بقلم:المحامي إبراهيم شعبان
في خطاب الرئيس الأمريكي جو بايدن أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في طور انعقادها السنوي الحالي، استذكر كثيرا من القضايا الهامة كوباء الكورونا والمناخ العالمي والإرهاب والتعاون الدولي والقوة المسلحة، لكنه توقف بشكل خاص عند الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ( الإعلان ) الذي صدر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة عبر لجنتها الثالثة في العاشر من كانون الأول من عام 1948، اي قبل أربعة وسبعين عاما.
وناشد الرئيس الأمريكي الدول والمنظمات والحركات والمفكرين والأفراد إعمال الإعلان بتفاصيله التي اعتبرها كمقومات الحياة البشرية والإنسانية كالحمض النووي ( دي إن إي ). وطرح أمثلة كثيرة من هذا الإعلان التي لن تتقدم البشرية إلا بحمايتها ورعايتها وعلى رأسها مبدأ عدم التمييز والمساواة بين البشر. كيف لا ومن وضعه وأشرف على وضعه لجنة شكلتها الجمعية العامة للأمم المتحدة برئاسة إليانور روزفلت الأمريكية زوجة الرئيس فرانكلين روزفلت بعد الحرب العالمية الثانية وهو يقف على منصتها ليخطب.
ويبدو أن السيد جو بايدن جرفته العاطفة المتمثلة في ارتقاء منصة منظمة الأمم المتحدة، فبدأ يوزع أمانيه وعواطفه المجردة، بدون سند واقعي حقيقي، على كثير من الحركات والأشخاص وينتقصها من آخرين. فجاءت كلماته مناقضة للواقع الذي تحياه كثير من الشعوب التي لم يود إزعاجها، رغم أنه يدعي في خطابه مواجهة تلك المظالم وفق الإعلان الذي سارعت لوضعه الجمعية العامة للإرتقاء وحماية حقوق الإنسان بعد فظائع الحرب العالمية الثانية.
وحتى نبتعد عن التنظير، نستشهد ببعض نصوص الإعلان ذاته الذي احتوى ثلاثين مادة لتكون حكما وفيصلا، في وثيقة غدت جزءا من القانون الدولي العرفي، وحجر الزاوية في حقوق الإنسان العالمي بجميع أنحاء العالم، بشماله وجنوبه، ببياضه وسواده وصفاره، بغناه وفقره، بجميع اديانه ولغاته ونسائه ورجاله. أي انه غدا الوثيقة التي تمثل الحد الأدنى المتفق عليه دوليا لحقوق الفرد في جميع رقاع العالم. وقطعا نحن لن نستشهد بجميع نصوص الإعلان العالمي بل ببعض منها، وبخاصة مفتاحها أو وهي عدم التمييز والمساواة.
نصت الفقرة الأولى من المادة الثانية من الإعلان على أن " لكل إنسان حق التمتع بكافة الحقوق والحريات الواردة في هذا الإعلان دون تمييز، بسبب العنصر أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين أو الراي السياسي أو أي رأي آخر أو الأصل الوطني أو الإجتماعي أو الثروة أو الميلاد أو اي وضع آخر ودون أية تفرقة بين الرجال والنساء ". أما الفقرة الثانية من ذات المادة الثانية من ذات الإعلان فقد قررت " وفضلا عما تقدم فلن يكون هناك تمييز أساسه الوضع السياسي أو القانوني أو الدولي للبلد أو البقعة التي ينتمي إليها الفرد سواء أكان هذا البلد أو تلك البقعة مستقلا أو تحت الوصاية أو غير متمتع بالحكم الذاتي أو كانت سيادته خاضعة لأي قيد من القيود ".
فقط، لاحظوا معي كيف ابتدا الإعلان كلامه وخطابه في المادة الثانية التي أوردناها آنفا، ومن هو المخاطب بأحكامه، حين قال " كل إنسان ". فهو لم يخاطب البشر بجنسيتهم التي تعدو مائة وثلاثة وتسعين جنسية، ولم يخاطبهم بأسمائهم التي تنبو على الحصر، ولم يخاطبهم وفق أديانهم ومللهم وفرقهم، ولم يخاطبهم وفق أفكارهم وفلسفاتهم وثقافاتهم، ولم يخاطبهم وفق غناهم وفقرهم، ولم يخاطبهم بصيغة المؤنث أو المذكر، بل خاطبهم جميعا بصفتهم الإنسانية المجردة التي تجمعهم كافة من الولادة وحتى الوفاة، سواء أكانوا مرضى أو أصحاء، قصارا أو طوالا، خريجو جامعات أو مدارس ابتدائية أو إعدادية أو ثانوية أو مهنية وبغض النظر عن موقعهم الجغرافي أو المهني.
