بقلم: د. عبد الله أبو عيد
تمهيد:
يعتبر العديد من خبراء القانون الدولي البارزين قرارات الجمعية العامة للمنظمة الدولية، التي تتخذ بأغلبية كبيرة من أصوات الدول الأعضاء، وبخاصة إذا ما تكررت لسنوات عديدة مرات ومرات، بأنها تشكل عرفاً دولياً ملزماً لكافة الدول أعضاء الجماعة الدولية.
لا شك في أن قرار الجمعية العامة الأخير الصادر في 10/11/2022 أي قبل عدة أيام، يمكن اعتباره من ضمن هذه القرارات الهامة والصادرة بما يقرب من الإجماع، حيث وافق عليه (151) دولة، من ضمنها غالبية الدول الرئيسية، باستثناء الولايات المتحدة، وعارضته سبع دول فقط، هي: الولايات المتحدة الأمريكية، وكندا وإسرائيل بالإضافة إلى دويلات صغيرة معظمها لا ترى على الخارطة بالعين المجردة وهي أربع دول: ميكرونيزيا، وناورو، وبالاو، وجزر مارشال.
بموجب نّص المادة (18) من ميثاق الأمم المتحدة، فإن هكذا قرارات يجب أن تتخذ بأغلبية ثلثي الأعضاء المصوتين فعلاً، أي بنعم أو لا، ولا تؤخذ في الحساب الدول الممتنعة عن التصويت، وحيث أنه صوّت للقرار (151) دولة بنعم أي لصالحه، وصوتت ضده سبع دول فقط، لذلك فإن القرار حاز على 95,5% من أصوات الدول الأعضاء، أي ما يشبه الإجماع.
الأهمية القانونية لهذا القرار:
حيث أن هذا القرار الرافض لاستغلال دولة الاحتلال للموارد الطبيعية للإقليم المحتل، ليس القرار الأول في هذا الصدد، بل صدر قبله عدد من القرارات للجمعية العامة وبأغلبية كبيرة، تندد باستغلال الموارد الطبيعية للإقليم المحتل (أي إقليم فلسطين في كل من القدس الشرقية والضفة الغربية وقطاع غزة) واعتبرت هذه القرارات أن هكذا استغلال لعناصر الإقليم المحتل وثرواته الطبيعية، مخالف لقواعد القانون الدولي، إذ أن القانون الدولي الإنساني يعتبر الاحتلال وضعا مؤقتاً لا ينقل إلى سلطة الاحتلال أية صلاحية أو سيادة على أي عنصر من عناصر الإقليم المحتل. كما ويعتبر الاحتلال طويل الأمد بأنه يتحول إلى وضع استعمار استيطاني مرفوض ومدان من القواعد الحديثة الصادرة عن مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة ذات العلاقة بالاستعمار والتي أطلق عليها (قواعد تحريم الاستعمار بكافة أشكاله (De-colonization Rules).
لهذه الأسباب جميعها وخاصة بسبب تصويت الغالبية العظمى من دول العالم إلى جانب القرار المذكور، فإن هذا القرار يعتبر إسرائيل ليست سلطة احتلال حربي فقط، بل وسلطة استعمار استيطاني، ليس لها الحق في استغلال أي من الموارد الطبيعية في الإقليم المحتل، وقد نّص القرار على تلك الموارد وهي: الأرض والمياه وموارد الطاقة بما فيها الغاز، وطلب القرار بأن تكفَّ إسرائيل عن استغلال هذه الموارد الطبيعية في كل الأراضي الفلسطينية المحتلة،
بالإضافة إلى ذلك فقد طالب هذا القرار دولة الاحتلال بأن توقف جميع الأعمال المضرة بالبيئة التي يقوم بها المستوطنون، وكذلك التوقف عن دفن النفايات بجميع أنواعها في الأرض الفلسطينية المحتلة، بالإضافة إلى وقف تدمير البنى التحتية والاستيلاء على الآبار والأراضي الزراعية.
القرار المذكور يدين كافة إجراءات الاحتلال الإسرائيلي ضد الإقليم الفلسطيني المحتل، وعلى الرغم أنه –أي القرار- لم يذكر بأن أعمال سلطة الاحتلال المذكورة والتي أدانها وطالب إسرائيل بالتوقف عن القيام بها، إنما تعتبر استعماراً استيطانياً، إضافةً إلى كونها احتلالاً حربياً، إلا أن نصوص القرار من شأنها أن تعتبر الأمر هكذا، وإن كان بشكل غير مباشر.
القوة القانونية للقرار:
لا شك في أن قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة تعتبر بموجب ميثاق المنظمة الدولية، بانها توصيات (المادة 10 من الميثاق)، إلا أن الميثاق نصّ على حق الجمعية العامة في مشاركة مجلس الأمن في حفظ السلم والأمن الدوليين وإصدار توصيات تتعلق بهذا الأمر، (المادة 11 من الميثاق).
ومن المهم ذكره، كما أشرنا إليه أعلاه، بأن قرارات الجمعية العامة، في حال تكرارها ودعمها من غالبية الدول الأعضاء. تشكّل عرفاَ دولياً ملازماً لكافة الدول، خاصة إذا ساندها عدد كبير من الدول الأساسية في المنظمة الدولية، كما يرى العديد من أبرز فقهاء القانون الدولي.
كذلك فإن تكرار هكذا قرارات ودعمها من أغلب دول العالم يعتبر في نظر هؤلاء الفقهاء، بأن من شأنه أن يؤدي إلى تحقق ركني العرف الدولي، وهما:
1. الركن المادي: أي تكرار التصرف المحدد لمرات وسنوات عديدة.
2. الركن المعنوي: أي قناعة الدول بأن هذا التصرف إنما يعتبر ملزماً قانونياً لها، أي ركن الاقتناع بأن ذلك التصرف غير قانونيّ.
لهذه الأسباب فإن هذا القرار الذي نحن بصدده، يمكن اعتباره الحلقة الأخيرة في سياق تشكيل العرف الدولي الملزم قانونياً لكافة دول العالم.
وتجدر الإشارة أخيراً، إلى أن الدول الهامة التي رفضت القرار المذكور، وهي الولايات المتحدة الأمريكية وكندا، قد أخطأت مرتين: (الأولى): في رفض إدانة إجراءات سلطة الاحتلال الإسرائيلي غير القانونية، و(الثانية): فضيحة تصويتهما إلى جانب عدد قليل من أربع دويلات صغيرة، مما يجعل موقفهما يشكّل إحراجاً لهما ولا يتسق مع المكانة.