بقلم: وائل المبحوح
الخامس من حزيران 1967 يوم غفا فيه العرب ولا يزالون هو يوم مشهود في تاريخ العرب الحديث، يومٌ لم تتمكن فيه جيوش دول عربية ثلاثة من الصمود أمام جيش الاحتلال الصهيوني، فتلقت هزيمة نكراء، واحتلت (إسرائيل) فيه قطاع غزة والضفة الغربية الفلسطينيتين وما تبقى من القدس، إضافة إلى هضبة الجولان السورية، وسيناء المصرية، وباتت هي القوة الأولى المهيمنة في المنطقة، وعمّقت فكرة الجيش الذي لا يُقهر.
بل يمكن القول: إن هذه الحرب كانت أهم حدث في تاريخ المنطقة الحديث، بعد الحرب العالمية الثانية، كما يرى عزمي بشارة؛ فقد ثبّتت نتائج حرب 1948، وجعلتها غير قابلة للتغيير، وأبرزت أهمية (إسرائيل) للغرب، كما تركت آثارًا كبيرة في نفوس العرب والفلسطينيين على حدٍ سواء، فكان أفول نجم القومية العربية بزعامة جمال عبد الناصر، كما عبر عنها أستاذ العلاقات الدولية فوّاز جرجس بالقول: "إن هزيمة العرب في حرب يونيو/حزيران 1967 التي تلتها وفاة جمال عبد الناصر عام 1970 شكلت الضربة القاضية التي أنهت القومية العربية فقد عاش العرب لسنوات في ظل أحلام المجد الثقافي والقوة والوحدة، ولكن هزيمتهم في غضون ساعات قليلة على يد الدولة العبرية الناشئة، أدت إلى انهيار الأسطورة المؤسسة للقومية العربية وإحراج الوصي عليها؛ الزعيم المصري جمال عبد الناصر، الأمر الذي أدى إلى تبديد الوعد بمستقبل مشرق".
وهو أمر يرى فيه مراقبون أنه كسر مجرى عملية بناء مشروع ثقافي- سياسي عربي عصري بقيادة مصر، من جهة، ومن جهة أخرى فتح المجال أمام ظهور الإسلاميين العرب على الساحة النضالية من جديد. كان من نتائج نكسة حزيران أيضًا بروز (الوطنية الفلسطينية) التي باتت تمثل فلسطينيي الضفة الغربية وغزة والشتات، والتي مرّت بعد ذلك بمراحل متنوعة أدّت في النهاية إلى توقيع اتفاق أوسلو 1993 مع (إسرائيل)، حيث بدأ الفلسطينيون بعد النكسة شيئًا فشيئًا التخلص من وصاية الأنظمة العربية، بل إنهم دخلوا في صراعٍ مع بعضها؛ كما حدث مع المملكة الأردنية، واضطروا لمغادرتها بعد معارك أيلول1970، وجعلوا بعدها من لبنان قاعدتهم الرئيسية قبل أن يغادروها على إثر العدوان الإسرائيلي على لبنان عام 1982، الأمر الذي مهد الطريق للوصول إلى اتفاق أوسلو المذكور عام 1993.
ما زال العرب غير قادرين على استعادة كل ما فقدوه في حرب 1967 أو إجراء تغييرات جذرية في الوضع السياسي والعسكري الذي فرضته هذه الحرب بالمنطقة
ربما يتبادر إلى الأذهان مباشرة أن نتائج نكسة حزيران 1967 الكارثية، في أبعادها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وفيما يتعلق بالمشروع القومي العربي، والنزاع العربي الإسرائيلي، هي كذلك بالنسبة لفلسطينيي 48، لكن يبدو الأمر مختلفًا هنا، ولا يمكن أن تكون النظرة موحدة في كافة الزوايا، بل لربما ينطبق في هذا الشأن بالذات ذلك المثل العربي الشهير: مصائب قوم عند قوم فوائد. فالنكسة التي انتهت باحتلال الضفة الغربية وقطاع غزة، أوقعت قسمًا كبيرًا من الشعب الفلسطيني (أكثر من مليون فلسطيني) تحت الاحتلال الإسرائيلي المباشر.
وهو أمر لم يحدث سنة 1948، وقد تولّد هكذا، ولأول مرة صراع أو مواجهة مباشرة بين جزء من الفلسطينيين و(إسرائيل)، كدولة محتلة، وتأثرَ (فلسطينيو الـ48) نتيجة اللقاء المباشر مع فلسطينيي المناطق المحتلة عام 1967، كما تأثروا بالتغيرات التي طرأت على المجتمع الإسرائيلي، كنتيجة للسيطرة على الضفة الغربية وقطاع غزة واستغلالهما في مجالات شتى. وهو ما انعكس إيجابًا _إن جاز التعبير، على سلوك فلسطينيي الـ48، الذين عاشوا مضطرين عزلة سياسية وثقافية واجتماعية منذ 1948، وانفصالهم بالكلية عن المحيط العربي، وعدم مقدرتهم على التكيف مع المحيط الجديد. فقد توفرت إمكانية التواصل بين فلسطينيي48 وإخوانهم في المناطق الفلسطينية الأخرى (حديثة الاحتلال)، وفُتح المجال للدراسة في الكليات والجامعات المتوفرة في الضفة الغربية وقطاع غزة، وأصبح التبادل التجاري والثقافي والعلاقات البينية، أمرًا ممكنًا بعد أن كان مستحيلًا.
اليوم، وبعد مرور واحد وخمسين عامًا على النكسة، ما زال العرب غير قادرين على استعادة كل ما فقدوه في حرب 1967 أو إجراء تغييرات جذرية في الوضع السياسي والعسكري الذي فرضته هذه الحرب بالمنطقة، لكن الثابت أيضًا أن إسرائيل اضطرت إلى الخروج من قطاع غزة عام 2005، ولا زالت تعاني على جبهته بفعل تراكم قوة المقاومة الفلسطينية التي وإن أنهكتها الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة على القطاع، فإنها لم تستطع القضاء عليها، بل إن المقاومة الفلسطينية في القطاع تحديدًا باتت تستنزف الاحتلال بأشكال متعددة من المقاومة، بما يمكننا من القول أن إسرائيل لم تعد قادرة على كتابة الفصل الأخير من الصراع على هذه الأرض. عن "الجزيرة نت"