بعد هذا التوضيح الهام نسأل السيد جو بايدن رئيس الولايات المتحدة الأمريكية عن مدى تطبيقه وحرصه على رعاية هذا النص الإفتتاحي في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي يشكل روح العصر و"دي إن إي" الحقوق والحريات العامة في العالم أجمع وفق خطابه وكلماته، أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، أم أن كلام وخطب الأمم المتحدة هو للإستهلاك العالمي وذر للرماد في العيون، تماما مثل قراراتها الخاصة بالقضية الفلسطينية، غير المرتبطة بالفصل السابع من الميثاق.
لماذا يا سيد جو بايدن لا تمنع التمييز العنصري في جميع القطاعات تجاه العرب في القدس المحتلة، أو في الداخل الفلسطيني والذي هو خرق فاضح للإعلان وأنت تملك الأدوات المالية والقانونية لذلك. لماذا لا تمنع وتحظر العقوبات الجماعية الإسرائيلية تجاه مواطني الأرض المحتلة وتجاه الفلسطينيين بشكل عام وتنفذ شخصية العقوبة. لماذا تجيز ضم القدس للكيان الإسرائيلي بينما ترفض أمرا مماثلا في أوكرانيا وتميز وتخلق ازدواجية المعايير. لماذا تجيز كسب ملكية إقليم بالقوة العسكرية في الأراضي الفلسطينية المحتلة بينما ترفضه وتدينه في أوكرانيا. لماذا تقبل قانون العودة الإسرائيلي لليهود فقط وترفض حق العودة للفلسطيني سواء أكان مسيحيا أو مسلما لبيته ووطنه. لماذا تقبل قانون القومية الإسرائيلي الذي يعتد باليهودية لوحده دون غيرها ويرفض غيرها حتى الأنجليكانية. لماذا تقبل مصادرة الأراضي الفلسطينية العامة والخاصة من قبل المستعمرات الإسرائيلية، ولا ترفضها وتحاكم بناتها، بل تقوم بتمويلها وتستورد منتجاتها بينما حاكمتم الألمان في نورمبورغ بعد الحرب العالمية الثانية. لماذا تلاحق رجال المقاومة في سجونك وتنتهج التعذيب في غواتيمالا وأبو غريب، وتناهض حركات التحرر العالمية. لماذا تقبل إدارتك هدم المنازل الفلسطينية في فلسطين وتقبل تعقيدات رخص البناء للفلسطينيين المقدسيين بطريقة تمييزية واضحة مخلة بالإعلان العالمي وبمبدأ المساواة. لماذا لا تلاحق الإدارة الأمريكية قتلة المواطنة الامريكية شيرين أبو عاقلة والمواطن الأمريكي عمر اسعد كما سمحتم بملاحقة
قتلة يهود أمريكيين من قبل فلسطينيين أمام المحاكم الأمريكية . لماذا تسمح باعتقال واحتجاز قصر فلسطينيين في الأراضي الفلسطينية المحتلة في تناقض مع ميثاق الطفل العالمي. لماذا تسكت الإدارة الأمريكية على مواطنة المقدسيين في مدينتهم، وطردهم وفقد هويتهم ولم شملهم وتسجيل أطفالهم، وتسكت عن منح تأشيرات الدخول لبلادها لعتاة الإسرائيليين وتفتح حدودها للإسرائيليين بدون تأشيرة دخول. لماذا تسكت الإدارة الأمريكية عن مناهج التعذيب الإسرائيلية في سجونها ضد الفلسطينيين بشكل تمييزي وهي التي تمول الموازنة الإسرائيلية.
السؤال الذي يطرح نفسه بعد كل هذه الأمثلة الصارخة والمنتهكة لحقوق الإنسان والتي هي غيض من فيض، أين الموقف الأمريكي منها ولماذا هذا التمييز الصارخ المناقض للمادة الثانية في تطبيق الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، الذي يتم التشدق به من على منصة الجمعية العامة للأمم المتحدة والتمسك به.
إذا كانت مادة واحدة من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان تجمع كل هذه الخروقات، ولا تلقى جزاء أمريكيا، فما بالك ببقية الحقوق الواردة في الإعلان العالمي والتي تخرقها سلطة الإحتلال صباح مساء ولا تلقى حتى عتابا أمريكيا ولا قطعا لمساعدات، أو تقييدا لتنسيق ما، فاعلم أن كل ما يقال من كلام أمريكي في أروقة الأمم المتحدة هو للإستهلاك العالمي كما هو الحال في قرار التقسيم رقم 181 وقرار العودة رقم 194. أما الإنسانية فهي فكرة لونت واصطبغت بألوان وأصباغ تناسب المكان والزمان، وتناوب عليها الأخيار والأشرار، ولكنها ترسي الحرية في زمن نكست فيه أعلامها!!!