بقلم : الدكتور سعيد صبري
تغلب وتقسو تكاليف الحياة على المواطنين الفلسطينيين، فأينما كانوا، موظفين قطاع عام أو خاص، فقد شملتهم العاصفة من ارتفاع الأسعار على دخلهم الشهري. فبينما حلم ذاك المواطن أو المواطنة بالراتب الشهري أن يؤمن له حياة كريمة، داهمته تكاليف الحياة الباهظة. فأين الحل؟
هل اقتصر ارتفاع الأسعار على المواد الغذائية، وهل "السلة الغذائية" المدعومة من قبل الحكومة تشكل استقراراً للمواطن الفلسطيني اقتصاديا؟ إن الاقتصاد الوطني الفلسطيني اليوم هو كله معرض للخطر، وليس فقط السلة الغذائية.
قد بلغ التحول الذي يشهده العالم العربي مرحلة تفرض علينا أن نبدأ بالنظر إلى المستقبل. لا جدال في أن الأصوات المطالبة بإخراجنا من نفق الاضطرابات وعدم الاستقرار والركود الاقتصادي المنغمسين فيه بتزايد.
تتوالى ارتفاعات أسعار السلع والمواد الأولية بصورة متسارعة ودون توقف، هذه الارتفاعات لم تكن وليدة اللحظة، فقد بدأت حين عصفت جائحة كورونا بالعالم لتحدث موجة اختلالات في مستويات الطلب والعرض الكلي وفي قدرة سلاسل التوريد على تأمين السلع والبضائع، خاصة الاستراتيجية منها، لتأتي الحرب الروسية الاوكرانية لتزيد من تعقيد المشهد، مع توقع ارتفاع أسعار الأغذية والأعلاف بنسبة تتراوح من 8 إلى 20 % حسب منظمة الأغذية والزراعة "فاو؛(FAO)"، لتتصاعد أزمة الغذاء عالميا.
من الواضح تماما أن الارتفاع بالأسعار قد شمل كافة القطاعات الإقتصادية، وقد تأثرت بشكل سلبي قطاعات مهمة في الاقتصاد الفلسطيني كقطاع البناء، والزراعة، ونرى أن الإضرار بالاقتصاد الوطني هو إضرار بالفئات المهمشة والفئات الضعيفة لأنه بالمحصلة النهائية إذا عجز قطاع المقاولات عن الدفع لموظفيه والعاملين لديه، فلن يستطيعوا حتى شراء الخبز، ومن هنا نرى أن الإضرار بقطاع المقاولات هو إضرار بالقطاع الخاص بشكل عام وسينعكس سلبا على المستهلكين وعلى الطبقات الضعيفة والمهمشة".
وفي أيار 2022، نشر صندوق النقد الدولي والبنك الدولي تقارير مع تقييمهما للاقتصاد الفلسطيني الحالي، مؤكدين على الوضع المالي السيئ للسلطة الفلسطينية. انخفضت الإيرادات بشكل حاد من 16.6 مليار شيكل في عام 2016 إلى 13.6 مليار شيكل في عام 2020، وتعافت جزئيا فقط في عام 2021 إلى 14.9 مليار شيكل. وقد شكل الانخفاض الكبير بمرور الوقت في الإيرادات غير الخاضعة للضرائب (الرسوم والتكاليف المحلية بشكل أساسي) وعلى الدعم الخارجي من الدول والمنظمات المانحة.
انخفضت أموال المساعدات الخارجية بنسبة 70 بالمائة، من مليار دولار في عام 2018 إلى 250 مليون دولار في عام 2021. وهكذا، في عام 2021، زادت النفقات بنسبة 15 في المائة عن الإيرادات وبلغ العجز المالي 5.7 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي.
ثمة تحديات كبيرة ماثلة اليوم أمام الاقتصاد الفلسطيني. فالتحركات الشعبية التي أشعلتها عوامل اقتصادية واجتماعية سادت طويلا، ستُنتج بدورها بيئة اجتماعية واقتصادية جديدة. لكن، بقدر ما كانت تلك العوامل واضحة المعالم ومحل إجماع كثيرين، بقدر ما تبدو البيئة الجديدة ضبابية ومليئة بالتحديات. مع ذلك، فإن الآفاق، برأيي، ما تزال إيجابية، إلا أنها لن تتحقق من تلقاء ذاتها.
