بقلم: جيمس زغبي
المعركة الداخلية في الحزب «الجمهوري» تدور حول ترامب وأفكاره، لكن الصراع وسط «الديمقراطيين» يدور بين المعتدلين والتقدميين ويأخذ شكلين مختلفين. الأول بين المرشحين الذين يسعون إلى توسيع جاذبية الحزب فيما يتجاوز«قاعدته»، وبين الذين يعتقدون أن الطريق إلى تحقيق الفوز يتمثل في توسيع نسبة المشاركة «الأساسية». ويتجلى هذا في ولاية بنسلفانيا التي يواجه فيها الحاكم التقدمي المتمتع بشعبية كبيرة، جون فيترمان، وهو أحد مؤيدي بيرني ساندرز، منافسة من عضو الكونجرس المعتدل «كونور لام».
وقائمة أولويات «فيترمان» توافق قائمة أولويات «ساندرز» في معظم القضايا، باستثناء أن فيترمان لا يعارض استخراج النفط بالتكسير الصخري الذي يمثل صناعة تحظى بتأييد في بنسلفانيا. وشخصية فيترمان مُقنعة مثل سياساته التقدمية. فهو بطوله الفارع الذي يبلغ ستة أقدام وثمانية بوصات (203 سم) ورأسه الحليق، يبدو وكأنه مصارع محترف أكثر من كونه سياسياً. وطريقته المباشرة والخالية من الزخرف تجذب الناخبين البيض من الطبقة المتوسطة من غير الحاصلين على درجة جامعية الذين لطالما تجاهلهم «الديمقراطيون».
وفي المقابل، يبدو «لام» وكأنه عضو في الكونجرس من النمط المعتاد الذي تم إعداده وصقله جيداً، لكنه مفرط الحذر نوعاً ما. والفكرة الأساسية عن حملة «لام» تمثلت في كونه يتمتع بفرصة أكبر من «فيترمان» في الحصول على الأصوات. وفضل عدد كبير من «الديمقراطيين» من مؤسسة الحزب لام، معتقدين أن تقديم قائمة أولويات اشتراكية ليبرالية بالإضافة إلى خطب ود «تحالف أوباما»- الناخبين من أصول أفريقية ولاتينية وآسيوية والنساء الشابات المتعلمات- هو الطريق الذي يقود إلى الفوز.
وهذا النهج هو ما جعل «الديمقراطيين» يخسرون الانتخابات في ولايات الغرب الأوسط وقدم الناخبين البيض من الطبقة العاملة إلى «الجمهوريين» على طبق من فضة. وفي المقابل، استمال «فيترمان» هذه القاعدة «الديمقراطية»، لكنه وسّعها بأن وضح للناخبين البيض أنه سيقاتل من أجلهم أيضاً. وفاز «فيترمان» بشكل حاسم في الانتخابات التمهيدية بأكثر من ثلثي الأصوات. وفي ولاية أوهايو المجاورة، استهوى «ديمقراطي» آخر، وهو عضو الكونجرس «تيم راين»، ناخبي الطبقة العاملة وحقق نصراً مبيناً. فقد أوضح رايان، مثل فيترمان، أنه يتفهم مخاوفهم بشأن الوظائف وتزعزع أوضاعهم في ظل اقتصاد متغير.
ومن المرجح أن يواجه كل من فيترمان وراين مرشحين مدعومين من ترامب في نوفمبر. ولن تساعد انتصاراتهم في ضمان سيطرة «الديمقراطيين» على مجلس الشيوخ الأميركي فحسب، بل ستثبت أيضاً مدى هشاشة سيطرة ترامب والحزب «الجمهوري» على الناخبين البيض من الطبقة العاملة، إذا اهتم «الديمقراطيون» بهم وباحتياجاتهم. والجدل الداخلي بين المعتدلين والتقدميين «الديمقراطيين» يتجلى أيضاً بطريقة أخرى أكثر تعقيداً. فالمؤسسة «الديمقراطية» تؤكد أن الحزب متحد في تأييد إسرائيل، لكن «الديمقراطيين» الليبراليين أكثر ميلاً نحو الفلسطينيين وتعليق المساعدات لإسرائيل على شروط. ويظهر استطلاع للرأي في الآونة الأخيرة هذا التحول.
ففي الدورتين الانتخابيتين الأخيرتين، ألحق عدد قليل من المرشحين التقدميين للكونجرس الهزيمة بعدد أكبر من المؤيدين من التيار الرئيسي لإسرائيل. وهناك عدد متزايد من الديمقراطيين «التقدميين» ينافسون «الديمقراطيين المعتدلين» في انتخابات الكونجرس هذا العام. صحيح أن وجهات نظرهم بشأن إسرائيل وفلسطين أكثر توازناً من خصومهم، لكن هذه القضية لم تكن محورية في هذه السباقات التي ركزت على اهتمامات تقدمية مثل الرعاية الطبية للجميع وتغير المناخ والتعليم العام المجاني. ولوقف تقدم التقدميين في الكونجرس، دشنت لجنة الشؤون العامة الأميركية الإسرائيلية (ايباك) لجان عمل سياسي جديدة أنفقت بالفعل أكثر من عشرة ملايين دولار في سباقات قليلة لإلحاق الهزيمة بالتقدميين.
ومن المفارقات، أن هدفهم الوحيد هو هزيمة «أعداء إسرائيل»، لكن حملاتهم الإعلانية لم تذكر ذلك قط، بل وصفت المرشحين التقدميين بأنهم متشددون للغاية، ولا يدعمون الرئيس بايدن، أو ليسوا «ديمقراطيين حقيقيين». وجاءت تبرعات كبيرة لهذه المجالس من جمهوريين أصحاب مليارات، وأيدت أكبر لجنة عمل سياسي أكثر من 100 «جمهوري»، بما في ذلك مؤيدو زعم ترامب الخاص بـ «سرقة الانتخابات».
والنتائج متباينة. فقد فاز الفريق المناهض للتقدميين حتى الآن بثلاثة سباقات تنافسية وخسر سباقين، بما في ذلك سباق في منطقة غرب بنسلفانيا حيث انتزع الفوز مرشح أفريقي الأصل يتمتع بشخصية ذات حضور طاغ وهو مشرع في المجلس التشريعي للولاية، بينما تجري إعادة فرز الأصوات في السباق الآخر. خلق ترامب والخوف من تنفير قاعدته الانتخابية وحدة هشة وسط الحزب الجمهوري، بينما يجد «الديمقراطيون» صعوبة في تحقيق الاتحاد بين التقدميين والمعتدلين. وقد يؤدي تدفق الملايين من الأموال المظلمة إلى هزيمة بعض التقدميين الذين يدعمون تحقيق العدل للفلسطينيين، لكن هذا يعمق الانقسام أيضاً.
وما لم يتحد الديمقراطيون حول نهج يحظى بقبول «قاعدتهم» ووسط الناخبين البيض من الطبقة العاملة الذين تم تجاهلهم لفترة طويلة، سيكون من الصعب تحقيق الفوز في ولايات مثل بنسلفانيا وأوهايو وويسكونسن. ونتيجة النزاعات الداخلية الحزبية هذا العام لن تحدد الجانب المهيمن على الكونجرس فحسب، بل ستمهد الساحة أيضاً لما سيحدث في انتخابات عام 2024.