بقلم:د. هاني العقاد
قد يكون موقف المملكة العربية السعودية الثابت والقوي تجاه خيارات انهاء الصراع وارتهان أي علاقة مع دولة الاحتلال بعد قبول الأخيرة بتطبيق مباردة السلام العربية دون اختزال او تغيير في أي من بنودها والاقرار بقيام دولة فلسطينية مستقلة على حدود الرابع من حزيران 1967 وعاصمتها القدس الشرقية احد الآساب الرئيسية لان يغير رئيس وزراء الاحتلال (يائير لابيد) كلمته امام الدورة 77 للأمم المتحدة ويتحدث عن أهمية الاتفاق مع الفلسطينيين على أساس حل الدولتين للشعبين والذي وصفه بانه الشيء الوحيد الصحيح لأمن إسرائيل واقتصادها ومستقبلها، واكد ان السلام ليس حلا وسطا انما أشجع قرار على دولة الاحتلال اتخاذه واعتبره قوة وليس ضعفا لأنه يجسد كل قوة الروح البشرية . لا يبدو ذلك فقط وانما كان لموقف العربية السعودية إثر هام في تحول حقيقي في موقف واشنطن وحلفائها تجاه التأكيد على مبدا حل الدولتين كحل يحقق الامن والاستقرار والازدهار للجميع لدرجة ان مبدا حل الدولتين بدا المصطلح السياسي الأكثر استخداما في كلمات قادة ورؤساء العالم.
المشهد العام بالجمعية العامة للأمم المتحدة في الدورة 77 اظهر ضرورة انهاء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي على أساس حل الدولتين وبدا واضحا ان التوجه الدولي والعربي تجاه حل الدولتين الذي ظهر بقوة من خلال كلمات الدول الأعضاء والمتحدثين وهو ما دفع (يائير لابيد) رئيس وزراء الاحتلال اعتماد استراتيجية الكذب الدبلوماسي الذي قد يشكل له مخرجا من المشهد المحرج لتفادي انتقادات واسعة لموقف دولة الاحتلال من الصراع اذا ما تنكر لحل الدولتين وتجاهل الحديث عنه امام الجمعية العامة وهو يعرف ان حكومته اصغر من ان تقدم على أي خطة للبدء الفوري بتطبيق هذا الحل القائم على قرارات الشرعية الدولية ومرجعيات عملية السلام واهمها مبادرة السلام العربية 2002 , وحكومته اضعف حكومة على الاطلاق ولا تملك قرارا كبيرا كهذا رفضته الحكومات الإسرائيلية المختلفة.
لم يكن يتصور أحد ان يأتي حديث وزير خارجية المملكة العربية السعودية (الأمير فيصل بن فرحان بن عبدالله) بهذه الدقة والقوة ليؤكد ان امن منطقة الشرق الأوسط واستقرارها يتطلب الإسراع في إيجاد حل عادل وشامل للقضية الفلسطينية وفق قرارات الشرعية الدولية وإقامة الدولة الفلسطينية على حدود الرابع من حزيران 1967 وعاصمتها القدس الشرقية والذي شدد بدوره على ان جميع الاعمال أحادية الجانب التي تقوم بها سلطة الاحتلال الإسرائيلي تقوض حل الدولتين, لعل حديثه هذا فاجأ الامريكان والإسرائيليين على وجه الخصوص الذين كانوا يعتقدوا لوقت قريب ان السعودية نسيت مبادرة السلام العربية ولم تعد تهمتم بوجودها على الطاولة, العكس هو الصحيح فان مبادرة السلام العربية اليوم تعود وبقوة كمرجع سياسي لحل الصراع من قبل المجموعة العربية بالأمم المتحدة وهذا يعني ان أي سلام مع أي دولة عربية خارج اطار مبادرة السلام العربية لا يعتبر شرعياً واي علاقة بين إسرائيل والعرب قبل تطبيق مبادرة السلام العربية هي علاقة محرمة.
حدث كبير ومهم على هامش اعمال الدورة السابعة والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك لابد من التوقف عنده كثيرا وتحليل الأهداف السياسية وراءه وهو دعوة (الأمير فيصل بن فرحان بن عبد الله) وزير الخارجية السعودي والأمين العام لجامعة الدول العربية (السيد احمد أبو الغيط) لجنة مبادرة السلام العربية المؤلفة من وزراء خارجية (الأردن ومصر والبحرين وتونس والجزائر والسعودية والسودان والعراق وفلسطين وقطر ولبنان المغرب واليمن) للاجتماع حول الطاولة المستديرة بعد عشرين عاما من إعلانها في القمة العربية ببيروت 2002 وبحضور الممثل الأعلى للسياسات الخارجية والأمنية بالاتحاد الأوروبي (جوزيف بوريل) )، وأمين عام مجلس التعاون لدول الخليج العربية، وأمين عام منظمة التعاون الإسلامي ومبعوث الاتحاد الأوروبي للسلام، ومبعوث الأمم المتحدة لعملية السلام ومبعوث الاتحاد الأوروبي لعملية السلام, هذا الاجتماع وراءه مقصد سياسي هام وهو إعادة مبدا حل الدولتين للواجهة والتأكيد على الموقف العربي من وجوب انهاء الاحتلال الصهيوني للأرض الفلسطينية فورا وتطبيق حل الدولتين على أساس القرارات الشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية كمرجعية عربية وحيدة لإنهاء الصراع مع دولة الاحتلال ,كما واكد هذا الموقف للشركاء الدوليين ودولة الاحتلال على وجه الخصوص ان مبادرة السلام العربية هي الأساس لاي عملية سلام ما دعم الموقف الفلسطيني بقوة واكد ان كل محاولات دولة الاحتلال لتقويض حل الدوليين باطلة واعتبار مبادرة السلام في عداد الميتة هي عملية يريد قادة الاحتلال من خلالها التغطية على علاقاتهم مع بعض دول المنطقة على انه السلام الحقيقي ما من شانه اجبار الفلسطينيين على الانصياع للمسار الاحمق الذي كانت ومازالت دولة الاحتلال تسوقه للفلسطينيين وهو السلام الأمني والاقتصادي فقط .
موقف العربية السعودية موقف يقود المجموعة العربية نحو الطريق الصحيح لإنهاء الصراع مع دولة الاحتلال لكن التوقف عند هذا الحدث وكأنه الحدث الأخير دون حراك اجرائي سيعيد مبادرة السلام العربية من جديد لغرفة التجميد وهذا يتطلب الاستمرار في الحراك العربي والدولي الحثيث لإجبار دولة الاحتلال الجلوس على طاولة المفاوضات مع الفلسطينيين حسب جدول زمني محدد تقره لجنة المبادرة العربية لتطبيق حل الدولتين على أساس القرارات الشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية برعاية اممية عربية أوروبية أمريكية مشتركة. ان القمة العربية القادمة بالجزائر في الاول من تشرين الثاني القادم هي مناسبة عربية ودولية حقيقية للخروج بهذا التصور المشترك وإعطاء دولة الاحتلال مهلة زمنية محددة لتنهي احتلال الأرض الفلسطينية والجلوس على طاولة السلام، وان ماطلت او رفضت الانصياع يتوجب اتخاذ اجراءات عربية ودولية ملزمة تجبر الاحتلال على التعاطي مع الرؤية العربية الدولية المشتركة لتحقيق السلام العادل والشامل يعيد للمنطقة الامن والاستقرار الحقيقيين.