جو بايدن والإعلان العالمي لحقوق الإنسان!!‏

جمعة, 09/30/2022 - 06:52

بقلم:المحامي إبراهيم شعبان
في خطاب الرئيس الأمريكي جو بايدن أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في طور انعقادها ‏السنوي الحالي، استذكر كثيرا من القضايا الهامة كوباء الكورونا والمناخ العالمي والإرهاب ‏والتعاون الدولي والقوة المسلحة، لكنه توقف بشكل خاص عند الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ‏‏( الإعلان ) الذي صدر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة عبر لجنتها الثالثة في العاشر من ‏كانون الأول من عام 1948، اي قبل أربعة وسبعين عاما.‏
وناشد الرئيس الأمريكي الدول والمنظمات والحركات والمفكرين والأفراد إعمال الإعلان ‏بتفاصيله التي اعتبرها كمقومات الحياة البشرية والإنسانية كالحمض النووي ( دي إن إي ). ‏وطرح أمثلة كثيرة من هذا الإعلان التي لن تتقدم البشرية إلا بحمايتها ورعايتها وعلى رأسها ‏مبدأ عدم التمييز والمساواة بين البشر. كيف لا ومن وضعه وأشرف على وضعه لجنة شكلتها ‏الجمعية العامة للأمم المتحدة برئاسة إليانور روزفلت الأمريكية زوجة الرئيس فرانكلين ‏روزفلت بعد الحرب العالمية الثانية وهو يقف على منصتها ليخطب.‏
ويبدو أن السيد جو بايدن جرفته العاطفة المتمثلة في ارتقاء منصة منظمة الأمم المتحدة، فبدأ ‏يوزع أمانيه وعواطفه المجردة، بدون سند واقعي حقيقي، على كثير من الحركات والأشخاص ‏وينتقصها من آخرين. فجاءت كلماته مناقضة للواقع الذي تحياه كثير من الشعوب التي لم يود ‏إزعاجها، رغم أنه يدعي في خطابه مواجهة تلك المظالم وفق الإعلان الذي سارعت لوضعه ‏الجمعية العامة للإرتقاء وحماية حقوق الإنسان بعد فظائع الحرب العالمية الثانية.‏
وحتى نبتعد عن التنظير، نستشهد ببعض نصوص الإعلان ذاته الذي احتوى ثلاثين مادة لتكون ‏حكما وفيصلا، في وثيقة غدت جزءا من القانون الدولي العرفي، وحجر الزاوية في حقوق ‏الإنسان العالمي بجميع أنحاء العالم، بشماله وجنوبه، ببياضه وسواده وصفاره، بغناه وفقره، ‏بجميع اديانه ولغاته ونسائه ورجاله. أي انه غدا الوثيقة التي تمثل الحد الأدنى المتفق عليه دوليا ‏لحقوق الفرد في جميع رقاع العالم. وقطعا نحن لن نستشهد بجميع نصوص الإعلان العالمي بل ‏ببعض منها، وبخاصة مفتاحها أو وهي عدم التمييز والمساواة.‏
نصت الفقرة الأولى من المادة الثانية من الإعلان على أن " لكل إنسان حق التمتع بكافة الحقوق ‏والحريات الواردة في هذا الإعلان دون تمييز، بسبب العنصر أو اللون أو الجنس أو اللغة أو ‏الدين أو الراي السياسي أو أي رأي آخر أو الأصل الوطني أو الإجتماعي أو الثروة أو الميلاد ‏أو اي وضع آخر ودون أية تفرقة بين الرجال والنساء ". أما الفقرة الثانية من ذات المادة الثانية ‏من ذات الإعلان فقد قررت " وفضلا عما تقدم فلن يكون هناك تمييز أساسه الوضع السياسي أو ‏القانوني أو الدولي للبلد أو البقعة التي ينتمي إليها الفرد سواء أكان هذا البلد أو تلك البقعة ‏مستقلا أو تحت الوصاية أو غير متمتع بالحكم الذاتي أو كانت سيادته خاضعة لأي قيد من ‏القيود ".‏
فقط، لاحظوا معي كيف ابتدا الإعلان كلامه وخطابه في المادة الثانية التي أوردناها آنفا، ومن ‏هو المخاطب بأحكامه، حين قال " كل إنسان ". فهو لم يخاطب البشر بجنسيتهم التي تعدو مائة ‏وثلاثة وتسعين جنسية، ولم يخاطبهم بأسمائهم التي تنبو على الحصر، ولم يخاطبهم وفق أديانهم ‏ومللهم وفرقهم، ولم يخاطبهم وفق أفكارهم وفلسفاتهم وثقافاتهم، ولم يخاطبهم وفق غناهم ‏وفقرهم، ولم يخاطبهم بصيغة المؤنث أو المذكر، بل خاطبهم جميعا بصفتهم الإنسانية المجردة ‏التي تجمعهم كافة من الولادة وحتى الوفاة، سواء أكانوا مرضى أو أصحاء، قصارا أو طوالا، ‏خريجو جامعات أو مدارس ابتدائية أو إعدادية أو ثانوية أو مهنية وبغض النظر عن موقعهم ‏الجغرافي أو المهني.‏
