بقلم: هاني العقاد
تأتي زيارة جو بايدن للمنطقة في محاولة لترتيب أوراق واشنطن ومصالحها في الخليج العربي خشية دور روسي بديل وبالتالي تحاول واشنطن الحصول مزيد من الطاقة الخليجية بعد الحرب الروسية الأوكرانية وتأتي لإثبات حضور امريكي وهمي في ملف الصراع الفلسطيني الإسرائيلي دون توازن في معايير التدخل. سيركز برنامج بايدن في دولة الاحتلال على زيارة عدد من المواقع الاستراتيجية الهامة أهمها بطارية القبة الحديدة في قاعدة (بالماخيم) العسكرية التي تحتوي على أكبر مطار عسكري إسرائيلي ويوجد بها وكالة الفضاء الإسرائيلية،وسوف يلتقي الرئيس جو بايدن رئيس وزراء الاحتلال (نفتالي بينت) ورئيس الاحتلال (إسحاق هرتصوغ )في تل ابيب وسيجري معهم محادثات مهمة تتعلق باندماج دولة الاحتلال في منطقة الشرق الأوسط , وسيزور جو بايدن متحف (يد فاشيم ) في القدس كدلالة لقوة العلاقة مع دولة الاحتلال . اليوم الثاني للزيارة سيذهب بايدن الي رام الله وان كان سيطير بالهليكوبتر التابعة للبحرية الامريكية ليحط في مدرج المقاطعة فانه سيشاهد من الجو ماذا فعل الاحتلال بالضفة الغربية من تقطيع للأوصال ونشر المئات من الحواجز العسكرية هذا ان سمحت دولة الاحتلال بان تمر الطائرة فوق تلك المواقع، اما ان كان سيذهب بالسيارة المصفحة فانه بالطبع سيمر من على كثير من الحواجز الاحتلالية والمستوطنات ويري بأم عينه كيف يمكن للفلسطينيين ان يعيشوا مع هكذا حال وهذا مهم جدا. في رام الله سيلتقي بايدن الرئيس أبو مازن في المقاطعة بالإضافة لكبار قادة السلطة الفلسطينية وسيجري محادثات مهمة تكون هي الاولى من نوعها منذ تولية إدارة البيت الأبيض وسيقوم بزيارة كنيسة المهد في بيت لحم.
تأتي الزيارة في وقت يسود فيه الظن على مستويات كبرى في المنطقة ان إدارة بايدن قد انسحبت تدريجا من المنطقة بالتالي لم يعد لدى إدارة بايدن أي شغف بحل الصراع حلاً شاملا تعيش فيه المنطقة العربية في امن وسلام واستقرار دائمين , كما وتأتي الزيارة في وقت تصاعدت فيه الهجمة الصهيونية ضد الفلسطينيين ومقدساتهم وفي وقت ترتفع فيه وتيرة الاعدامات الميدانية والاقتحامات اليومية لمناطق السلطة الفلسطينية وهدم البيوت والاعتقالات وتشريع البؤر الاستيطانية وعزل القدس عن المحيط الجغرافي والسياسي الفلسطيني ببناء الالاف الوحدات السكنية الجديدة التي من شانها ان تشكل منطقة عازلة بين المدينة المقدسة وكل من بيت لحم والخليل ,وفي زات الوقت فان القيادة السياسية في دولة الاحتلال بدأت تنفذ مخططا خطيرا لعزل السلطة تماما عن المشهد السياسي.
تسعي الولايات المتحدة اليوم لإعادة صياغة تحالفات القوى المركزية بالعالم كقوة تقود العالم وتناهض روسيا وحلفائها، وكقوة لها مصالحها بالشرق الأوسط الذي يريد بايدن ان يضمنه الى صفه في معترك التغيرات التي صاحبت العملية العسكرية الروسية على أوكرانيا وظهور روسيا كقوة كبيرة تريد ان تعيد صياغة التحالفات الدولية بدءا من أوروبا وانتهاء بالشرق الأوسط. لذا أصرت إدارة بايدن ان يحضر بايدن اجتماع مجلس التعاون الخليجي + 3 الذي سيعقد في الرياض وتم تنسيق توقيته مع زيارة بايدن لأهداف تتعلق بالحصول على النفط والغاز العربي رخيصا لتعوض واشنطن ما تم استنفاده من الاحتياطي الأمريكي. ولعل واشنطن تريد ان ترسم خارطة لعلاقات إسرائيلية سعودية عربية من خلال موافقة دولة الاحتلال على نقل جزيرتي (صنافير و تيران ) الي السيطرة السعودية بوساطة أمريكية على ان يكون البديل هو فتح الأجواء السعودية في المرحلة الاولى للطيران المدني الإسرائيلي كمحطة للوصول الى افريقيا وشرق اسيا وبذلك تكون دولة الاحتلال وضعت اول قدم لها بالسعودية.
