بقلم : د. أماني القرم
المعروف أن الحروب ليس لها تواريخ انتهاء عند بدئها ... والحرب الروسية الاوكرانية التي بدأت منذ ستة أشهر لا يبدو أنها ستنتهي قريبا رغم تداعياتها المؤلمة على الاقتصاد العالمي وحجم الخسائر والدمار الذي لحق بطرفيها..كل الاشارات توحي بأن الحرب مستمرة لفترة ربما تصل لسنوات.. فبعد ان كانت تحتل عناوين الاخبار الرئيسية في أشهرها الأولى تغطيات مكثفة لمسارها بالتزامن مع جهود دبلوماسية ووساطات متعددة لوقف نزيفها، بدأت الدعوات التي تطالب بإنهائها تخبو شيئا فشيئا وباتت وكأنها واقع يجب التعامل معه كما هو.. واستبدلت المناقشات حول الخطط المستقبلية لاعمار اوكرانيا بإعلانات تكاد تكون شهرية حول سيل متدفق من المساعدات العسكرية الأمريكية لأوكرانيا، صدر آخرها قبل يومين من قبل وزير الخارجية الامريكية أنطوني بلينكن الذي أعلن عن حزمة دعم عسكرية جديدة لكييف بقيمة 2 مليار دولار.
فضلا عن أخبار تتحدث حول اجتماعات مكثفة في البنتاجون للبحث في كيفية الاتجاه نحو مزيد من الانخراط الامريكي في أوكرانيا عبر ربطها بعقود مبيعات أسلحة على مدار سنوات، وتدريبات وعملية تحديث للجيش وتزويده بمعدات ورادارات من أبرز مهامها جمع معلومات استخباراتية حول روسيا..
لماذا لا تبدو نهاية للحرب كما كان متوقعا ؟ بعض من الاسباب المحتملة لاجابة هذا السؤال تكمن في:
أولاً : التحول في موازين القوة . في البداية اعلنت روسيا قيامها بعملية خاصة في أوكرانيا ، كان هناك شك امريكي وعالمي في قدرة كييف على الصمود الطويل امام قوة الجيش الروسي. لكن مع اظهار أوكرانيا ثباتاً وصبراً ،رغم الخسائر المادية والبشرية الهائلة، واستطاعتها إلحاق خسائر بالجيش الروسي أدت الى تمتعها ببعض الفوز الرمزي على أرض الواقع ، الأمر الذي شجع واشنطن والغرب على التخلي عن سياستها الحذرة لاستفزاز موسكو. كما أبرز الأهمية الاستراتيجية للدور الذي يمكن أن تلعبه كييف كحائط صد امام الطموحات الروسية في التغلغل في القارة الاوروبية . وعليه، في نظر الولايات المتحدة طالما أثبتت أوكرانيا قدرتها على التمسك بسياسة النفس الطويل ، سيستمر بتغذيتها بالسلاح وستزداد أهميتها بالنسبة للأهداف الاستراتيجية الامريكية . ليس مهمًّا بالطبع حجم الخسائر والدمار الذي سيلحق بها في إطار ما يعرف الاستراتيجية الأمريكية الكبرى إلا لأغراض الاستهلاك العالمي الاعلامي!
ثانيا : التغيير في الأهداف. الحرب الأوكرانية الروسية تخطت مسألة كونها صراعاً اقليميًّا بين روسيا التي تريد استعادة السيطرة على اوكرانيا وتعتبرها جزءاً من ارثها التاريخي وبين أوكرانيا التي تدافع عن استقلالها ورغبتها اللحاق بالجبهة الغربية، إنّما باتت صراعاً بين روسيا من جهة وامريكا والناتو من خلفها من جهة اخرى ضمن لعبة موازين القوى العالمية.
روسيا من جهتها تصر على إظهار أنها قوة عظمى ولذا فهي لن تقبل أي شيء يفسر على أنه هزيمة ، كما أن مسألة استعجال انهاء الحرب لم تعد ضمن الحسابات في موسكو استناداً لسياسة عض الأصابع . بوتين رغم العقوبات الاقتصادية الموجعة على بلاده يراهن على مدى صبر أوروبا من الألم الناتج عن عواقب الحرب الدائرة حيث أزمة الغذاء والطاقة. أما الولايات المتحدة من جهتها ، تحاول استثمار فرصة الحرب لتثبت أنها ماتزال تتمتع بالقيادة العالمية الغربية وأنها الوحيدة القادرة على حماية الديمقراطيات الغربية رغم الفشل في أفغانستان والشرق الأوسط. كما أن إطالة أمد الحرب واستمرار تزويد أوكرانيا بالسلاح يعنى مزيد من الاستنزاف لروسيا وتقهقرها وتحجيمها.
ثالثا : درس للصين . لاشك أن الصين تتابع مآلات الحرب الروسية الأوكرانية بعدسة مكبرة خاصة فيما يتعلق بالاستجابة الامريكية وردة فعلها ازاء الغزو الروسي لأوكرانيا .. واشنطن بتخليها عن السياسات الحذرة وتصعيد درجة العقوبات ضد روسيا والدعم العسكري اللانهائي لكييف تريد أن تظهر للصينيين ما هو مؤشرات التعامل الامريكي تجاه أية تحركات صينية ضد تايوان!
وبناء على ما سبق ما الفائدة من السعي لإنهاء الحرب الان ؟
القدس