ها قد بدأ سبتمبر، وسمعنا مرارا وتكرارا من مسؤولين في المناطق الخاضعة للسيطرة الروسية، الأوكرانية سابقا، عن عزمهم على إجراء استفتاءات في هذا الشهر بشأن انضمام تلك المناطق إلى روسيا.
قبل أيام، كانت هناك أنباء عن تسليم أدوات خاصة بالاستفتاء إلى منطقة خيرسون، إلا أنه ليس بإمكاننا القول إن هناك عملا نشطا ملحوظا للتحضير للاستفتاء في كل مكان.
من جانبها، لا تعلق السلطات الروسية بعد على توقيت الاستفتاء المحتمل، مشيرة فقط إلى أن هذا من اختصاص السلطات المحلية، وأن مصير المناطق يجب وأن يقرره السكان المحليون.
كما أنه ليس هناك يقين من أن الاستفتاءات ستجري في سبتمبر، لا سيما بالنظر إلى المحاولات الراهنة من قبل القوات الأوكرانية لشن الهجوم الذي طال انتظاره.
في الوقت نفسه، فقد تلقت أجزاء من مناطق خيرسون وزابوروجيه وخاركوف، الخاضعة للسيطرة الروسية رمزا هاتفيا روسيا جديدا، وأرقام لوحات سيارات روسية، وتم تحويل الدراسة في المدارس هناك إلى الكتب المدرسية الروسية، وتم تسهيل إجراءات الحصول على الجنسية الروسية للسكان المحليين. وبحلول بداية العام الدراسي، خصص الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، كذلك 10 آلاف روبل لكل طالب في المناطق الخاضعة للسيطرة الروسية، الأوكرانية سابقا.
وبالتالي، فليس هناك شك من أنه سيتم إجراء الاستفتاء عاجلا أم آجلا، ولا شك في النتيجة التي تعول عليها السلطات الروسية. في الوقت نفسه، يتم تنفيذ إجراء الاستفتاء بشكل أكبر من أجل الامتثال للإجراءات الداخلية لتصبح المناطق جزءا من روسيا، لا لتسهيل الاعتراف بالنتائج من قبل ما يسمى بالمجتمع الدولي.
فمن الواضح أنه في إطار النظام العالمي الراهن لن يعترف الغرب أو أي من غالبية دول العالم الواقعة تحت ضغطه بنتائج الاستفتاءات. لكن القليل من الناس في روسيا يعيرون ذلك أي اهتمام، لأنه إذا نجت روسيا (نظرا لامتلاكها السلاح النووي، ومن الصعب تخيل خلاف ذلك)، فستكون من بين تلك الدول التي ستحدد القواعد الجديدة للعبة في غضون بضع سنوات.
في الوقت نفسه، تبذل كييف نفسها قصارى جهدها لضمان انضمام الأراضي الأوكرانية السابقة إلى روسيا.
فمنذ أيام، صرحت نائبة رئيس الوزراء الأوكراني، إيرينا فيريشوك، بأن المواطنين الأوكرانيين الذين سيشاركون في الاستفتاء سيعاقبون بالسجن لمدة 12 عاما في أوكرانيا، مع مصادرة ممتلكاتهم لتعاونهم مع العدو. الآن، سوف يمتنع السكان، المرعوبون والموالون لأوكرانيا، عن المشاركة في الاستفتاء، ولن يصوت سوى أولئك الذين يريدون العيش في روسيا.
يجب ألا ننسى أن أوكرانيا كانت دائما منقسمة سياسيا، وأن خط الانقسام، كقاعدة عامة، يمتد عبر الحدود اللغوية. وفي جميع المناطق التي تتواجد فيها القوات الروسية، يتكون غالبية السكان من الأشخاص الذين دائما ما كانوا يستخدمون اللغة الروسية في الحياة اليومية، ويدعون إلى إعطاء اللغة الروسية مكانة اللغة الرسمية الثانية في الدولة.
في ظل هذه الظروف، من الواضح أن كل من يقرر المشاركة في الاستفتاء تقريبا سيكون مؤيدا لروسيا، ولا يمكن أن تكون النتيجة سوى الانضمام إلى روسيا.
بل إن الطبيعة الصارمة، وحجم الإجراءات الروسية مسبقا، في حد ذاتها، تشي باتخاذ قرار استراتيجي بشأن مصير نوفوروسيا على الأقل (الأجزاء الشرقية والجنوبية من أوكرانيا من خاركوف إلى أوديسا)، والتصميم على تنفيذ الأهداف حتى النهاية. من الممكن أن تتم عملية إعادة توحيد هذه الأراضي مع روسيا على عدة مراحل، وستستغرق عدة سنوات، لكن ليس لدي أدنى شك في أن هذا الهدف سيتحقق.
ولكن، ماذا سيحدث بعد ذلك؟
أشك في أن فلاديمير بوتين سيخاطر بالاستقرار الاجتماعي والسياسي في روسيا، وسيثقل كاهل الشعب الروسي بالواجب الثقيل المتمثل في إطعام كل أوكرانيا. إضافة إلى ذلك، فإن المناطق الغربية من أوكرانيا موالية للغرب ومعادية لروسيا، وقيمة هذا الاستحواذ مشكوك فيها.
وقد قال بوتين، في خطابه للشعب عشية العملية العسكرية الروسية الخاصة 24 فبراير، إن شعوب أوكرانيا لم تتح لهم الفرصة للتعبير عما إذا كانوا يريدون أن يبقون كجزء من أوكرانيا. كما يعيش في غرب أوكرانيا البولنديون والرومانيون والهنغاريون والروسينيون وغيرهم من الشعوب بشكل مضغوط.
وبطبيعة الحال، لا يمكن للمرء سوى التكهن بشأن خطط بوتين، ولكني أستشف من خطابه، كما يبدو لي، وبإمكاني استنتاج أن الاستفتاءات يمكن أن تتبعها استفتاءات في مناطق أخرى، وما يمكن أن يتبع ذلك من تفتيت ما تبقى من أوكرانيا.
ولا يمكن استبعاد أن تتدخل بولندا وهنغاريا ورومانيا في هذه العملية من خلال احتلال مناطق ذات كثافة سكانية عالية من المواطنين ذوي الأصول المعنية. ومشاركة هذه الدول في عملية تصفية أوكرانيا، في حد ذاتها، بالكاد تتعارض مع مصالح روسيا، ومع ذلك فإن شهية هذه الدول، خاصة بولندا، قد تؤدي إلى محاولات لمزيد من التوسع نحو الشرق، الأمر الذي سيؤدي إلى صدام مع القوات الروسية، وما يمكن أن يتبع ذلك من تداعيات غير متوقعة للوضع.
على أي حال، يبدو لي أن من الممكن القول بدرجة كبيرة من الثقة إن أوكرانيا لم تستغل الفرصة التاريخية لإنشاء دولة محايدة، متعددة الجنسيات ومتسامحة وصديقة لروسيا، والذي كان هو الحل الوحيد للوجود على الحدود الروسية.
المحلل السياسي/ ألكسندر نازاروف
رابط قناة تليغرام الخاصة بالكاتب