المحكمة:
قد يظن البعض، بل الكثير من الفلسطينيين، بأن تقديم الشكوى للمحكمة أصبح متاحاً لدولتنا، وبذلك فقد تحقق لنا ما أردناه لمحاكمة كافة المتهمين بالاعتداء على أبناء شعبنا وبسرقة أراضينا وغيرها من التهم الواردة في الشكاوي المقدمة للمحكمة، إلا أن الصورة هي أبعد من أن تكون وردية، إذ أن هناك العديد من العقبات والمشاكل التي تنتظر من يتقدم بشكوى للمحكمة، خاصة إذا لم يكن له دعم وسند قوي. ويمكننا حصر العقبات التي يمكن أن تواجهنا في الأمور التالية:
1- عقبات قانونية: كما أشرنا أعلاه، هناك بعض العقبات القانونية لعل أهمها ما يأتي:
أ. اشتراط النظام الاساسي وجوب حضور المتهم أمام المحكمة كي تسير المحكمة في المحاكمة، لذلك يمكن لأي متهم عدم المثول أمام المحكمة وبذلك يتم تأجيل المحاكمة.
ب. من العقبات القانونية الأخرى أن مجلس الأمن يحق له بموجب المادة (16) من النظام الاساسي، أن يطلب تأجيل المحاكمة لمدة سنة قابلة للتجديد لسنة أخرى، وهذا البند تم وضعه في النظام الأساسي بناء على طلب من الولايات المتحدة المسيطرة على المجلس بهدف وجود امكانية لها كي تتدخل في المحاكمة لصالح أصدقائها وحلفائها.
ج. من المعيقات القانونية الممكن حدوثها هو أن المحكمة لها الحق في أن تقرر بأن البينات والمستندات المقدمة ضد المتهمين غير كافية لإدانتهم وتجدر الاشارة هنا إلى أن السلطات الاسرائيلية أغلقت مؤخراً مراكز منظمات حقوق انسان فلسطينية متخصصة وصادرت ما لديها من وثائق، جزء كبير منها له علاقة بالبينات ووثائق اثبات الجرائم المرتكبة ضد المواطنين وأملاكهم، هادفةً بذلك إخفاء كافة المستندات القانونية التي تثبت ارتكابها جرائم خطيرة. كذلك هناك عائق قانوني آخر، هو ان النظام الأساسي ينص على أن المحكمة يمكن لها الحق في عدم السير في المحاكمة بسبب كبر سن المتهم أو كونه مريضاً.
د. بالإضافة إلى كل هذه الأسباب فإن النظام الأساسي يتسم بالتعقيد ومليء بنصوص يمكن تأويلها على أكثر من وجه، وبذلك يمكن استغلالها من قبل محامٍ قدير لصالح المتهم.
ه. كذلك فإن اختصاص المحكمة يقتصر على جرائم محدودة العدد ومقيد تقديمها بزمان ووقت محددين.
2- عقبات سياسية: لعل أهم العقبات السياسية هو استخدام التهديد والوعيد ضد قضاة المحكمة والمدعي العام. وخير مثال على ذلك ما قام به بعض المسؤولين الأمريكيين خلال حكم الرئيس ترامب من تهديد للقضاة ومنعهم من دخول الولايات المتحدة هم وأفراد عائلاتهم، وتهديد مسؤول الأمن القومي بمصادرة أراصدتهم في البنوك.
وفي هذا الصدد يجدر ذكر بأن الولايات المتحدة، بعد انشاء المحكمة، قامت بتوقيع اتفاقيات مع أكثر من (40) دولة تتعهد فيها تلك الدول بعدم تقديم أية شكوى أمام المحكمة ضد أي مواطن أو عسكري أمريكي. كما أبلغت الولايات المتحدة عشرات الدول التي تتلقى مساعدات أمريكية بأن هذه الدول لن تحصل على أية مساعدات أمريكية فيما لو تقدمت بأية شكوى ضد أي مواطن أمريكي.
3- عقبات مالية: على الرغم من أن عدد الدول الأعضاء في المحكمة بلغ في عام 2015 (123) دولة، إلا أن معظمها هي من دول العالم الثالث الفقيرة، بينما هناك دول عظيمة كبيرة وغنية ليست أعضاء فيها مثل: الولايات المتحدة، وروسيا والصين.
بالإضافة إلى هذه الأسباب، فإن المدعي العام في المحكمة يلعب دوراً هاماً في مجال تقديم الشكوى والتحقيق فيها. لذلك ترى أن المدعي العام الجديد كريم خان، البريطاني من أصل باكستاني، قد مضى على انتخابه حوالي سنة وأربعة شهور دون أن يحرك شكوى فلسطين حتى الآن، مما يؤشر على توجهاته غير الودية، الأمر الذي قد يؤثر على مصير الشكوى.
وفي الختام، نؤكد بأنه على الرغم من كل هذه العقبات والمصاعب، إلا أن اللجوء إلى المحكمة له عدة فوائد، لعل أهمها هو اعلامي، بالإضافة إلى أن مجرد تقديم الشكوى ضد بعض المسؤولين الاسرائيليين قد يجعلهم يحسبون حساب التطرف ويقللون من عدوانهم قليلاً خوفاً على ما ينتظرهم في المستقبل من اعتبارهم مطلوبين للعدالة ويتوجب على كافة الدول الأعضاء في المحكمة القاء القبض عليهم حال دخولهم إلى أراضيها، كما ينص عليه النظام الأساسي للمحكمة، وبذلك يتم تقييد حريتهم في الحركة والسفر الى الخارج.