بقلم : راسم عبيدات
اكاد اجزم بأن كل المآسي والهجرة القسرية والتشرد والنكبات التي لحقت بشعبنا الفلسطيني،هي بفعل بريطانيا الإستعمارية، التي منح وزير خارجيتها بلفور في الثاني من تشرين ثاني/1917،وعداً للملياردير اليهودي روتشيلد،بإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين على حساب الشعب الفلسطيني وأرضه، وهذا العطاء ممن لا يملك لمن لا يستحق،لم يكن عفوياً أو بدون تخطيط ورؤيا واستراتيجية استعمارية، بل كانت واحد من اهدافه الإستعمارية،بأن هذا الكيان يقع في قلب العالم العربي، ويفصل شماله عن جنوبه،ويمنع أي عملية توحد في المستقبل وقيام أي مشروع قومي عربي،وسيطرة العرب على ثرواتهم وخيراتهم،وكذلك حدد مهمة استراتيجية لهذا الكيان،بأن يكون رأس الحربة للدول الإستعمارية،في قمع ومهاجمة أي دولة او حركة تحرر عربية، تطرح الخروج على قوى الإستعمار والإنعتاق منها،وضمن هذه الرؤيا عملت بريطانيا على تسهيل الهجرات اليهودية الى فلسطين،وكذلك تزويد هذا الكيان بالسلاح،بما يضمن تمدد المشروع الصهيوني على كامل الجغرافيا الفلسطينية...وبريطانيا كانت تمارس اشد العقوبات بحق المقاومين الفلسطينيين،بحيث كانت حيازة رصاصة واحده كافية للحكم بالإعدام او السجن المؤبد لمالكها،...بفعل سياسات بريطانيا الإستعمارية وتواطؤ ما عرف بجيوش الإنقاذ العربية،والتي ليس لها نصيب من الإنقاذ سوى الإسم،حيث كان اغلبها يقاد من قادة جيش الإستعمار البريطاني،وأسلحتها فاسدة واستعداداتها للحرب كانت لفظية وكلامية وشعاراتية،وفي الواقع تساوقت معظمها مع المشروع الإستعماري والإحتلالي. ...بريطانيا وهي التي دعمت دولة الكيان،ودائماً كانت تقف الى جانبها،وتدعمها بكل مقومات القوة والبقاء عسكرياً ومالياً واقتصادياً وسياسياً،وترى في كفاح ومقاومة شعبنا،شكل من أشكال "الإرهاب" وان دولة الكيان،من حقها الدفاع عن نفسها في وجه " الإرهاب" الفلسطيني والعربي....وضمن هذه الرؤيا،وجدنا بان الحكومات البريطانية المتعاقبة،كانت تقف وتفشل أي قرارات او عقوبات يجري طرحها أو السعي لفرضها في المؤسسات الدولية من قبل مجلس الأمن الدولي والجمعية العامة ومجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة على دولة الكيان لقيامها بإرتكاب الجرائم بحق شعبنا الفلسطيني،وممارسة العنصرية وكل اشكال التطهير العرقي بحقه،بل وذهبت الى ما هو ابعد من ذلك بتعديل قوانينها،لمنع إعتقال ومحاكمة أي من جنود وقادة الإحتلال المتهمين بإرتكاب جرائم حرب على أراضيها،وكذلك جرمت من يقوم بالدعوة الى مقاطعة دولة الكيان ومؤسساتها بفعل سياستها العنصرية،وكذلك كل من يدعو الى سحب الإستثمارات منها،واعتبرت حركة المقاطعة الدولية (BDS) منظمة غير مشروعة ...ولم تكتف بذلك،بل صنفت العديد من التنظيمات الفلسطينية بجناحيها العسكري والسياسي مثل حركة حماس والجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية كمنظمات " إرهابية" ،وكذلك هي جزء رئيسي من سياسة دول الإتحاد الأوروبي، التي تصر على تقديم المال المشروط للمؤسسات الأهلية ومنظمات المجتمع المدني الفلسطيني،حيث مطلوب من تلك المؤسسات التوقيع على ملحق في العقود التمويلية،بالموافقة على اعتبار العديد من التعبيرات السياسية للنضال الوطني الفلسطيني كمنظمات " إرهابية" ،وكذلك بضرورة التحقق من المستفيدين من هذه الأموال.
