بقلم:نبيل عمرو
معارك القدس من الشيخ جراح الى الأقصى ومواجهات الكف الجنيني مع المخرز الإسرائيلي، واغتيال فتاة فلسطين شيرين أبو عاقلة، وملحمة التشييع الشعبي لها في قلب القدس، كل ذلك ادخل شهري رمضان وايار في سجل الصراع المحتدم مع إسرائيل كشهرين نوعيين مميزين، ايقظا بقوة الروح الفلسطينية التي ظن كثيرون انها ان لم تكن ماتت فنامت.
مفاعيل هذين الشهرين فرضت وجودها وتأثيرها على العالم بأسره، فمحت الصورة السلبية التي رسمت بها فلسطين بفعل الانقسام طويل الأمد والعجز الذي اتى به على كل المستويات لتضيء صورة إيجابية تقول ان شعبا اعزل بالقياس لما لدى الخصم من إمكانيات يفعل ذلك كله، اذا فهو شعب حي يؤدي مهام الحفاظ على قضيته وتأسيس مقومات انتصاره.
العالم الذي اذهلته الانتفاضة المعنوية الشاملة التي تجلت في رمضان وايار، أدى أوسع واهم فعاليات الإدانة للاحتلال الإسرائيلي الأطول والاشرس في التاريخ المعاصر، ولم يخلو الامر من نقد ذاتي مرير اشهره كبار مثقفي العالم لتقصير المجتمع الدولي في دعم الكفاح التحرري العادل للشعب الفلسطيني، دون تجاهل فضيحة الكيل بمكيالين وعنوانها أوكرانيا في دائرة الايجاب الغربي وفلسطين في دائرة السلب الكوني.
الطبقة السياسية التي يمثل وجهائها المتشبثون ظاهرة العجز المستديم والشلل المقيم، تشبه في الحالة الفلسطينية الثقب الواسع في الاناء الذي لو صبت فيه كل مياه العالم فلن يجمع ولو قطرة واحدة.
المعضلة الدائمة في الحالة الفلسطينية والتي يبدو ان لا مخرج منها على المدى المنظور، تكمن في الخلل العميق الذي يضرب حتى الجذور، وهو غلبة الصراع الداخلي على الصراع مع الخصم الرئيسي، ولقد استفحل هذا الصراع وتعمق واتسع على نحو جعل من كل المبادرات الشعبية الخلاقة بكل اشكالها عرضة للذوبان وفي اقل مدى زمني، فأن فاز فريق بأغلبية مقاعد جمعية خيرية تراه يزف الفوز كقرينة على انه فوز للشعب كله، اما الذي لم يفز فيصور الامر كما لو انه كارثة وطنية، وكلا الطرفين لا يدركان انهما في حال انعزال عن الشعب وهمومه الذي يعد بالملايين داخل الوطن وخارجه، ومعظمه لا يعرف شيئا عن الانتصارات والهزائم المتبادلة بين وجهاء الطبقة السياسية.
في شارعنا العريض توحد الشعب كله في موسم القدس- شيرين – جنين، ولم تمض أيام قليلة حتى اعادت الطبقة السياسية المتشبثة " حليمة الى عادتها القديمة" فكانت احتفالات النكاية الصاخبة في الضفة وغزة حول الفوز هنا والاخفاق هناك، ما جعل الحدث الأهم الذي شغل العالم كله وادار وجهه ناحية العدالة الفلسطينية، يصبح حدثا في المقام الثاني ان لم يكن وراء ذلك.
في وضعنا الداخلي تبدو علة العلل والمعضلة الأساس ان الطبقة السياسية المتشبثة واسيرة اعتباراتها الذاتية، أضحت في حالة اغتراب عن الشارع المفترض انها تقوده وتمثله، وهذا الاغتراب يعمقه ويديمه ويفاقم كوارثه تدميرها للنظام السياسي، الذي قاد القضية بكفاءة مشهودة زمن المنفى، واوصلها الى ذروة الاهتمام الدولي.
صحيح القول انه لم يكن نظاما نموذجيا لا خلل فيه، فهذا هو حال النظم التي تتأسس في المنفى غير ان الاصح هو ان الطبقة السياسية الفلسطينية أخفقت أولا في تطوير ذاتها ومنطقيا ان تخفق في تطوير الحياة السياسية للشعب الفلسطيني، حين عادت الى الوطن بفعل تسوية شديدة الالتباس والتعقيد واثارة الجدل.
الاناء المثقوب الذي لا يجمع ماءً لم يعد يصلح معه الترقيع، والمعالجات الجزئية كما لا تصلح معه اللجان المستنسخة عن لجان مماثلة، لم تنتج غير تعميق الازمات واستفحالها والابتعاد عن الحلول الناجعة لها.
ان عزلة او انعزال الطبقة السياسية بمختلف عناوينها له حل واحد، وهو إعادة الأمانة الى أهلها الذين هم الشعب، فهو وحده من يملك المصلحة في التغيير ويمتلك شرعيته واداته كذلك، واساسه ان ينتخب الشعب ممثليه وان يتولى المنتخبون مهامهم في كل المجالات ، تحت رقابة ومساءلة ناخبيهم ، بهذا وحده ترسم اول خطى الخروج من حال الاناء المثقوب الى حال اكثر سدادا وجدوى. وهذا ليس اختراعا او شطحة خيال بل هو خيار كل الشعوب في معالجة قضاياها والخروج من مآزقها ونحن الفلسطينيون وان كنا أصحاب قضية مميزة الا اننا لسنا استثناءً عن نواميس شعوب الكون كله.