بقلم: أحمد صيام
في مثل هذا الوقت قبل عام ، وفي خطابه أمام الامم المتحدة ، دعا الرئيس محمود عباس"ابو مازن" الى انهاء الاحتلال الاسرائيلي والانسحاب من اراضي دولة فلسطين المحتلة بما فيها مدينة القدس في غضون عام، معبرا عن استعداده لترسيم الحدود وانهاء جميع قضايا الوضع النهائي، مهددا في حال عدم تحقيق ذلك بسحب الاعتراف بما يسمى"دولة اسرائيل" ومعلنا انه سيتوجه الى محكمة العدل الدولية باعتبارها الهيئة الاعلى في القضاء الدولي لاتخاذ قرار حول شرعية وجود الاحتلال على ارض دولة فلسطين والمسؤوليات المترتبة على الامم المتحدة ودول العالم، مشددا على اهمية التقيد بنتائج ما سيصدر عن المحكمة بهذا الصدد، ومضيفا ان قبول المجتمع الدولي ومساعدته لتطبيق هذه المبادرة المستندة الى الشرعية الدولية قد ينقذ المنطقة من الذهاب الى المصير المجهول.
في ضوء ذلك كله ووسط حالة التصعيد التي تقوم بها سلطات الاحتلال الاسرائيلي في القدس والضفة الغربية وقطاع غزة، وفي ظل انعدام الافق السياسي وجنوح الاحتلال الى التصعيد العسكري والابتعاد عن مسار السلام، اتضحت معالم وحروق فالكلمة التي سيلقيها الرئيس عباس يوم غد الجمعة امام الامم المتحدة في الدورة ال 77 للامم المتحدة، حيث من المتوقع ان تخلو من حرف "السين" ( سننتظر ، سنرى ، سنحاول ، سنعمل ... ) وغيرها من الافعال التي باتت في اطار الفعل الماضي ، لذا سينتقل الى الفعل المضارع وعلى الاغلب مسبوقا بفعل أمر من اعلى هيئة اممية لاقرار الحقوق الوطنية الفلسطينية غير القابلة للتصرف ومنها ما فيه قرارات دولية لكنها ما زالت داخل "الجارور" .. لماذا ؟
الرئيس عباس وكما يبدو وصل الى قناعة باتت شبه مؤكدة ان سلطات الاحتلال غير معنية بمفاوضات ستقود من دون شك الى تحقيق ولو جزئي - وبالطبع منقوصة - لحقوق فلسطينية حتى ولو كانت لا تلبي الحد الادنى من الطموح الفلسطيني، ومع ذلك فسلطات الاحتلال ترفضه بشكل مطلق ، بل وتسعى بكل ما اوتيت من قوة واستغلال لما يجري في العالم واستثماره للتنصل من كل ما جرى الاتفاق عليه بين جميع الاطراف ، لانها لا ترى بالجانب الفلسطيني شريك يتمتع بنقاط قوة يتمترس حولها وتمكنه من فرض شروطه، انما تنظر اليه كاحد مستخدميها الذين تستخدمهم لتحقيق اهدافها الخارجة عن الاعراف والمواثيق والقوانين الدولية.
وتتمترس ببنود اتفاقيات ما يصب لصالحها فيما تلتف على ما هو مطلوب منها، ويتضح ذلك من ممارسات اشتدت وتيرتها في الاونة الاخيرة في الضفة الغربية حيث الاقتحامات والاغتيالات التي تقدم قرابين للانتخابات الاسرائيلية، وارباك وضع السلطة الفلسطينية في المناطق الخاضعة لسيطرتها شكلا ، بينما ضمنا تسعى سلطات الاحتلال الى احداث حالة من الفوضى المبرمجة وتحت السيطرة لكنها تفقد ما تبقى من وجود للسلطة الفلسطينية وتنزع منها الهيبة، ومشاريع الاستيطان المتزايدة التي تبتلع الارض الفلسطينية والتي تفقد اي أمل لاقامة دولة فلسطينية مترابطة جغرافيا وتحد من النمو الطبيعي الفلسطيني.
وربما خروج الرئيس عباس عن النص المدون امامه في اللقاء الاخير الذي جمعه بالمستشار الالماني حيث عرج في الرد على سؤال لاحد الصحفيين حول الهولوكوست اليهودية ورده العفوي بان اسرائيل ترتكب خمسين هولوكوست بحق ابناء الشعب الفلسطيني ، تعبير صريح ودليل قاطع لما وصل اليه الرئيس من حالة فقدان الثقة بالجانب الاسرائيلي والى حد كبير من داعمه بلا حدود الجانب الاميركي والمجتمع الدولي عامة الذي يكيل بمكيالين في سياسته الخارجية خاصة اذا ما تعلق الامر بما يسمى "تهديد أمن اسرائيل" والحقوق الفلسطينية والتجاهل المطلق لما تقوم به اسرائيل من ممارسات تهدد الوجود الفلسطيني العربي الاسلامي المسيحي في القدس وعموم الاراضي الفلسطينية المحتلة.