إن مسؤولية بقاء أسعار الغذاء ضمن القدرة الشرائية لغالبية المستهلكين تقع ضمن إطار السياسات الحكومية. فعلى الحكومة أن تعمل على استحداث سياسات عصرية تتناسب مع المتغيرات المحلية والإقليمية على أن تضمن حرية للسوق، بما يحد من مختلف صور الاحتكار؛ وكذلك تقديم الدعم للمستحقين وفق آلية تضمن وصوله إليهم دون غيرهم. والعمل بشكل واضح عل خلق آليات عصرية تضمن الشفافية بالأسعار ورقابتها، للمواد الغذائية والانشائية وغيرها المعروضة في السوق، والعمل على استقرارها.
نشهد ارتفاعات متوالية لأسعار البترول ومشتقاته، وأمام كل تلك الارتفعات المطّردة والتي "تنهش" من دخول المواطنين، يقف المواطن الفلسطيني حائراً، بظل إنعدام قدرته على تأمين متطلبات الحياة الأولوية، وتقف الحكومة عاجزة عن التدخل بالحد من معاناة الناس وحفظ القدرة الشرائية لمداخيلهم حتى لو كان ذلك على حساب الخزينة.
أتوجه الى خلية الأزمة التى تم تشكيلها من قبل الحكومة الفلسطينية بمجموعة من التساؤلات التى آمل أن أجد ويجد المواطن إجابات عملية وواقعية:-
- والسؤال الأكثر اهمية وإلحاحاً، كيف ستتعامل الحكومة مع كل ما تعانيه خزينة السلطة من تحديات مالية بظل النقص الشديد في الايرادات من الدول الغربية والعربية وارتفاع العجز المالي الكبير والمقدر أن يزداد أكثر مع زيادة أسعار السلع المدعومة من الحكومة؟
- في ظل التقاعس الدولى بدفع المساعدات، هل تستطيع وزارة المالية ممثلة عن الحكومة الفلسطينية زيادة رواتب الموظفين مع هذا العجز المتفاقم؟
- هل لدينا إمكانية او بند بالموازنة نستطيع زيادة المخصصات لدعم السلع الرئيسية؟ وهل يوجد سقف لتحمل السلطة العبء المالي؟
- هل يوجد ضمن استراتيجيات الحكومة أي توجه بمنح المواطنين الفلسطينين دعماً ماليا يضمن تغطية للتكاليف المرتفعة عليه؟
باعتقادي إن الحكومة الفلسطينية ليس لديها الكثير من الخيارات المطروحة للجم ارتفاع الأسعار، لكن من الواضح أننا أسرى ظروف خارجة عن إرادتنا، لكن فرضت علينا ويجب التعامل معها بظل المعطيات العامة.
وإليكم بعض الاقتراحات التي آمل أن تقوم الحكومة الفلسطينية "وخلية الأزمة الاقتصادية" بدراستها وتبنيها:-
ولكي نتعامل بواقعية مع هذه القضية، يجب العمل على إشراك القطاع الخاص بالقرارت والتشاور، يجب أن ندرك جميعا أن الازمة التى ضربت اقتصادنا أزمة عالمية وليست فلسطينية وليست مفتعلة، كما يجب أن ندرك مجتمعين أننا بخندق واحد وأنه من المتوقع أن تستمر لفترة طويلة وبتصاعد وقابلة للتكرار، وعليه يجب أن نمتلك رؤية واضحة أساسها بالنظر لقضية التضخم مرحلياً واستراتيجياً، وأن ننظر للأمور على ثلاث مستويات، المدى القصير، المتوسط والمدى الطويل.
أولا:- المدى القصير، باعتقادي يجب على الحكومة الفلسطينية العمل على تشجيع سياسة إغراق السوق بالمنتجات ومرافقتها بتحديد فترة زمنية لإعفاء تلك المنتجات الاستهلاكية من الجمارك.
ثانيا:- أما على المدى المتوسط فيجب التركيز على تخفيف تكاليف المصاريف التشغيلية لقطاعات الإنتاج من مصانع وزراعة، وذلك بتخفيف تكلفة الجمارك على المواد الخام واأيضا تكلفة الطاقة،
ثالثا:- أما على على المدى الطويل فيجب العمل على بناء مخزون وطني لمدخلات المواد الأساسية من سلع ومواد غذائية.
رابعا: العمل على تفعيل الرقاية السوقية على المنتجات الاستهلاكية، والعمل على إطلاق موقع الكتروني يخاطب المستهلك بتحديد سقوف الأسعار.
وفي الختام، أتمنى على الحكومة الفلسطينية العمل والإسراع بالإنجاز، وتأسيس إطار حامٍ ومانع يقي المستقبل الضبابي، وخلق الأمن المجتمعي الذي هو أساس للأمن الاقتصادي.