سوريا كرة تتقاذفها أرجل الصغار والكبار

أربعاء, 07/27/2022 - 19:59

أحد عشر عاما مرت على سوريا بعد الثورة تحولت خلالها إلى شبه دولة لا تمتلك ناصية السيادة، ولا القرار المستقل، ولا المقومات الأساسية للدولة (أرض، شعب، قيادة). فالأرض مقسمة ومسيطر على أكثر من ثلثها من قوى محلية أفرزتها الثورة، أما الشعب فنصفه خارج سيطرة النظام وفي المنافي، والنصف الآخر بين مؤيد ومعارض صامت، والقيادة لا تملك من القرار السياسي الدولي فيما يخص سوريا شيئا، فكل المؤتمرات الدولية الخاصة بسوريا لا يوجد للنظام فيها مقعد (ولا المعارضة) فإذا أخذنا القمتين الأخيرتين (قمة جدة، وقمة طهران)، نجد أن زيارة رئيس الولايات المتحدة جو بايدن الشرق أوسطية والقمة التي جمعته مع قادة عرب لم تكن سوريا على طاولة المباحثات، وأن بايدن جاء ليضمن رفع سقف الإنتاج النفطي للسعودية الذي رفضه ولي العهد محمد بن سلمان بعد أن كسب الرهان بزيارة بايدن للسعودية وتطبيع علاقات الإدارة الأمريكية معه وطي ملف اغتيال جمال الخاشقجي.
أولويات الإدارة الأمريكية

الاهتمام بسوريا في آخر أولويات الإدارة الأمريكية بل إنها تنازلت عنها لروسيا وإيران، واحتفظت لنفسها بدعم قوات سوريا الديمقراطية “قسد” بحجة مواجهة الإرهاب وتنظيم “داعش”. فعلى مدى ثلاث فترات رئاسية (أوباما، ترامب، بايدن) كانت الملفات الأخرى في الشرق الأوسط تحظى بالاهتمام الأكبر وخاصة الملف النووي الإيراني، وسلامة إسرائيل بتفعيل اتفاق إبراهيم والتطبيع مع دولة الاحتلال، وتأمين الطاقة.
في الملف النووي كان الفشل الذريع حليفها لسبب وحيد هو دفع إسرائيل الإدارات الامريكية للمواجهة مع طهران وهذا ما لم يرغب فيه أحد، فواشنطن لم تعد ترغب في حروب تنهكها بعد حرب العراق وتبعاته، واليوم تشهد تراجع نفوذها في الشرق الأوسط لصالح روسيا والصين بسبب إهمالها حلفاءها الذين فقدوا الثقة بقدرتها على حمايتهم، وهذا سبب رئيسي في رفضهم مشروع الناتو العربي الذي يعود عليهم بالضرر أكثر من النفع، وهم لا يرغبون الزج بدولهم في مواجهة إيرانية إسرائيلية تجعل من بلادهم عرضة للصواريخ والطائرات المسيرة الإيرانية التي شاهدوا نتائجها في اليمن. وفيما يتعلق بسوريا فقد خرجت من اهتماماتهم الأولية رغم محاولات التطبيع مع النظام من قبل بعض دول الخليج، ومحاولات متكررة لإعادة تفعيل عضويته في صلب الجامعة العربية، وعاد بايدن خاوي الوفاض من جولته التي لم يحرز فيها ما كان يصبو إليه.