بعد هذا التوضيح الهام نسأل السيد جو بايدن رئيس الولايات المتحدة الأمريكية عن مدى تطبيقه ‏وحرصه على رعاية هذا النص الإفتتاحي في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي يشكل روح ‏العصر و"دي إن إي" الحقوق والحريات العامة في العالم أجمع وفق خطابه وكلماته، أمام الجمعية ‏العامة للأمم المتحدة، أم أن كلام وخطب الأمم المتحدة هو للإستهلاك العالمي وذر للرماد في ‏العيون، تماما مثل قراراتها الخاصة بالقضية الفلسطينية، غير المرتبطة بالفصل السابع من ‏الميثاق.‏
لماذا يا سيد جو بايدن لا تمنع التمييز العنصري في جميع القطاعات تجاه العرب في القدس ‏المحتلة، أو في الداخل الفلسطيني والذي هو خرق فاضح للإعلان وأنت تملك الأدوات المالية ‏والقانونية لذلك. لماذا لا تمنع وتحظر العقوبات الجماعية الإسرائيلية تجاه مواطني الأرض ‏المحتلة وتجاه الفلسطينيين بشكل عام وتنفذ شخصية العقوبة. لماذا تجيز ضم القدس للكيان ‏الإسرائيلي بينما ترفض أمرا مماثلا في أوكرانيا وتميز وتخلق ازدواجية المعايير. لماذا تجيز ‏كسب ملكية إقليم بالقوة العسكرية في الأراضي الفلسطينية المحتلة بينما ترفضه وتدينه في ‏أوكرانيا. لماذا تقبل قانون العودة الإسرائيلي لليهود فقط وترفض حق العودة للفلسطيني سواء ‏أكان مسيحيا أو مسلما لبيته ووطنه. لماذا تقبل قانون القومية الإسرائيلي الذي يعتد باليهودية ‏لوحده دون غيرها ويرفض غيرها حتى الأنجليكانية. لماذا تقبل مصادرة الأراضي الفلسطينية ‏العامة والخاصة من قبل المستعمرات الإسرائيلية، ولا ترفضها وتحاكم بناتها، بل تقوم بتمويلها ‏وتستورد منتجاتها بينما حاكمتم الألمان في نورمبورغ بعد الحرب العالمية الثانية. لماذا تلاحق ‏رجال المقاومة في سجونك وتنتهج التعذيب في غواتيمالا وأبو غريب، وتناهض حركات ‏التحرر العالمية. لماذا تقبل إدارتك هدم المنازل الفلسطينية في فلسطين وتقبل تعقيدات رخص ‏البناء للفلسطينيين المقدسيين بطريقة تمييزية واضحة مخلة بالإعلان العالمي وبمبدأ المساواة. ‏لماذا لا تلاحق الإدارة الأمريكية قتلة المواطنة الامريكية شيرين أبو عاقلة والمواطن الأمريكي ‏عمر اسعد كما سمحتم بملاحقة
قتلة يهود أمريكيين من قبل فلسطينيين أمام المحاكم الأمريكية . ‏لماذا تسمح باعتقال واحتجاز قصر فلسطينيين في الأراضي الفلسطينية المحتلة في تناقض مع ‏ميثاق الطفل العالمي. لماذا تسكت الإدارة الأمريكية على مواطنة المقدسيين في مدينتهم، ‏وطردهم وفقد هويتهم ولم شملهم وتسجيل أطفالهم، وتسكت عن منح تأشيرات الدخول لبلادها ‏لعتاة الإسرائيليين وتفتح حدودها للإسرائيليين بدون تأشيرة دخول. لماذا تسكت الإدارة ‏الأمريكية عن مناهج التعذيب الإسرائيلية في سجونها ضد الفلسطينيين بشكل تمييزي وهي التي ‏تمول الموازنة الإسرائيلية.‏
السؤال الذي يطرح نفسه بعد كل هذه الأمثلة الصارخة والمنتهكة لحقوق الإنسان والتي هي ‏غيض من فيض، أين الموقف الأمريكي منها ولماذا هذا التمييز الصارخ المناقض للمادة الثانية ‏في تطبيق الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، الذي يتم التشدق به من على منصة الجمعية العامة ‏للأمم المتحدة والتمسك به.‏
إذا كانت مادة واحدة من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان تجمع كل هذه الخروقات، ولا تلقى ‏جزاء أمريكيا، فما بالك ببقية الحقوق الواردة في الإعلان العالمي والتي تخرقها سلطة الإحتلال ‏صباح مساء ولا تلقى حتى عتابا أمريكيا ولا قطعا لمساعدات، أو تقييدا لتنسيق ما، فاعلم أن ‏كل ما يقال من كلام أمريكي في أروقة الأمم المتحدة هو للإستهلاك العالمي كما هو الحال في ‏قرار التقسيم رقم 181 وقرار العودة رقم 194. أما الإنسانية فهي فكرة لونت واصطبغت ‏بألوان وأصباغ تناسب المكان والزمان، وتناوب عليها الأخيار والأشرار، ولكنها ترسي الحرية ‏في زمن نكست فيه أعلامها!!! ‏

الفيديو

تابعونا على الفيس