وكما يبدو ان الرئيس عباس يرغب باستثمار التوقيت الذهبي المتوفر حاليا حيث خطاب اممي ، تليه باقل من شهرين قمة عربية في الجزائر، ربما يتخللها تقريب وجهات النظر الفلسطينية- الفلسطينية ، ليعلن عن خطوات ربما تكاد تكون مصيرية وتدفع باتجاه الاقرار بالحقوق الوطنية الفلسطينية والحد من التراخي مع الممارسات الاسرائيلية وحشر اسرائيل بزاوية تحاول الابتعاد عنها ، وعمدت مؤخرا الى سن قوانين لوأد اي فكرة قد يجري تداولها في الاروقة الدولية حول الغاء ما مضى من اتفاقيات والمضي باتجاه حلول "خلاقة ".
ومع انسداد الافق السياسي وفشل المفاوضات حتى اللحظة وتعثر حل الدولتين الذي اصبح امرا شبه مستحيل بفعل واقع الحال الذي تعيشه الاراضي الفلسطينية من استيطان وتهويد والذي قد يصبح سلاحا فلسطينيا يقتل فيه قانون يهودية الدولة، قد يقدم الرئيس عباس على تنفيذ تهديداته واللجوء الى محكمة العدل الدولية لتطبيق قرار تقسيم فلسطين الى دولتين عربية ويهودية والذي يشترط قبول عضوية اسرائيل بقيام الدولة العربية ويحمل الرقم 181 ويجبر اسرائيل على ترسيم حدودها ويعطيها من فلسطين التاريخية نحو 46 بالمئة فيما الباقي دولة عربية بما فيها القدس الشرقية.
ولكن هل يكفي ذلك ؟ وهل سيتعاطى المجتمع الدولي المنحاز للسياسة الاسرائيلية ويكيل بمكيالين فيما يتعلق الامر بالقضية الفلسطينية ؟ ربما على القيادة الفلسطينية وعلى رأسها الرئيس عباس التفكير الجدي هذه المرة بحل "الدولة الواحدة " ، لا الدولة ثنائية القومية ، وهو ما لم اكن من المتحمسين اليه ، مع العلم ان اسرائيل ترفض وبشكل مطلق كل ما ذكر اعلاه لتعارضه والاحلام اليهودية بالتوسع والاستيطان والاحتلال والاحلال ، ناهيك عن الثقافة اليهودية الانعزالية التي ترفض الانخراط بمجتمعات اخرى ، ولكن حل الدولة الواحدة الديمقراطية العلمانية (المدنية) والتي يتعايش فيها الشعبان العربي ( مسلمين ومسيحيين ) واليهودي في كنف نظام سياسي واحد ديمقراطي يكفل المساواة للجميع، ويسود القانون على الجميع دون أي اعتبار للدين أو اللون أو العرق إلخ… وهو حل ليس بجديد انما كانت قد تبنته الثورة الفلسطينية منذ انطلاقتها، ولكن يعتبر الان الحل الاكثر واقعية وامكانية للتحقيق مع واقع الحال والمحال.
وربما حل الدولتين سيدفن اتفاق اوسلو ويحرقه ويحافظ على وحدة فلسطين التاريخية من البحر الى النهر ويضمن عودة اللاجئين المهجرين عن اراضيهم من عام 1948 وبالتالي ينهي الحلم الاسرائيلي بيهودية الدولة ويكشف حقيقة الكيان الاسرائيلي القائم على سياسة الابارتهايد والاخذة بالتوسع وبوحشية في الاونة الاخيرة ، حيث تقام دولة ديمقراطية واحدة بين البحر الأبيض المتوسط ونهر الأردن، كدولة لكل مواطنيها، بما فيهم اللاجئين الفلسطينيين ، يتمتع فيها الجميع بحقوق متساوية، إضافة إلى الحرية والأمن، وهذه الدولة تكون ديمقراطية دستورية، تنبع سلطة الحكم وسَنّ القوانين فيها من إرادة الشعب ، ويتمتع جميع مواطنيها بحقوق متساوية في الانتخاب والترشح لأي منصب والمساهمة في حكم البلاد.