نواكشوط عاصمة للثقافة الإسلامية": أين نحن من مسايرة حركة الثقافة العالمية؟

أحد, 01/08/2023 - 17:07

يتفق الموريتانيون عموما على أن في اعلان "نواكشوط عاصمة للثقافة الإسلامية 2023"، اعتراف بدور بلادنا التاريخي في نشر الثقافة العربية والإسلامية؛ لكن فاعلين بارزين في الحقل الثقافي، الوطني والعربي، على رأسهم الأديب الشاعر والباحث الخليل النحوي[i]، ومثل الشاعرة السيدة خدي بنت شيخنا ولد محمد لغظف[ii]، يحثون على كون هذا القرار يطرح تحديا قويا: أين نحن من الثقافة العالمية ومسايرة حركتها؟

وبهذه المناسبة، وسيرا على خطاهم، فإنني أعيد نشر بعض الخواطر التي مرت ببالي سابقا.

" مساهمةً في النقاش حول "السفارة الثقافية..."
طلب مني أحد الاخوة على الخاص وعبر الهاتف إن كان من الممكن أن يحصل على نص مداخلتي ليلة البارحة، مكتوبا؛ واستجابة له، ارتأيتُ أن انشرها على الفضاء الجماعي للملتقى، وعلى موقع "موريتانيا المعلومة"، هذا مع بعض التصرف طبعا، يستدعيه صعوبة الوفاء كتابيا للخطاب الشفوي والحاجة إلى تصويبه وتدقيقه الذي يشمل أحيانا إضافات أو نقصانا.

وسوف أقدمها في ست ملاحظات متتالية:

أولا: أهنئ القائمين على "ملتقى الرأي"، وعلى رأسهم الأخ محمد سالم ولد الداه، لاختيارهم موضوع "السفارة الثقافية ودورها عبر المعارض الدولية"، خاصة أن علاج المحاضر له جعله أصيلا جدا، حيث تناول الأخ عبد الله ولد محمد بلال مدير "دار المخطوط العربي" تجربة ذاتية يقوم بها. وهو نشاط فردي فريد من نوعه، مشغوف به صاحبه بدرجة مذهلة. ويعتمد على جمع المخطوطات المتعلقة بالتراث الفكري والعلمي للبلد وبثها عبر العالم من خلال الوسائل والآليات العصرية المتمثلة في المعارض والتظاهرات الثقافية كلما سنحت الفرصة. وحقق انجازات عظيمة في هذا السبيل تستحق ثناءً وتقديرا بحجم مجهوداته الفائقة.

ثانيا: يظهر جليا أن المخطوطات ليست إلا إحدى مكونات "السفارة الثقافية" باعتبار أن محتوى هذه السفارة يتمثل في الثقافة بمعناها الواسع ومكوناتها المختلفة. لذلك ارجو أن يتوسع النقاش حتى يشمل جميع الجوانب والألوان الثقافية. بل يجدر بنا في "ملتقى الرأي" أن نخصص ندوة للموضوع تتناول جميع جوانب الثقافة كنافذة مد وعطاء بيننا مع الآخر، وان تتم العملية بإنارة من خبير متخصص كالسيد الخليل النحوي أو الدكتور الشيخ ولد سيدي الله، أو امبارك ولد بيروك...على سبيل المثال لا الحصر.

ثالثا: اهتم شخصيا بالثقافة لسببين:

الثقافة هي مغذي الروحي والاجتماعي كجميع البشر. ويزيد تعاطينا معها حسب ميول كل منا، وتعلقي بها شخصيا كبير نسبيا حتى أنني "اتطفل" على الكتابة والبحث، وبعض الممارسات الثقافية الأخرى.
بوصفي مهتما بالقضايا الأمنية والاستراتيجية بصورة خاصة، تشكل الثقافة أحد الروافد الرئيسية لما سميته خلال عرضي في الندوة الماضية "القوة الناعمة". فهي إذن من رافعات الأمن؛ لذلك أعلق أمالا كبيرة على حسن توظيفها بصورة تكاملية لا تقصي منها أي لون، بل تشمل الطيف الثقافي كله دون استثناء، بغية استقرار البلد وتنميته.
رابعا: الثقافة تشمل الفنون بجميع مكوناتها التي تصنف اليوم إلى عشرة أنواع أو أكثر. وهذا التصنيف متوفر في مراجع البحث الإلكترونية (moteurs de recherche) وغيرها، وسوف اعرضها كما يلي، مشيرا في كل مرة إلى وضعيتنا بالنسبة للفن المذكور.

