بقلم: الاسير أسامة عودة
يقول "ليفي أشكول"، وهو من أهم قادة الحركة الصهيونية والرئيس الثالث لوزراء إسرائيل في العام 1963م، بعد حرب 1967م مباشرةً، إنه يريد غزة تحت سيطرة إسرائيل بسبب انجذابه العاطفي لقصة شمشون ودليله.
بينما "يعقوب ديلفر" وهو من قادة الصهيونية الدينية وأبرز مؤسسي حركة (قوش كومونيم) الاستيطانية الاستعمارية صرّح بعد حرب 1967م مباشرةً: "إن وحدة أرض إسرائيل وسلامتها تقعان خارج نطاق قرار حكومة إسرائيل"، الأمر الذي يوضِّح أن الحركة الصهيونية آمنت دائماً في داخلها واستخدمت ما أنكرته ورفضته في الظاهر، وما لم يكن بوسعها العيش من دونه، وهو السيطرة المطلقة على ما أسمته أرض إسرائيل أي فلسطين التاريخية. ولم يكن كل ما أقدمت عليه من مشاريع وخطط تدَّعي من خلالها رغباتها بإحلال السلام مع الفلسطينيين إلا ذرة من الرماد في العيون، ومحاولة لاستغلال الظروف المحيطة لمنع إقامة دولة فلسطينية مستقلة وسيادية بجانب دولة إسرائيل.
ومع مرور الوقت وفقاً للتغيُّرات الحاصلة إقليمياً ودولياً وحتى هذه اللحظة لا يريد حلاً للوضع القائم في الأراضي المحتلة، ولهذا فقد تكون مراجعة تجربة عملية السلاح مع الاحتلال واتفاقية المبادئ "أوسلو" كأحد ممكنات الحل والتي وفْقها قَبِلَ الفلسطينيون بإقامة دولة على جزءٍ من وطنهم المسلوب استناداً لقرارات أممية خاصة بهذا الشأن 242,833 والذي أخذ يتلاشى أمام ما يُطرح من استراتيجيات جديدة وقديمة ناقشها وفحصها قادة ومسؤولو دولة الاحتلال كحلول ممكنة، وكلها تركِّز في جوهرها على أن تكون بديلاً لدولة فلسطينية مستقلة، سعياً منهم للإبقاء على دولة الاحتلال دولة يهودية وديمقراطية، واعتقاداً منهم بأن هذه الدولة إن قامت ستُنْهي المشروع الصهيوني وستكون جداراً حديدياً أمام زحف المشروع الاستعماري الصهيوني يوازي جدار (جبونتسكي) الحديدي في أذهانهم.
كل ما طُرِحَ سابقاً من مشاريع وحلول بعد حرب 1967م مباشرةً من خطة (انفصال فعّال) التي طرحها موشيه ديان، وحتى اتفاقية المبادئ أوسلو، لم تكن إلا خططاً واستراتيجيات تشكِّل من وجهة نظرهم خياراً بديلاً لدولة مستقلة فلسطينية آمنة وسيادية ولهذا لم تتحقَّق بشكل كامل لأن الهدف منها دائماً كما يتَّضِح هو السعي لإدارة الصراع لإنهائه، فمثلاً "خطة فصل فعّال" التي طرحها موشيه ديان بعد حرب 1967م مباشرةً جاءت وفقاً له للبحث عن حلٍّ يكون فيه للفلسطينيين حكمٌ ذاتيٌّ مع أقل قدر ممكن من التواصل والارتباط بالدولة اليهودية، وأكبر قدر ممكن من السيطرة الصهيونية عليها، وبهذا ينتهي وفقاً لهذه الرؤية في حينه حلم إقامة دولة فلسطينية وفقاً لقرار التقسيم عام 1947م بقرار (181) ويتم إبعاد الفلسطينيين عن دولة إسرائيل للحفاظ على ديمقراطيتها ويهوديتها، وبهذا يكون قد أسَّسَ لعقيدة جديدة لقادة دولة الاحتلال تطورت بالتدريج بحيث يتم من خلالها الحفاظ على ما أسموه "الوضع القائم"، للسيطرة المطلقة على الشعب الفلسطيني ومقدَّراته وحرمانه من تحقيق مصيره كباقي شعوب الأرض.
