ما الذي تغير في موقف الاتحاد الأوروبي اتجاه القضية الفلسطينية؟

جمعة, 06/24/2022 - 09:20

بقلم:حسن محاريق/مختص في الشأن لأوروبي

يلاحظ المتتبع للسياسات الأوروبية تجاه فلسطين تغيراً واضحاً في الأولويات، بسبب الحرب الأوكرانية الروسية والتغيرات ‏الجيوسياسية التي رافقتها، وقد بدا ذلك واضحاً خلال زيارة رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين في الرابع ‏عشر من الشهر الجاري، إلى فلسطين قبل اسبوعين، حيث تضمنت زيارتها لقاءات مع رئيس الوزراء وجولة برفقة ممثل ‏الاتحاد الأوروبي لدى فلسطين.‏
وخلال الاجتماع مع رئيس الوزراء محمد اشتية، تحدث أروسولا عن عدد من القضايا التي كانت دافعاً لمثل هذه الزيارة ‏وشددت على أن الاتحاد الأوروبي الداعم الأكبر لخزينة السلطة الوطنية الفلسطينية، وقد أفرج الاتحاد عن مساعدات ‏بقيمة 240 مليون يورو بعد توقف لأكثر من عامين نتيجة محاولة بعض دول الاتحاد اشتراط تعديل المناهج التربوية ‏الفلسطينية ومن أبرزها هنغاريا، كما وتناولت أثر الأزمة الأوكرانية خاصة وأن فلسطين من المستوردين للحبوب ‏الأوكرانية وهو ما يهدد الأمن الغذائي للدول الفقيرة ومن ضمنها فلسطين، أما الأمر الآخر فهو الطاقة وتعزيز العلاقات ‏مع دول الشرق الأوسط كمصدر بديل للغاز بدلاً من الغاز الروسي، وهو أمرٌ لا علاقة للحكومة الفلسطينية به.‏
ولكن من الواضح أن دعم الاتحاد الأوروبي وإيمانه بمبدأ حل الدولتين لإنهاء الاحتلال الاسرائيلي تذيل حديثها الموجه ‏لرئيس الوزراء، واحتل مراتب متأخرة بين أولويات الاتحاد، وهذا ما ينذر بالتلاشي على مدى القصير، نتيجة للتغييرات ‏الجيوسياسية على الأرض الفلسطينية المحتلة بسبب التوسع الاستيطاني ومشاريع الاحتلال المستمرة في الضفة الغربية ‏من جهة والتغيرات التي تفرض على المنطقة بسبب صراع النفوذ بين اسرائيل بالتحالف مع ودول الجوار والخليج في ‏محاولة لتقويض النفوذ الإيراني وحلفاءه في المنطقة.‏
أتت زيارة الاتحاد الأوروبي في وقت مثقل بهم الوضع الداخلي للاتحاد، فالاتحاد اليوم يواجه عدداً من التحديات تجعل ‏منه منكباً على شأنه الداخلي وخاصة تعزيز أمنه وسيادة أعضاءه، وأهمها النتائج المترتبة على التهديد المحدق بالاتحاد ‏من الجانب الروسي وطموحاته التوسعية اتجاه القارة الأوروبية، وسعي الاتحاد الحثيث لوقف هذا التوسع من خلال ‏تعزيز وجود حلف شمال الأطلسي الناتو وتكثيف تواجده العسكري على طول حدود دول الاتحاد لمواجهة التهديدات ‏الروسية، بالإضافة إلى محاولة ضم كل من أوكرانيا ومولدوفا كدول أعضاء في الاتحاد وذلك بتسريع علمية الانضمام ‏وتخفيف حدة الشروط الاقتصادية والخطوات الاصلاحية للجهاز الإداري الحكومي. ‏
