يواصل البابا فرنسيس جولة في كندا حرص الفاتيكان على تسميتها رحلة حجّ لطلب الصفح من أقوام البلاد الأصلية، التي عانت من سلسلة فظائع وانتهاكات استهدفت تدمير ثقافاتهم ودفعهم إلى التأقلم القسري مع الأعراف الكندية. وإذا كانت حكومة جون ماكدونالد الفدرالية الكندية قد سنّت ما سُمّي بـ«القانون الهندي» في سنة 1876، فإن الكنائس المحلية هي التي تولت إدارة المدارس الداخلية التي سيق إليها قرابة 150 ألف طفل انتُزعوا من أهلهم وأسرهم وخضعوا لأنظمة تمييزية وعنصرية، كما تعرضوا لتعذيب جسدي وانتهاكات جنسية.
وفي سنة 2015 كانت لجنة «الحقيقة والمصالحة» الكندية التي تولت التحقيق في هذا الملف قد خلصت إلى أن الوقائع تلك ترقى إلى مصاف «إبادة جماعية ثقافية». وفي أواخر أيار/ مايو 2021 عُثر على مقبرة جماعية في منطقة بريتيش كولومبيا الكندية كشفت رفات 215 طفلاً كانوا نزلاء إحدى المدارس الداخلية، وفي مطلع نيسان/ أبريل الماضي استقبل البابا فرنسيس وفداً من الأقوام الأصلية، لكنه لم يصل في إبداء الأسف إلى درجة الاعتذار. ومن الإيجابي بالطبع أن يبلغ الفاتيكان اليوم مرحلة طلب الصفح، وأن يعتذر البابا علانية وبصياغات لا لبس فيها، فيشير بصفة خاصة إلى «الطرق التي تعاون بها العديد من أعضاء الكنيسة والجماعات الرهبانية، وأيضاً عبر ما أظهروه من اللامبالاة، في تلك المشاريع المدمّرة للثقافات وفي الاستيعاب القسري، والذي بلغ ذروته في نظام المدارس الداخلية الإجبارية».
من الإيجابي أيضاً أن البابا فرنسيس سبق له أن أبدى الأسف والاعتذار مراراً منذ توليه البابوية في سنة 2013، فاعتذر في سنة 2015 عن «خطايا جسيمة عديدة ارتُكبت بحق أقوام أمريكا الأصلية باسم الله»، مشدداً على أنه لا يطلب الصفح عن إثم الكنيسة ذاتها فقط، بل أيضاً عن «الجرائم المرتكبة ضد الأقوام الأصلية خلال ما يسمى فتح أمريكا». وفي رسالة وجهها في سنة 2018 إلى أساقفة تشيلي أقرّ البابا بـ«أخطاء جدية» وقعت خلال معالجة فضيحة الإساءات الجنسية، كما توجه برسالة إلى الكاثوليك على نطاق العالم أعرب خلالها عن الأسف لدور الكنيسة في الانتهاكات بحقّ الأطفال القصّر وفي التستر على التحقيق.
لكن أي جانب إيجابي خلف هذا المنحى الحميد لا يتوجب أن يطمس حقيقة تقصير الكنيسة الكاثوليكية إزاء عشرات الجرائم الأخرى التي ارتُكبت أو تُرتكب هنا وهناك في العالم، خاصة في أنظمة تحظى بدعم خاص ومطلق من قوى عظمى لا تتستر على جرائمها فقط بل تبدو أحياناً وكأنها تتواطأ فيها أو تشجع عليها. المثال الأبرز هو فظائع دولة الاحتلال الإسرائيلي وممارساتها العنصرية والانتهاكات الصارخة ضدّ المقدسات كافة بما في ذلك المسيحية منها، وأما الولايات المتحدة فإنها المثال التالي على ما حاق بالشعوب الأصلية من آثام في الماضي، وما يتنامى اليوم في المجتمع الأمريكي من عنصرية وتمييز باسم بعض الكنائس أو تحت راياتها.
ومن الإنصاف القول إن اعتذار البابا في كندا لا يعفي الفاتيكان من التقصير في مواقع أخرى عديدة.