الهندسة المعمارية. لنا في هذا المجال تراث مهم من ابرز معالمه: الفن المعماري في ولاته، في تيشيت، واحياء تجكجة "القديمة"، وشنقيط ومنارة مسجدها... إلخ.
النحت: ممارسته ضعيفة نسبيا في البلاد، بسبب الرأي الشائع والقائل ب"حرمة الصور ذات الظل"، أي ثلاثية الأبعاد. ومع ذلك يوجد فنانون موريتانيون يمارسونه. من بينهم الشاب عمر بال الذي حازت احدى لوحاته في الأيام الأخيرة على الجائزة الأولى في تظاهرة فنية عالمية نظمت في بوركينا فاسو.
الفنون المرئية (الرسم، الفن التشكيلي): لنا في هذا المجال مواهب جيدة وكثيرة نذكر منها على سبيل المثال، لا الحصر: عمر بال الذي سبق ذكره، خالد مولاي ادريس المتخصص في الكاريكاتور، موخيس، احمد ولد الراجل... وغيرهم.
الموسيقى: أتذكر انني في بداية الثمانينات من القرن الماضي كنت في دورة تدريبية في ليبيا. ولم تكن موريتانيا تتوفر حينها على تلفزيون. ومع ذلك كان لها وجود موسيقي في ذلك البلد من خلال جولات قامت بها فرقة أهل النانه في ليبيا. حتى أن اسم موريتانيا ارتبط في اذهان كثير من الشباب الليبيين الذين التقيت بهم بموسيقى تلك الفرقة وخاصة مع اغنية " اكبيل الدحميس..." . واليوم لنا تواجد موسيقي اقوى من خلال بعض الوجوه الوطنية المعروفة خارج حدودنا مثل المعلومة بنت الميداح التي أُدرجتْ كلمات اغنيتها حول البيئة في مناهج التعليم الثانوي في دولة كندا. كما نلقى لهذه الفنانة الموهوبة أصداءً كثيرة في بلدان أخرى عديدة.
الأدب (الشعر، الرواية، وكل ما يتعلق بالكتابة عموما): وهنا ثروتنا لا تحصى. وهي التي يتشكل منها أساسا تراث المخطوطات الذي يعمل المحاضر في مجاله بحماس واندفاع منقطعي النظير.
فنون المشهد (الرقص، المسرح، الألعاب البهلوانية، التمثيل الصامت) : لنا مقدرات كبيرة في مجالات الرقص والمسرح لا حاجة للاستدلال عليها.
السينما: سوف اقتصر على التذكير بالسينمائي الموريتاني ذي الشهرة الدولية. عبد الرحمان سي سوغو. فقد نال جوائز عالمية عديدة. وهو في هذه اللحظة يترأس مهرجان "فيسباكو" الذي يُجرَى في عاصمة بوركينافاسو، و هو اكبر مهرجان سينمائي يقام في القارة الافريقية. واعتقد أنه عين أيضا عضوا في لجنة التحكيم لمهرجان "كان" الفرنسي في نسخته الماضية.
الفنون الوسيطية (arts médiatiques): الإذاعة، التلفزيون، الصور. وطبعا تلفزيوننا العمومي له بث في الخارج يغطي كافة الدول العربية. لكنه قابل للتحسن. وكذلك القنوات الوطنية الخاصة بحاجة قوية إلى توسيع دائرة بثها داخليا وخارجيا. وكذلك الإذاعات "الحرة" وجميع هذه الوسائط تعاني من ضعف المحتوى مما يجعلها ضعيفة أمام المنافسة الخارجية.
الرسوم المتحركة. لا علم لي شخصيا بأنشطة يقوم بها موريتانيون، لكن الوضع قابل للتغير في آجال قريبة.
العاب الفيديو. تنطبق عليها الملاحظة السابقة المتعلقة بالرسوم المتحركة. بالإضافة إلى أن اطفالنا مستهلكون كبار للاعاب تأتي من الخارج مع ما تحمله من مساوئ يكاد يكون من المستحيل التحكم فيها.
خامسا: بالإضافة إلى هذه الفنون العشرة التي عددتُ بناءً على توافق المراجع العالمية، توجد فنون أخرى لا تدخل في هذا التصنيف، سنذكر منها نوعين:

الصناعة التقليدية: لنا مقدرات هائلة في هذا المجال، لكننا نقصر في "تسويقها". وحبذا لو اسند هذا القطاع إلى وزارة الثقافة بدلا من وزارة التجارة. ومن جهة أخرى، فقد شرحتُ في الندوة السابقة كيف تستغل بعض الدول المجاورة تقصيرنا وضعف وجودنا على الساحة الدولية في هذا المجال لتسوق بعض منتوجاتنا على أنها من صناعتهم، مثل: "الراحله لعبيدية" التي تعرضها الدولة المالية على أنها منتوج مالي بينما هي موريتانية تحمل اسم صانعها الموريتاني (لعْبيْدْ). وفي سياق متصل، نلاحظ إلى أن المغرب يسوق هو الآخر بشكل فعال جدا الوانا من ثقافتنا التقليدية، ونحن شبه غائبون. نذكر منها: التبراع، المدح، لعبة "السيگ"، لعبة "اكرور"... إلخ.
الطبخ (gastronomie): شهدت السنوات الأخيرة إضافة الطبخ وفنونه إلى التراث الثقافي. تجسد ذلك في قرارات اليونسكو، حيث صنفت الطبخ الفرنسي ضمن التراث العالمي، كما فعلت نفس الشيء لوجبة "كسكس" تلبيةً لطلب تقدمت به موريتانيا، والمغرب، وتونس والجزائر.
سادسا: سوف اختتم بسؤالين خطَرَا ببالي وأنا أفكر في موضوع المخطوطات متصورا صعوبة التعاطي معها. وهما موجهان إلى المحاضر، الأخ عبد الله ولد محمد بلال:

كيف تتعامل مع إشكالية صيانة المخطوطات: ماهي الوسائل المتوفرة لديك من اجل حضانتها من التلف والضياع، ومن أجل ترميمها في حالة إصابتها بأضرار؟
ما هي السبل والوسائل التي تستخدم للحصول على المخطوطات؟ وما هي أهم الصعاب التي تلقى في هذا المنحى؟
البخاري محمد مؤمل اليعقوبي (عقيد متقاعد)"

الفيديو

تابعونا على الفيس