بقلوب يعتصرها الحزن، والأسى، وبعيون دامعة، تلقينا للأسف الشديد نبأ وفاة صديقنا العزيز/ أفاه ولد أحمد عمو، الذي كان مثالا للإنسان الصادق العفوي، وامتاز بالبشاشة، ونضارة الوجه، وحسن السيرة العطرة.
تعود علاقتي بالراحل إلى سنوات الجامعة، حيث جمعتنا كلية القانون، وتوطدت أواصر الأخوة فيما بيننا، خاصة أن إخوته لأمه هم أبناء المخطار، من قبيلة السماسيد/مجموعتي.
كان أفاه مرحا، ضحوكا، صاحب نكتة، ودعابة، وكان مجدا، متفانيا في إخلاصه للتحصيل المعرفي، ورغبته في تحقيق شخصية علمية، يبني من خلالها مستقبله الوظيفي، نابذا الإتكالية، وصانعا بنفسه غده، ومستقبله.
وتشاء الأقدار أن تفرقنا، في سفر الحكاية، في دروبها المتشعبة، ثم في ذات يوم من حياتنا نلتقي من جديد، في وزارة الشباب، هو ملحق بالديوان، وأنا مفتش هناك، وكان كعهدي به، ابتسامته الجميلة تزين محياه، وبشاشته تملأ المكان محبة، ورحمة، وطيبة، وأحاديثه العذبة صداها يتردد في المكان، ناشرا الفرح، وعبقا إنسانيا خالدا، لا يوصف، ولا يتبدل صاحبه، الذي كان وفيا للأخوة، والصداقة.
ومنذ ما يقارب شهرين كان لقاؤنا، وبين الحي البحري “سيتى ابلاج”، وبين ملتقى الحي الساكن كان الطريق سالكا، وتبادلنا أطراف الحديث بصفاء معهود بيننا، وحين ترجل إلى بيته، تركني غارقا في دموعي، لحديثه الشيق، المنساب إلى أعماق النفس، والذي يجعلك تعيش هيستيريا من الضحك، بسبب الطابع الخاص، الفكاهي له.
اليوم، فوجئت برحيله، وهي فاجعة موجعة، تغمده الله بواسع رحمته، وعظيم مغفرته.
أفاه -شهادة للتاريخ والحقيقة- شخص عصي على النسيان، يحب الخير للجميع، ولا يريد علو في الأرض، ولا فسادا، ولا يذكر أحدًا بسوء، وعلى قسمات وجهه مسحة دين، وفي أفعاله رشد، وحكمة بالغة، والأخلاق فعله، وديدنه، ولا يكره أحدا، ولا يناصبه العداء، مجدا في عمله، متميزا في تعاطيه مع القضايا، والأشخاص.
إنا لله، وإنا إليه راجعون.
رحمك الله يا صديقي، يا قبسا مشرقا من نور الجنان، مر ذات يوم من هنا، وأنست القلوب برؤيته، وأخذ فيها مكانه للأبد.