شاعر البنفسج قبل هدية صدام وكان رماديا مع الاحتلال

أحد, 05/22/2022 - 15:46

في مماته، كما في حياته، يثير مظفر النواب الجدل بين عاشقي أشعاره، الممزوجة بالطين، والقهر، واللوعة، والغضب، الضاجة بالشتائم.
قدّس المتلقي العربي النواب، لأنه عبر عن سخطهم وغضبهم الأبدي على أنظمة الفساد والاستبداد.
تغنى العراقيون، عاشقون فطريون، وثوريون محترفون، بالريل وحمد، بسعود "بيرق الشرجية"، غير الهياب بالإقطاعية.
حين تعدى عمر الحزب الثلاثين، وبلغ خلاف مظفر مع الخيمة الحمراء حد الانشقاق، ظل المختلفون يتغنون بأشعار البغدادي سليل أسرة النواب، المعفّرة بنسيم الأهوار العليل، وبردي "المگير"، وغنج الريفيات، والوجنات الطرية كالقيمر.

شق مظفر مع رفاق في تنظيم القيادة المركزية للحزب الشيوعي العراقي، أخدودا في "سجن الحلة"*، وهرب مع عشرات السجناء، ألقوا من سيارة سارت خاطفة في شوارع المدينة على نهر الفرات، مناشير تتهم تنظيم اللجنة المركزية للحزب بالخيانة والوشاية لإفشال خطة الهروب.

انقضت أيام (المزبن)، واستولى حزب البعث مجددا على السلطة، وانهار تنظيم القيادة المركزية بزعامة عزيز الحاج، الذي صار يمثل العراق في منظمة اليونسكو بباريس، يكتب في جريدة (الثورة) لسان حال حزب البعث الحاكم مع قياديين آخرين، نجوا من التعذيب موتا.

بدأت أيام "اللف"*، وترددت أخبار عن لقاء بين مظفر والرئيس الراحل صدام حسين، وأن الأخير أهداه مسدسا، وجواز سفر، وأطلق له حرية التحرك.
امتص مظفر النواب من سكر القصب في أهوار جنوب العراق كلّ جميل ورفيق وساحر في لهجات العشائر العائمة مع دوابها على مياه أندر مساحات مائية في العالم، قبل أن تجف، بعوامل طبيعية، وأخرى بتدخل من سلطات البعث التي أطلقت خطة انفجارية لإعادة البناء بالتساوق مع عسكرة الدولة والمجتمع، استعدادا لحروب متواصلة انتهت باحتلال العراق ربيع العام 2003.

قبل الغزو الانكلوأمريكي، توجه مظفر من منفاه الطوعي في بلاد الشام نحو الفصيح، وقذفت حنجرته المختنقة بدخان الغضب، قصائد فجرت الشارع العربي، تحفظ عن ظهر قلب، وتصدح بها مدن الملح العربية من (المحيط الهادر إلى الخليج الثائر)، على حد تعبير المذيع الشهير، أحمد سعيد.

أورث مظفر العراق والعراقيين، باقة من القصائد لا تبدأ بالريل وحمد ولا تنتهي بالبنفسج، فقد انتقلت عدوى مظفر النواب البغدادي الشعرية، إلى أعداد غفيرة من الشعراء الشعبيين وسط وجنوب، تكاثروا مثل الفطر في عراق العسكرة والتنمية الانفجارية، مذ أن باتت مكافأة الشعراء المداحين تبدأ بمسدس " غولدن" ولا تنتهي بسيارة برازيلية، مرورا بمغلفات النقود.
رهط من الشعراء الشعبيين، حاولوا تقليد مظفر النواب، أو بزه، لكنهم لم يفلحوا، فيما حافظ شعراء مبدعون على خصوصيتهم، على منصة عالية مع مظفر الذي نضب معينه من الخزين الشعبي العراقي في المنفى الاختياري، وتحول إلى الفصحى.

بقي حادث لقاء الشاعر المتمرد مع صدام حسين عالقا في أذهان محبي وكارهي النواب.
العاشقون يغفرون له ضعفا، والكارهون يتهمونه بالخضوع للدكتاتور. أما الشاعر المتحول نحو قصائد الهجاء النثرية، فقد التزم الصمت، ولم يعلق علنا، لا على هدية "الرئيس القائد" الفتاكة، ولا على احتلال العراق، وتنصيب شلة من الفاسدين واللصوص ينهبون ثروات العراق ويتحكمون بمصير شعبه، الذي تغنى مظفر ببطولات مناضليه من خلف قضبان السجون، أو متخفيا بين أحراش الأهوار، والبيوت السرية.

لم يعارض الشاعر نظام ما بعد العام 2003 الذي علق صدام حسين على حبل المشنقة، ولم يتحمس لانتفاضات العراقيين ضد الفساد والاستبداد.

ظل شاعر (البنفسج) رماديا حتى مماته في مستشفى بدولة الإمارات، بعد معاناة طويلة مع مرض أقعده، وشل حركته، وأثقل لسانه، الذي سخر وشتم أبناء الزانيات، وبعضهم خرج في بغداد متباهيا بتشييع مظفر النواب المثير للجدل في الحياة والممات. وهذا أمر طبيعي في حياة شاعر لف العراق والعالم العربي بجناحيه. وكان ينبغي أن يدفن في مسقط رأسه بمدينة الكاظمية ببغداد.
لكن من غير الطبيعي أن يشارك لصوص في جنازة مظفر وهو من أنشد :( جلد اقطاعي خيمتنا على ضلوع الحرامية)

سلام مسافر

** المزبن واللف سجائر تصنع يدويا ويدخنها الفقراء

الفيديو

تابعونا على الفيس