يحاول الاتحاد مسابقة الزمن في أخذ الاحتياطات اللازمة التي قد تخفف من وطأة الأزمة الأوكرانية وتبعاتها، ومن ‏أهمها مسألة الغاز وقدرة الاتحاد على الاستغناء عن الغاز الروسي بالكامل من خلال البحث عن البديل والممكن من ‏مصادر الطاقة، اذ يصل اعتماد بعض الدول الأعضاء لغاية 100% مثل فلندا و70% مثل ألمانيا ودول البلطيق ‏وايطاليا وغيرها من الدول التي تعتبر محورية داخل الاتحاد.‏
إن مسألة التغيير اتجاه قضايا الشرق الأوسط وخاصة القضية الفلسطينية هي حتمية، حيث أن مقايضة موقف الاتحاد ‏الأوروبي اتجاه فلسطين سيكون بمثابة طوق النجاة للاتحاد من تحدي توفر موارد الطاقة وخاصة غاز البحر الأبيض ‏المتوسط، إذ تعتبر اسرائيل الشريك والمحرك الرئيسي والمحوري لتكتل يضم مصر واليونان والتقارب الاسرائيلي التركي ‏مؤخراً هدفه الأساسي التحرك في استخراج الغاز من حقول الأبيض المتوسط، وخاصة في ظل ارتفاع الطلب الأوروبي ‏كسوق متعطش للغاز، ويمكن بذلك تدارك تبعات نقص الطاقة في القارة الأوروبية وامكانية تخفيف الاعتماد الكامل على ‏الغاز الروسي.‏
إن مسألة السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي وبسبب الأزمة الأوكرانية وضعت من جديد عدداً من الأولويات أهمها ‏تأمين مصادر الغاز واحتياج الاتحاد منها، وتمكين محيط الاتحاد الأوروبي ومحاولة وقف النفوذ العسكري أو السياسي ‏للروس في فلك القارة الأوروبية وخاصة جنوب القارة الأوروبية ودول البلقان، وتوحيد توجهاته ومواقفه اتجاه الأزمة ‏الروسية من خلال تأمين قدرة الاتحاد على الاستمرار في إقرار رزم من العقوبات المتتالية ضد روسيا.‏
وبالنتيجة ستتراجع عدة قضايا لدى الاتحاد الأوروبي، وأولها ملف انتهاكات حقوق الأنسان التي كانت تلعب دوراً ‏في توجيه سياسة الاتحاد اتجاه الدول الأخرى حول العالم، وتليها قضايا الهجرة والتي بالمقابل ستستغلها الدول ‏الأعضاء المناهضة لسياسات الهجرة لطرد المزيد من المهاجرين، واعتماد سياسات الحدود المغلقة أمامهم وأعني هنا ‏المهاجرين غير الأوروبيين، بالإضافة للقضية الفلسطينية التي سيتم التعامل معها من خلال استمرار الدعم الأوروبي ‏للحفاظ على قدرة المؤسسات الفلسطينية من أداء وظائفها ليس إلا، ولن يكون الاتحاد بصدد المبادرة في أي مشروع ‏سياسي أو وساطات بين الطرفين الاسرائيلي الفلسطيني لحين انخفاض وتيرة الأحداث والتحديات في محيط الاتحاد.‏
إن الحروب والتغيرات الجيوسياسية التي ترافقها، وما يصحبها من ظهور تهديدات للأمن القومي للدول الأعضاء لدى ‏الاتحاد الأوروبي، يجعل من مسائل حقوق الأنسان وحمايتها أمراً ثانوياً، ومعها القضية الفلسطينية كقضية تتعلق بحق ‏تقرير المصير، لذا وجب على الساسة الفلسطينيين أيضاً التغيير في توجهاتهم بناء على المتغيرات التي تعصف بالسياسة ‏العالمية، وتقدير البدائل التي تمكنهم من الحفاظ على مشروعهم الوطني كمشروع سياسي وليست قضية انسانية فقط.‏

الفيديو

تابعونا على الفيس