بريطانيا مع مرور اكثر من قرن على وعد بلفور،رفضت ان تعتذر عن هذا الوعد المشؤوم،بل حتى في ذكرى مرور مئة عام عليه،حيث طالبها شعبنا الفلسطيني وقواه السياسية بضرورة تقديم اعتذار للشعب الفلسطيني،وتحمل مسؤولياتها السياسية والقانونية والأخلاقية والمادية عن هذا الوعد الظالم،لكنها رفضت ذلك واقامت احتفالاً في الذكرى المئوية لهذا الوعد،في إصرار على التنكر لحقوق شعبنا وقضيتنا وحقوقنا الوطنية، وما حديثها الممجوج عن أنها تؤيد حل قائم على أساس الدولتين،ليس أكثر من ذر للرماد في العيون.
بريطانيا وغيرها من دول الغرب الإستعماري وأمريكا،والذين يقولون بأنهم ضد جواز الإستيلاء على أرض الغير بالقوة ،كما هو الحال في اوكرانيا،حيث وصفوا حربهم هم وأمريكا على روسيا في أوكرانيا،بأنه لا يحق لروسيا ان تغزو بلدا آخر وتحتل أرضه،وهم يعرفون جيداً بأن العملية العسكرية التي قامت بها روسيا،هي اضطرارية لحماية امنها القومي،ولمنع وصول "حلف " الناتو" الى غرف "نوم" القيادة الروسية،وكذلك ضم اوكرانيا الى حلف "الناتو" ونشر اسلحة استراتيجية على أراضيها تهدد الأمن القومي لروسيا.
هذه المعايير المزدوجة والسياسة الإنتقائية،نتلمسها بشكل واضح في المناقشات التي تجري في الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها ال77 ،حيث أن امريكا وبريطانيا، ستكون من أول الدول المبادرة لرفض أي قرار،يجري التصويت عليه في مجلس الأمن الدولي،بعد حصوله على تسعة أصوات واتخاذ حق النقض " الفيتو" بحقه ،بالإعتراف بدولة فلسطينية تحت الإحتلال.
بريطانيا رئيسة وزرائها اليمينية الجديدة ليزا تراس"والتي وعدت اصدقاءها من اللوبي اليهودي،عندما كانت وزيرة للخارجية في حكومة بوريس جونسون،بنقل سفارة دولتها من تل أبيب الى القدس،التقت رئيس وزراء الكيان في نيويورك على هامش اجتماعات الجمعية العامة،وأبدت رغبتها بنقل سفارتها من تل أبيب الى القدس، أسوة بأمريكا التي قادت في عهد الرئيس الأمريكي السابق ترامب،عملية نقل سفارتها من تل ابيب الى القدس في ذكرى نكبة شعبنا الفلسطيني 15/آيار/ 2018 ، وتبعتها ثلاث دول أخرى غواتمالا وهندورس وكوسوفو...بريطانيا هذه المعادية والمتنكرة لحقوق شعبنا والحامية لدولة الإحتلال،هي وقوى الغرب الإستعماري وأمريكا من أية قرارات أو عقوبات قد تتخذ بحقها او تفرض عليها نتيجة لخرقها السافر للقانون والمعاهدات والإتفاقيات الدولية ، وجدنا العديد من قادة النظام الرسمي العربي،يتقاطرون لحضور جنازة ملكتها والتي هي جزء من التركة الإستعمارية البريطانية،والأدهى من ذلك العديد منها اعلن الحداد عليها...في مفارقة عجيبة غربية،فتلك الدول لم تنكس اعلامها او تعلن الحداد بوفاة او إستشهاد العديد من القادة العرب والفلسطينين.
ها هي بريطانيا التي تقاطرتم لحضور جنازتها تصفعكم على وجوهكم، وتقول لكم بأنها لن تكون إلا لجانب لدولة الكيان في إحتلالها وخرقها للقانون الدولي .