لن يأتي بايدن بمبادرات لتحريك عملية السلام بالمنطقة واعتقد انه سياتي فقط ببعض الوعود للفلسطينيين بان توقف دولة الاحتلال سياسة الامر الواقع وتحترم وجود السلطة الفلسطينية وبعض المساعدات للأونروا وصندوق التنمية بالشرق الأوسط ليس أكثر. الفلسطينيون من طرفهم لديهم رزمة مطالب سوف يسلموها لبايدن أولها سعي إدارة بايدن لإنقاذ مبدأ حل الدولتين بإجراءات حقيقية على الأرض تتعلق بوقف الاستيطان والحفاظ على الوضع التاريخي بالمسجد الأقصى ووقف انتهاك قدسية المقدسات بالإضافة الى الافراج عن أموال المقاصة ووقف اقتحامات الضفة الغربية وانتهاك مناطق السلطة الفلسطينية بالإضافة لتحسين علاقة واشنطن بالسلطة وإعادة المساعدات المالية وفتح القنصلية وإعادة فتح مكتب التمثيل الفلسطيني في واشنطن. لا اعتقد ان ادارة بايدن تستطع تغيير سياسة الاحتلال الإسرائيلي التي تتسارع هذه الأيام لفرض وقائع استيطانية خطيرة على الأرض تجعل مجرد مناقشة مبدا حل الدولتين امر مستحيل ولعل دولة الاحتلال معنية بان تتلقى إدارة بايدن خارطة الانتشار الاحتلالي بالضفة الغربية ويطلع بايدن وفريقه على خارطة المستوطنات بالضفة الغربية التي تقول دولة الاحتلال انها توفر الامن للكيان وهنا تحاول دولة الاحتلال اقناع بايدن على الأرض باستحالة تطبيق مبدا حل الدولتين وفي ذات الوقت الحصول على اعلى دعم امريكي لخطة حكومة (نفتالي بنت) فيما يتعلق بفرض الامن بالضفة الغربية الذي تعتبره جزءا لا يتجزأ من امن دولة الاحتلال.
فلسطينيا لا يفترض ان نتعامل مع زيارة بايدن بانها بداية سياسة جديدة لتعامل واشنطن مع قضايا الصراع , ولا يفترض ان نعلق امال كبيرة على هذه الزيارة التي لن تغير في سياسة المحتل بشيء ولن يوقف الاحتلال خطته الأمنية باستهداف النشطاء الفلسطينيين بالضفة الغربية بل ان المحتل سيعتبرها مباركة امريكية لخططه الأمنية والسياسية والمسماة ب "الامن مقابل الاقتصاد" والقاضية بفرض حلول للصراع من طرف واحد وليس على الفلسطينيين الا القبول، كما نتوقع ان تستبق دولة الاحتلال زيارة بايدن بمزيد من الخطط الاستيطانية والالاف الوحدات الاستيطانية والطرق والالتفافية والحدائق التوراتية وتقسيم الأقصى زمانيا والسعي لتجسيد التقسيم المكاني، كان يتوجب على الفلسطينيين استباق هذه الزيارة بإجراءات ترفض الارتهان لتحسين معايير تعامل واشنطن مع الفلسطينيين وقضيتهم وعملية السلام بالمجمل واهمها اعلان دولة فلسطينية تحت الاحتلال رسميا وتقليص العلاقة مع الاحتلال الى ادنى مستوى.
سياتي بايدن ويعود الى واشنطن دون ان تغير هذه الزيارة شئيا من الشهد السياسي المتأزم بين الفلسطينيين والإسرائيليين او تستطيع اقناع دولة الاحتلال بالجلوس مع الفلسطينيين والتفاوض معهم , فقد رفضت حكومة( نفتالي بينت) المتهاوية اقتراحا أمريكيا مسبقا بتهدئة وخفض التصعيد الإسرائيلي تجاه الفلسطينيين ، كما ورفض الاحتلال اقتراح امريكي بعقد قمة ثلاثية مع الفلسطينيين واعتبروا ان هذا الاقتراح "فكرة سيئة " لأنها تبدو كمبادرة للدخول في عملية سلام بين الطرفين دون إمكانية لنجاحها واعتبرت الأوساط السياسية في إسرائيل ان كيانهم ليس بحاجة لاي وسطاء لكي يتحدثوا مع الفلسطينيين لان الجانبين يتحدثوا بشكل دائم ، هذا ما يحتم على الفلسطينيين تغيير المشهد الحالي وإعادة صياغة العلاقة بالكامل مع دولة الاحتلال ما يجبر دولة الاحتلال بنفسها ان تبحث عن وسطاء لتجلس مع الفلسطينيين وليس العكس.