بقلم:فتحي أحمد
مشروع الشرق الأوسط الذي طرحه بوش الأب الذي كان يهدف إلى تخليق نظام إقليمي يضم معظم الدول العربية الشرق أوسطية إلى جانب إسرائيل وعدد من الدول الآسيوية الإسلامية، وتبنتها إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون، بسبب الثغرات التي اكتنفته وخاصة بعد تعثر عملية التسوية وعدم استجابة إسرائيل لاستحقاقاتها الخاصة بعملية السلام، عادت إدارة بوش الابن إلى طرح المشروع تحت مسمى الشرق الأوسط في إطار تسمية جديدة وهي مشروع مبادرة الشرق الأوسط الكبير. هذا الاختلاف في الموقف بين عشية وضحاها شكل مساحة رمادية لدى العرب حتى أصبحوا لا يثقوا بشيء وخصوصا في الموقف الأمريكي المتلون، فأطروحة الشرق الأوسط الذي تبنته الإدارات الأمريكية المتتالية ونظرية كونداليزا رايس الفوضى الخلاقة ما هي الا مراوغة الهدف منها الحفاظ على الشرق الأوسط كحليف دائم يصعب اختراقه، لكن اليوم وبعد القمة الصينية العربية في الرياض جاءت الرياح بما لا تشتهي السفن الأمريكية.
على ما يبدو زيارة جو بايدن للسعودية لم تغير من العلاقات الأمريكية العربية عامة، ولا العلاقات الأمريكية الخليجية خاصة، فهذه النظرة الأمريكية المتعالية خلقت من العرب مواقف أكثر جدية بحيث تحولت اتجاهاتهم إلى الصين الصاعدة والطامحة في علاقات ودية على أرضية المصلحة المتبادلة فقط دون شروط.
العرب يريدون من الصين كل شيء لديهم بما يساعد في نهوض بلدانهم أكثر، وهذا التوجه كان لدى السعودية التي تروم إلى القفز من اقتصاد الطاقة إلى اقتصاد التنوع، وفعلا بدأت بترجمة ذلك على الأرض حتى يتحقق المشروع في عام 2030 كما تريد دول الخليج والسعودية، أيضا مصدر اخر لتسليحهم لمواجهة خطر التشيع الصفوي الذي يهدد العالم العربي والإسلامي وخصوصا دول الخليج العربي جاء بعدما فرضت عليهم الولايات المتحدة شروط هزت اركان التحالف الأمريكي الخليجي وهو أسلوب فض يعبر عن طريقة ابتزاز .
فمن خلال التجربة والعلاقات طويلة المدى بين العرب وأمريكيا هنا لمس العرب الفرق الجوهري بين الولايات المتحدة الأمريكية المتعجرفة التي تفرض شروطها التعجيزية، وبين الصين التي ترنوا إلى الخليج العربي بشروط لا تكاد تذكر.
فالقمة الصينية العربية دخلت التاريخ في تحول يسجل للعرب وبهذا وجدوا ضالتهم في الصين الصاعدة بعدما شعروا ان أمريكيا تكيل بمكيالين في قضية الحوثيين المدعومين من إيران، وهذا ما اكتشفته السعودية ودول الخليج بعدما ذاب الثلج وبان المرج، فمدى العلاقة الملتبسة بين جماعة الحوثي والولايات المتحدة الأمريكية لم تعد سرا ، فالمعروف أن جماعة الحوثي تناصب أمريكا العداء، كما يبدو واضحًا من خلال خطابها وأديباتها وشعارها الذي يدعو صباحًا ومساءً بالموت لأمريكا، ومحاربة التدخلات الأمريكية في اليمن، لكن تنفيذ الجماعة لأعمال عسكرية وسياسية تدخل ضمن المصالح الأمريكية يجعلنا نجزم أن العلاقة بين الطرفين أصبحت أمرًا واقعا، يذكر أن بلينكن اعتبر في وقت سابق أن شطب الحوثيين من قائمة الإرهاب أولوية في والوقت الذي كان يطلق الرئيس جو بايدن حراكا دبلوماسيا في مسعى لإنهاء الحرب، أهم وأبرز البنود التي تم التوافق الأمريكي الحوثي عليها ، والتي تمت تحت إشراف المبعوث الأممي لليمن جمال بن عمر وهي :تمكين الحوثي من اليمن مقابل قيامهم بضرب القاعدة بجزيرة العرب، في المقابل قام الطيران الأمريكي " الدرونز " بإسناد جوي للحوثيين تلتزم الولايات المتحدة الأمريكية بدفع تكاليف الحرب ودفع رواتب المقاتلين الحوثيين ورعاية اسر القتلى الحوثيين وعلاج جرحاهم وعلى الحوثيين حسم ضرب القاعدة في مدة لا تتجاوز السنتين.
من الواضح أن الصين تريد استغلال الموقف مع تراجع العلاقات بين واشنطن ودول الشرق الأوسط، وفي مطلع عام 2016 ادركت الصين أن عليها وضع خطوط عريضة لسياستها تجاه المنطقة العربية المبنية على أساس المنفعة المتبادلة دون التدخل في الشؤون الداخلية والسياسية لتلك البلدان، حيث أسست وثيقتها على علاقات مبنية على الجوانب السياسية والأمنية والاقتصادية والتجارية، وبناء عليه بدأ التسلل الصيني للخليج العربي والسعودية كمطلب جيوسياسي ملح تستفيد منه على صعيد توفير مواد الخام كامتدادات الطاقة بجميع اصنافها التي تتعطش لها بكين، فضلا عن إيجاد أسواق لبضاعتها المصنعة في الأسواق العربية والخليج.
على ما يبدو التشكك في جدية الدعم الأمريكي دفع الدول الخليجية إلى أن ترى الصين شريكًا تزداد أهميته لها في هذه الفترة، وخصوصا كما ذكرت في متن هذه المقالة عن العلاقات الطيبة بين الحوثيين الولايات المتحدة الامريكية وعدم جدية الأخيرة في كبح جماح طهران المصرة على مشروعها النووي والذي يهدد المنطقة.
جاء تدشين اللقاء العربي الصيني ليحقق عدة امتيازات منها نقل التكنولوجيا ومشاريع البنية التحتية، والتطورات العالمية الأخيرة في المجال التكنولوجي والزراعي والذكاء الصناعي، بالإضافة إلى دعم القضية الفلسطينية والتي قال فيها الرئيس الصيني يجب ان يكون ثمة حل للقضية الفلسطينية بما يتوافق مع القرارات الدولية وهذا ما أثلج صدر القادة العرب.
الخلاصة بدأت في المنطقة اليوم تحولات سياسية جعلت من العرب وحدة متكاملة في مواجهة الخطر الشيعي والحوثي أولا الذي يضرب بالعصا الإيرانية على حدود الخليج العربي، وثانيا ارسال رسالة للولايات المتحدة الأمريكية مفادها بأن القطب الأوحد اليوم أصبح حديث الأمس.