لم تكن هناك حاجة رسمية لعقد اجتماع شخصي في إطار صيغة أستانا بالمعنى التقليدي، وعلى مستوى الرؤساء تحديدا.
ففي المسار السوري، الذي أنشئت الصيغة من أجله بالأساس، لا يلوح في الأفق أي أزمات حادة أو تغييرات جذرية تتطلب أو تخلق أرضية لعقد اجتماعات شخصية ثنائية بين رؤساء هذه الدول، علاوة على ذلك، فقد كان هناك اجتماع للمشاركين في صيغة أستانا على مستوى الخبراء في أستانا، ولم يكلل الاجتماع بنجاح كبير وفقا لما ذكرته وسائل الإعلام.
وعلى الرغم من ذلك، توجه بوتين إلى طهران، بل وأعلن عن الاجتماع المقبل لقادة الدول الثلاث في روسيا، علاوة على ذلك، ونتيجة للاجتماع، تقرر توسيع نطاق مسؤولية صيغة أستانا لتتجاوز إطار القضية السورية.
من وجهة نظري المتواضعة، أعتقد أن إحدى النتائج الرئيسية للقمة الثلاثية التي عقدت في طهران هو مأسسة وترسيخ شكل الثلاثي الروسي-الإيراني-التركي وفصله عن الملف السوري.
فجميع المشاركين في هذه الصيغة هم قوى عسكرية بالدرجة الأولى، وفي هذا المجال، أعني المجال الأمني، تعلن الكتلة عن طموحاتها ونيتها العمل معا.
ولما كان طرد الولايات المتحدة الأمريكية من منطقة الشرق الأوسط هو النتيجة الحتمية وهدف الكتلة في هذه المرحلة، إلا أنه ليس الهدف الوحيد، أو حتى الهدف الرئيسي بعيد المدى للمشاركين.
أعتقد أنه من المناسب مقارنة المنظمة التي تنشأ أمام أعيننا الآن بمجلس الأمن التابع لهيئة الأمم المتحدة، ولكن على المستوى الإقليمي فقط. ولا أستبعد أن تنضم إليها كل من المملكة العربية السعودية ومصر، و/أو ربما الصين والهند وباكستان، إذا ما اتسع مجال مسؤولية الكتلة نحو آسيا.
على الرغم من وجود مصالح مشتركة، كثيرا ما تتعارض مصالح روسيا وتركيا وإيران مع بعضها البعض، كما أن الكتلة التي يجري إنشاؤها ليست "تحالفا ضد أحد"، حتى لو كانت منافسا قويا لقوة مثل الولايات المتحدة الأمريكية، إلا أنها منصة لتنسيق المصالح وتسوية الخلافات بين المشاركين، التي سوف تقرر مصير المنطقة. لذلك، لا أرى أدنى عقبة أمام المشاركة المتزامنة لإيران والسعودية ومصر وتركيا فيها.
إن السياسة الدولية حبلى بنظام عالمي جديد، في الوقت الذي يتم البحث فيه عن صيغ جديدة. وبينما تحاول الصين الهيمنة على دول "بريكس"، التي لديها الفرصة لتصبح المحور الاقتصادي للنظام العالمي الجديد، قد يتطور ذلك الثلاثي، الذي يتم إنشاؤه من قبل روسيا وتركيا وإيران، في نهاية المطاف إلى منظمة تضمن الأمن الإقليمي أو العالمي.
على أي حال، تشارك روسيا الآن جزءا من وزنها السياسي الخارجي، بينما تكسب إيران وتركيا وزنا سياسيا بشكل ملحوظ.
وأي نفع لروسيا من ذلك؟
إقرأ المزيد
صورة تعبيرية
لن يجوع العالم هذا العام.. فقط شغب وسقوط حكومات. الجوع سيأتي لاحقاً
إن جزءا كبيرا من مضمون الاتصالات بين بوتين وأردوغان عادة ما تكون مغلقة أمام الجمهور، ولا يمكننا سوى تخمين مواضيع المحادثات.
أما إيران، فقد توصلت روسيا حتى الآن إلى اتفاقات أولية مع إيران بشأن مشاريع الطاقة والنقل.
الأنباء حول التسويات بالعملات المحلية بين الدول الثلاث، وعلى الرغم من الحاجة الملحة لذلك، لا تحظى بفرصة كبيرة للتنفيذ، بسبب ارتفاع معدلات التضخم في إيران وتركيا. ومع ذلك، ربما يصبح الروبل عملة تداول في هذا الثلاثي إذا ما تمكن البنك المركزي الروسي من ضمان استقرار سعر صرف الروبل.
أعتقد أن القضية الرئيسية لمحادثات بوتين الثنائية كان النقل، أي توفير التجارة الحرة بين روسيا والعالم في مواجهة الصراع المحتمل مع "الناتو"، والذي من شأنه إغلاق بحر البلطيق وشمال الأطلسي أمام روسيا.
من بين مجالات التعاون المخطط لها مع إيران كذلك، تبادل الغاز والمنتجات النفطية، وبناء خطوط أنابيب الغاز، والنقل.
وذلك يرجح إمكانية بناء خطوط أنابيب الغاز من روسيا، عبر إيران، إلى ساحل المحيط الهندي، مع إمكانية تسييله لاحقا. من المحتمل كذلك أن يتم أخيرا إنشاء ممر للسكك الحديدية بين الشمال والجنوب، من روسيا، عبر إيران، إلى جنوب آسيا.
على أي حال، تولي روسيا وجهتها من الغرب ليس فقط نحو الشرق، وإنما أيضا نحو الجنوب. وستكون سياستها في هذا الاتجاه أكثر نشاطا، حيث ستزداد أهمية تركيا وإيران بالنسبة لروسيا، ما يعني أن دور ووزن هذه الدول في المنطقة سوف يتنامى. ومع ذلك، فإن هذا يزيد بالتوازي من مصلحة روسيا في خلق توازنات مع هذين البلدين، الأمر الذي يجذب المملكة العربية السعودية على أقل تقدير إلى هذه الصيغة، ومصر أيضا على الأرجح.
إن روسيا، على أي حال، تحتاج إلى طرق تجارية آمنة، وهو ما يعني السلام في المنطقة، وذلك مفيد للعرب.
وبما أن قراء قناتي على تطبيق "تليغرام" سألوني أكثر من مرة عن تقارير في الصحافة الغربية (نفتها الأطراف المعنية) حول مناقشة بوتين لإمكانية تسليم طائرات مسيرة إيرانية إلى روسيا، فسوف أدلو بدلوي في هذا الأمر: لا توجد أي عوائق سياسية لمثل هذه الإمدادات، لذلك، فحتى لو أجريت مثل هذه المفاوضات بين الجانبين، هو ما أشك فيه بشدة، فهذه مسألة فنية وتجارية ثانوية، وليست موضوع تفاوض على مستوى الرؤساء.
نصيحتي، لا تقرأوا الصحافة الغربية، فلا يوجد بها سوى الأكاذيب والدعاية وانعدام في المهنية.
المحلل السياسي/ ألكسندر نازاروف
رابط قناة "تليغرام" الخاصة بالكاتب
المقالة تعبر فقط عن رأي الصحيفة أو الكاتب