علق الناقدان المصريان خالد عاشور ويسري الفخراني على فوز داوود عبد السيد مخرج فيلمي "أرض الخوف" و"الكيت كات" بجائزة النيل للفنون، وأوضحا الرسائل الرمزية التي أوصلها للمشاهدين.
وفي حديث لإحدى وسائل الإعلام قال الناقد الفني خالد عاشور"من ذبيحة صلاح أبو سيف.. إلى ذبيحة داود عبد السيد.. الضحية الحقيقية لمجتمع مريض بالخوف والدين.. مجتمع يذكر الله كثيرا.. ويخالفه أكثر. في لقطة من فيلم الزوجة الثانية وبعد أن يجبر العمدة عتمان والذي اسمه مشتق من "العتمة" أبوالعلا على طلاق زوجته فاطمة ويجبر المأذون أن يكتب عليها في نفس اللحظة مخالفا شرع الله وعدة المطلقة، يقول العمدة جملته الأشهر في تاريخ السينما المصرية اللي أصبحت قانون كوني في أي مكان تجد فيه فساد: الدفاتر بتاعتنا والتواريخ في أيدينا... حد هيحاسبنا؟".
وأضاف الأروع المشهد التالي الذي اعتمد فيه صلاح أبو سيف "Cut" ويظهر فلاح يجر جاموسة ووراها أطفال يركضون ويقولون: من بكرة ده.. بقرشين".
وتابع: "إلى هنا الإسقاط يمكن أن يكون واضحا قليلا.. فاطمة هي الضحية الحقيقية التي ضحت من أجل زوجها وعائلتها حتى يتجنبوا بطش العمدة.. استلهمت هذا من حكاية "الأراغوز" ولكن ليس هذا المهم.. بل المهم هي اللقطة التالية.. صلاح أبو سيف من المخرجين الذين لا يعتمدون القطع كثيرا.. ممكن أن يأخد إطارا واحدا بسحبة كاميرا بسيطة دون اللجوء للقطع.. وهذا بيظهر عندما يسحب الكاميرا إلى اليمين "pan right" وتظهر الضحية الحقيقية في الأحداث التي هي فاطمة الزوجة المجبرة على الطلاق من زوجها والزواج من العمدة والشيخ الضلالي يجرها خلفه ليأخدها البندر ويشتري لها طلبات الزواج الإجباري".
وتابع: "إلى هنا الموضوع يظهر أنه إسقاط ما بين الضحية الحيوان "الجاموسة".. والضحية الإنسان "فاطمة" .. لكن عندما يجري "Close Up Shot" على الذبيحه نلاحظ علم مصر وقت الملكية على جسم الجاموسة.. وكأنه إسقاط أكبر وأشمل عن مصر التي وقعت ضحية بعد ذبح الملكية بانقلاب 52 .. والفيلم إنتاج 67.. مصر الذبيحة ما بين انقلاب ونكسة.. علم مصر يغطيها كأنه إسقاط عن حال مصر الضحية لا حال الذبيحة.. وبعدها يتختفي الضحية الحيوان.. وتظهر الضحية الإنسان "فاطمة" مسحوبة خلف الشيخ الضلالى "بتاع وأطيعوا الله والرسول وأولي الأمر منكم" ومكتوب على الحائط بجوار الدكان إسقاط آخر عن مرض التدين الزائف عند المصريين الذي هو أكثر شعب يستخدم اسم الله وآياته ولو أتيحت لهم الفرصة يسرقون الله ذاته وينتحلون صفته سيفعلونا وهم يذكرون اسمه من "البجاحة".. سنجد على الحائط بجوار الدكان كتب "يارب اغنينا بالحلال" وكل الذين يجعمهم المشهد المحيطين بالعمدة والعمدة نفسه مجموعة سارقين وكل غناهم من الحرام".
وأردف قوله: "أما داود عبد السيد في فيلم "الكيت كات" استخدم ذات التيمة "الذبيحة" أو الضحية.. بعد ما المعلم "صبحي الفرارجي" أجبر الجميع بالتهديد والتخويف على بيع أملاكهم جبرا وغصبا كالمعلم عطية الذي أخد مطواة خاف وباع قهوته.. أو الشيخ حسني الذي حاول أن يغرقه في النيل فوافق على بيع الدكان.. فيظهر مشهد احتفال المعلم صبحي الفرارجي بانتصاراته على أهل الحارة بأنه يذبح "بقرة" والأطفال والناس مجموعين حوله ويغنون: "الله عليك.. الله عليك... صلي.. صلي.. صلي".
وأضاف: "وبيظهر ردود أفعال الضحايا الفعليين كالمعلم "عطية" وصبي القهوة والناس الفرحة بمجرد ضحية ستأكل منها لحما مجانا.. في حين أن غيرهم ضحى بخسائر أكبر ليتبرع المعلم "صبحي الفرارجي" بالأضحية والذبيحة".
وأوضح أن "ذبيحة صلاح أبو سيف هي في حقيقتها مصر ما بين الملكية الانقلاب في 52 وما تلاه من نكسة في 67.. أما ذبيحة وضحية داود عبد السيد عن مصر اللي دهشها وطحنها الانفتاح والرأسمالية والجهل والخوف والمرض".
وأشار إلى أن "أعظم ما في السينما أنها تستخدم إسقاطات حتى تهرب من غباء الرقيب ولكي لا تقع ضحية لمقص المنع في مجتمع يمثل أنه متدين.. ويمثل انه مؤمن.. والأسوأ يمثل أنه حي وهو في الحقيقة ضحية.. ضحية لا تختلف عن "فاطمة" في الزوجة الثانية.. أو المعلم مرحبا "عطية" ضحية الخوف.. أو يوسف ضحية العجز.. أو الشيخ حسني ضحية الكيف.. أو أهل الحارة كلهم ضحية الجهل.. وفي النهاية إسقاط للضحية الأكبر.. مصر نفسها".
بدوره قال الناقد يسري الفخراني: "أعرف داوود عبد السيد منذ التقينا لأول مرة في عرض فيلمه "الكيت كات"، هو مخرج مبدع يحمل وجهات نظر بسيط واضح قليل الكلام زاهد في الضوء حالم بالسينما المختلفة راقي عنده أصالة لا تخطئها عين".
وأضاف: "جائزته الحقيقية الانتهاء من شريط سينمائي كما يرغب في السطر الأول للسيناريو".
وختم قوله: "اليوم أنا سعيد بحصوله على جائزة رفيعة المستوى تمنح للجادين الذين أخلصوا في حبهم لمهنتهم ومشوارهم السخي، أرجو أن تضيف له الحائزة بهجة خاصة خالصة هو يستحقها".
ناصر حاتم ـ القاهرة
المصدر: RT