ولأن الحركة الصهيونية أثبتت منذ نشأتها وحتى الآن أنها تمتلك أهدافاً ثابتةً وتسعى لتحقيقها بآليات متعددة ومتجددة تلائم الظروف المحيطة بها دولياً وإقليمياً، وبعد أن اضطرت إسرائيل أمام نضال الشعب الفلسطيني والانتفاضة الأولى والتغيرات الدولية التي رافقت تلك الفترة لأن تبحث عن حلٍ يُنْهي الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وبذلك حقهم بإقامة دولتهم المستقلة على حدود الرابع من حزيران للعام 1967م في ما عُرِفَ حينها باتفاقية المبادئ "أوسلو" في العام 1993م، وفق سياسته القائمة على التسويف والمماطلة على إفشال هذه الاتفاقية بعدة طرق، أهمّها عدم التزامها بالمرحلة الانتقالية التي خُصِّصَتْ في حينها وهي خمس سنوات لإنهاء التفاوض على القضايا المركزية وإقامة الدولة الفلسطينية، فقد فرضت مع الولايات المتحدة الأمريكية على الشعب الفلسطيني تقسيم ما تم الاتفاق عليه في أوسلو للمناطق وفقاً لمخطط مدروس وممنهج ومعمول به اليوم، كأمر واقع على الفلسطينيين القبول به كما يطرحونه وهو أن تكون 17,02% من مناطق السلطة (أ) الدولة الفلسطينية المفترضة فيها سيطرة أمنية وإدارية فلسطينية كاملة مع استباحة لأجوائها ومقدراتها الطبيعية من قبل دولة الاحتلال والتحكم في كل ما يدخل إليها وما يخرج منها، 23,08% من مناطق مصنفة (ب) وهي ذات طبيعة سيطرة مدنية فلسطينية وأمنية إسرائيلية، و29% من مناطق مصنفة (ج) تحت سيطرة إسرائيلية كاملة، وكل هذه المناطق اليوم بعد الانتفاضة الثانية أصبحت مستباحة أمنياً بشكل كامل.
ولم يتوقف الأمر عند ذلك، فالمقترحات والحلول والبدائل التي يبحث عنها الاحتلال ومراكز أبحاثه وخبراؤه وسياسيّوه وأحزابه وأكاديميّوه باتت في السنوات الأخيرة متخوِّفَةً من إمكانية تحوّل الوضع القائم إلى دولة ثنائية القومية يتوقف فيها الحلم الصهيوني وتنتهي ديمقراطية دولته وفقاً لهم، فقد كتب مؤخراً ميخال بلشتاين وهو باحث لديهم في مركز أبحاث [Ibc] الخاص بسياسات الاستراتيجية لدولة الاحتلال وأكاديمي معروف في جامعة [رايخمن] أنَّ دولة إسرائيل أمام واقع إمّا يتمثل في دمج سكان الضفة الغربية بدولة الاحتلال، وعددهم اليوم يقارب 3 ملايين نسمة، وهذا الأمر سينتج بفعل الظروف التي يولدها الوضع الراهن، وإمّا على دولة الاحتلال أن تتبنَّى عقيدة الانفصال التي طرحها [إيكال ألون] ووفقها يمنع الاختلاط بين الشعبين نتيجة الظروف الحالية، والمقصود من ذلك فصلٌ يؤدِّي لحكم ذاتي مرتبط اقتصادياً بإسرائيل، مع التأكيد من الباحث أن هذه الخيارات صعبةٌ على دولة الاحتلال من ناحية استراتيجية، ومؤلمة من ناحية قومية وأيديولوجية ما يعني أن كل أقطاب اتخاذ القرار في إسرائيل لا يرون في حل الدولتين لشعبين أمراً ممكن التمثيل، وعلى الفلسطينيين أن يقبلوا بالأمر الواقع الذي تريده إسرائيل.
وأمام ما يجري من خطط مدروسة واستراتيجيات مبتدعة هدفها الأساسي حرمان شعبنا الفلسطيني من حقه في تقرير مصيره وإقامة دولته الفلسطينية على حدود الرابع من حزيران 1967م، نحن بحاجة ماسّة لتكوين غاية أخلاقية لنضالنا وكيان سياسي قادر على مواجهة هذه الخطط والبرامج، وبالتالي تشكيل جبهة وطنية تحدد أهدفها وتخرج الفصائل الوطنية والإسلامية من أزمتها الداخلية التي بات الانقسام أحد أهم ركائز عملها وأحد أهم محفِّزات دولة الاحتلال في السعي للقضاء على فكرة تقرير المصير للشعب الفلسطيني الذي ما زال يناضل ويبذل جهوداً جبارةً في مقاومة مشاريع الاستيطان والاستعمار والسيطرة ومحو الذاكرة الجمعية الفلسطينية واستبدالها بالفردانية الفصائلية المتوحِّشَة التي تهدِّد حلمنا وحقّنا في الحرية. فالمجتمع الدولي بكافة مؤسساته وأنظمته الرسمية وهيئاته المدنية ما زال يؤيّد حق شعبنا في الحرية والاستقلال، والإرادة المشتركة لهذا المجتمع يجب أن توازيها إرادة مشتركة لفصائل العمل الوطني والإسلامي وهيئات المجتمع المدني الفلسطيني والقيادة الفلسطينية لخلق جبهة وطنية موحدة قاعدتها وهدفها الأول هو التحرر والانعتاق من الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وفقاً لقواعد الشرعية الدولية والاتفاقات الخاصة بهذا الشأن.