بقلم: د. اماني القرم
يطلقون عليها "العاصفة مكتملة الاركان" تلك الازمة الخانقة ثلاثية الابعاد ( أزمة اقتصاد وأزمة طاقة وأزمة غذاء) التي تجتاح معظم بلدان العالم وتربك جيوب ساكنيه في الغرب والشرق . ما تشتريه اليوم من السوبر ماركت وفي جيبك 100 دولار أو شيقل أو جنيه أو أية عملة أخرى ( على افتراض وجودها مثلا) يساوي تقريبا نصف ما كنت تحصل عليه قبل خمسة شهور ويمكن أقل. قفزة هائلة في اسعار السلع الغذائية والبنزين والغاز والتي تزايدت قبلاً إثر الاضطرابات في سلاسل الامدادات جراء جائحة كورونا ثمّ تضاعفت مرة أخرى جراّء الحرب الروسية الاوكرانية .
وبرغم أننا كنّا ننتظر قرناً واعداً إثر الانجازات التكنولوجية الهائلة ومستوى التقدم العلمي الحاصل والحياة الخيالية التي يتم الترويج لها لعالم مقبل غير مسبوق ، إلا أنّنا للأسف نشهد العكس تماماً . فمنذ بداية القرن ونحن نعيش صدمات متلاحقة يعقبها ردود فعل مرتبكة ومدمرة فاقمت من النتائج الكارثية للصدمات: الفاتحة كانت هجمات ايلول 2001 وما تبعها من إطاحة باستقرار الشرق الاوسط وبلدانه، ثم الازمة المالية العالمية 2008 والتي خلّفت ندوبًا طويلة المدى في النمو الاقتصادي لبلدان عدة، ثمّ جائحة كورونا التي كشفت هشاشة النظام العالمي الصحي وتوقفت معها الحياة شهور طويلة . وأخيراً الحرب الروسية الاوكرانية، فالدولتان المتحاربتان تعدان سلتا الغذاء والطاقة للعالم في اوروبا وافريقيا وأواسط آسيا والشرق الاوسط. وتداعيات الحرب بينهما ستؤثر بالقطع كارثيا على حياة البشر في هذه المناطق . لكن الأمر لم يقف عند الحرب فقط ، بل تطورت آثار الأزمة بردود الفعل الأمريكية التي تمثلت بحملة عقوبات على روسيا تعد الأشد والأسرع ضد دولة على الإطلاق . ولأن روسيا ليست كوبا أو كوريا الشمالية أو ايران أو ميانمار، هي دولة كبرى لها اقتصاد مترابط مع مناطق واسعة في العالم، لذا فالعقوبات الاقتصادية والبنكية الهائلة عليها تسببت بصدمة في الاسواق العالمية نتيجة آثارها المباشرة وغير المباشرة . حيث سحبت المئات من الشركات الدولية استثماراتها في البلاد، والحقت الضرر باقتصادات الاتحاد الاوروبي الذي يشكل اكبر شريك تجاري لموسكو، وباقتصادات دول اواسط اسيا التي تعتمد على الواردات الروسية، روسيا واوكرانيا ، إضافة الى زيادة رغبة الانتقام من الجانب الروسي .
المحصلة أن منحنى الجوع يتصاعد بوتيرة سريعة ، فمن 80 مليون الى 323 مليون شخص يعيشون المجاعة في مختلف انحاء العالم حسب منظمة الغذاء العالمية، والرقم مرشح للزيادة ..
وفي عالم اللايقين هذا ، لاعجب أن وصف غوتيرتش توقيع الاتفاق الروسي / الأوكراني بوساطة تركية ورعاية الامم المتحدة، قبل يومين، لإعادة سير عملية تصدير ملايين الاطنان من الحبوب و القمح الى العالم بأنه "منارة الأمل" للجياع . وذلك بالرغم من أن الصراع الدموي بين الطرفين مازال على حاله، والاتفاق تم توقيعه على طاولات منفصلة ودون مصافحات . لا يهم ! المهم ان الاتفاق قد تم . وبموجبه سيتم تصدير محصول العام الماضي العالق في موانيء البحر الاسود منذ شهور في غضون الشهر المقبل .
للعلم فقط قيمة المساعدات الامريكية لاوكرانيا في الحرب وصلت ل8 مليارات دولار . مدير برنامج الغذاء العالمي يقول ان 6 مليارات دولار ونصف تقريبا كافية للقضاء على جوع 42 مليون شخص في العالم !
تعليق غريب من مدير مخابرات احدى الدول التابعة للمحور الامريكي ضد روسيا قال: "انا واثق ان روسيا ستهزم ، لكن اوكرانيا لن تستطيع تحرير كل اراضيها" !! يا ترى من المسؤول عن هذا البلاء ؟