قمة طهران: العين بالعين

جاءت قمة طهران كرد مباشر من قبل روسيا على قمة جدة، فالعين بالعين، وعنوانها الرئيسي سوريا لأنها تعتبر نفسها الدول الضامنة لها، ولكن الملفات الأهم التي تم البحث فيها لم تدخل فيها سوريا مباشرة بل كانت الواجهة التي تبحث خلفها الملفات الساخنة التي تهم كل دولة على حدة، فروسيا تعمل على بناء تحالف شرق أوسطي إفريقي بدءا من طهران وانتهاء بالجزائر، فبعد هذه القمة مباشرة قام وزير خارجية روسيا سيرغي لافروف بزيارة مصر والاجتماع مع ممثلي الجامعة العربية ثم اتجه نحو إثيوبيا والكونغو وأوغندا التي توترت علاقتها مع الغرب مؤخرا في محاولة لضمها لتحالف دولي جديد يدعمها في حربها في أوكرانيا.
وعلى هامش القمة في طهران بدأت محادثات بوتين والمرشد علي خامنئي الذي صرح أن تكون علاقات موسكو مع طهران وطيدة ومديدة، وكانت عين بوتين على الطائرات المسيرة الإيرانية التي يريد شراءها ليستخدمها في حربه ضد أوكرانيا بعد أن تلكأ جيشه في إحراز التقدم السريع والمرجو من عمليته العسكرية في السيطرة على كامل التراب الأوكراني، وهذا ما أثار مخاوف واشنطن التي حذرت طهران من دعم موسكو في حربها الأوكرانية فهذه الطائرات متطورة، وتعد هذه الصفقة لطائرات “شاهد” (يجري الحديث عن شراء 100 طائرة) خبرا سيئا لكييف التي بدورها تسلحت بطائرات “بيرقدار” وعقب انتهاء القمة قامت الطائرات الروسية بارتكاب مجزرة الأطفال في ريف جسر الشغور راح ضحيتها أربعة أطفال من عائلة واحدة دون حسيب أو رقيب.
إيران من جانبها يناسبها التحالف مع موسكو لدعم موقفها من الاتفاق النووي في مجلس الأمن ومواجهة أمريكا وإسرائيل وربما في الدعم التكنولوجي لمنظومات صاروخية متقدمة، أما فيما يتعلق بسوريا فاكتفى الرئيس الإيراني بتصريح مقتضب أن “سيادة سوريا خط أحمر” وإيران هي من القوى التي تقرض قسما من سيادتها بعد أن نشرت كل ميليشياتها في مختلف بقاع سوريا، وبسبب قواعدها العسكرية المنتشرة وخاصة في محيط دمشق تتلقى سوريا ضربات إسرائيلية موجعة، كان آخرها ضرب مطار دمشق الدولي ومحيط السيدة زينب، ويقول الملك عبد الله الثاني إن “بلاده تواجه هجمات بصورة منتظمة من قبل ميليشيات تابعة لإيران، وعمليات تهريب المخدرات والسلاح”.

قوات سوريا الديمقراطية

تركيا من جانبها جاءت لسبب واحد فقط هو التحضير لهجومها على قوات سوريا الديمقراطية “قسد” الذي تتحضر له لطردها من منبج وتل رفعت، لكنه لم يجد التجاوب المطلوب من قبل بوتين وخامنئي الذي حذره من هذه العملية التي من شأنها أن “تزعزع استقرار المنطقة”، وكذلك موقف موسكو وواشنطن وبرلين. لكن أوردغان أبقى العملية على الأجندة التركية، ووجوده في سوريا تبقى ورقة بيده، فالمسألة السورية تركيا أولى بها فبعد يومين فقط من انتهاء القمة، قال أيهان أوغان، مستشار الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، إن لبلاده الحق في “الحديث عن مستقبل سوريا، أكثر مما لدى عائلة الأسد” وفي تغريدة له على حسابه في تويتر، قال “يعيش تحت حماية تركيا” في تركيا 3.7 مليون مواطن سوري، وأن 4 ملايين يعيشون في إدلب بـ”ضمانة” بلاده، ويعيش مليونا سوري في “المناطق الآمنة التي أنشأتها” وأضاف أن “سياستنا الأساسية هي التوافق مع جيراننا والفوز معاً، وإذا تم تجاهل مخاوف تركيا الأمنية واستفزازها، ستشكل تركيا خطاً أمنياً جديداً من حلب إلى الموصل” بمفهوم آخر أن تركيا برعايتها نصف الشعب السوري تقريبا فإنها تملك شرعية القرار السياسي والعسكري الذي يناسبها ولا تتوانى عن فرض سيطرتها على شريط حدودي يضيف إلى ما تسيطر عليه حاليا زيادة في “الشرعية” في الوقت الذي يراقب فيه نظام الأسد من كوة صغيرة اللعبة الدولية على أراضي سوريا كمتفرج على “ماتش” كرة قدم والكرة هنا هي سوريا، فبعد قمة طهران أوفد رئيس النظام السوري وزير خارجيته فيصل المقداد إلى طهران ليستطلع مجريات القمة التي لم يكن له فيها مقعد ولا ناقة ولا جمل، وكذلك المعارضة التي تكتفي بإصدار البيانات الشاجبة والتي لا أحد يعير لها اهتماما. لو اتعظ بشار وهرب كبن علي، أو تنحى كمبارك لاختلفت الأمور جذريا، لكنه فضل قتل الشعب وتهجيره وتدمير سوريا وفقدان السيادة عليها.

الفيديو

تابعونا على الفيس