المذهل في الأمر هو هامشية الشخصيات الضالعة وأفكار المتآمرين وطفولية ويأس خطة الاستيلاء على السلطة.
يتملك المرء إحساس بأن مستوى عقلية هؤلاء المتآمرين لم يتخط مستوى أطفال في العاشرة، إلا أن من بينهم نواب سابقون وعسكريون وحتى قائد في القوات الخاصة الألمانية.
وكان من الممكن اعتبار كل ذلك مزحة عابرة لولا توقع سقوط عدد كبير من الضحايا في سياق محاولة محتملة لتنفيذ هذه الخطط.
لكن الشيء الرئيسي في هذه القصة هو أن كل ما حدث طبيعي، وإن دل على شيء فإنما يدل على مرض عضال في المجتمع.
فالطفولة، والانفصال عن الواقع يصبحان يوما بعد يوم وعاما وراء عام من خصائص المجتمع، ولو على الأقل في أوروبا.
وهذه المؤامرة، وانتصار ومشاركة "الخضر" الراديكاليين ذوي الخطط الطوباوية للتخلي عن الطاقة الأحفورية في الحكومة الألمانية، ونشطاء البيئة الذين يشوهون اللوحات في المتاحف، وغرس قيم الـ LGBT، وانتحار الصناعة الأوروبية من خلال العقوبات ضد روسيا – كل تلك توابع مختلفة لنفس السبب.
فقد انتقلت أوروبا والغرب ككل تدريجيا، بسبب فترة طويلة جدا من غياب التحديات الخطيرة، إلى الواقع الافتراضي، إلى العالم الذي لا تحكم فيه الإمكانيات الحقيقية والفطرة السليمة والعقلانية، وإنما الرغبات والأوهام. ووقع المجتمع الغربي تحت وطأة الأدلجة والتجذر في إطار سعيه نحو المستحيل، وغدت تلك المشاعر عامة بين الجماهير.
في الوقت نفسه، تولد لدى الطبقة الوسطى، العمود الفقري للدول الغربية، شعور غريزي متزايد بانهيار العالم من حولهم، بينما يدرك كثيرون أن المجتمعات الغربية تنتحر، وأن الغرب يفقد هيمنته التي تبلغ من العمر خمسة قرون، وستصبح الحياة قريبا أسوأ بعدة مرات.
كما أن تطور شعارات ترامب من "لنجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى" إلى "أنقذوا أمريكا" يوضح كذلك تصاعد المشاعر العامة من القلق إلى اليأس.
وهناك شعور متزايد بين الطبقة الوسطى بأنه من المستحيل تغيير مسار البلاد قانونيا، ما يدفع نحو الإرهاب الفردي أو محاولات الانقلاب المماثلة من أنصاف وأرباع الشخصيات، في الوقت الذي يوضح فيه التنمر على دونالد ترامب الآفاق الممتدة لمثل هذه المحاولات.
كانت أوروبا في العقود الأخيرة تحاكي وجود عملية سياسية، بينما كان البرلمان الأوروبي عبارة عن مجموعة من المتطرفين من جميع الأطياف، وخلال سنوات مرر القوانين والتشريعات التي من شأنها أن تمزّق العالم إربا إذا ما نفذت. لحسن الحظ، أن السياسة الحقيقة يحددها المفوضية الأوروبية، فيما ظل البرلمان الأوروبي لعبة افتراضية في إطار اليوتوبيا التي أنشأت. لكن المفوضية الأوروبية عملت دائما في الإطار الذي تحدده واشنطن، وهو إطار يضيق وينحني اليوم، ما دفع بأوروبا مباشرة نحو الأزمة.
ومع مغادرة ميركل لمنصبها، اقتحمت هذه العصابة من المتطرفين بأكملها السلطة في الدولة الرئيسية في أوروبا: ألمانيا. لذلك فليس من المستغرب أن تجنح سياستها نحو التطرف على الفور.
وليس لدي أدنى شك في أن هذا الانقلاب السخيف سوف يستخدم لشن هجوم جديد على الفطرة السليمة، وقمع المعارضة، بل وحتى إثارة الهستيريا المعادية لروسيا.
فتحت تأثير الدعاية الأمريكية، وبالتحديد في 22 مايو 1949، قفز وزير الدفاع الأمريكي ج. فورستال من النافذة مطلقا صرخته الشهيرة: "الروس قادمون!". فضخ الكراهية لروسيا وضد "الأعداء الداخليين" من قبل وسائل الإعلام الغربية لا يمكن إلا أن يؤدي إلى مثل هذه الحوادث، فضلا عن الهجمات الفردية من قبل المواطنين الأكثر اضطرابا عقليا ضد أهداف كراهيتهم.
في نهاية المطاف، ستزداد زعزعة استقرار المجتمعات الغربية، وسيزداد لجوء المجتمعات إلى الأساليب العسكرية في الإدارة، والتي بدورها ستضيق الخناق من قبل السلطات في محاولة منها لمقاومة الأزمات الاقتصادية والاجتماعية.
في النهاية، وعلى الأرجح، سيتم تنفيذ خطط المتآمرين، ولكن ليس بواسطتهم، وسيتحول النظام الاجتماعي إلى دكتاتورية فاشية تقمع أي معارضة.
المحلل السياسي/ ألكسندر نازاروف
رابط قناة "تليغرام" الخاصة بالكاتب
المقالة تعبر فقط عن رأي الصحيفة أو الكاتب