حركة فتح... بين أمس ٍ مضى أو غد ٍ آت

أحد, 05/22/2022 - 15:43

بقلم: المحامي زياد أبو زياد

بداية أقول بأن مسؤولية فشل فتح في انتخابات جامعة بير زيت لا تقع على عاتق شخص واحد أو شخص معين حتى لو كان قد تولى الاشراف على تلك الانتخابات أو أنيطت به مهمة الإعداد لها وإدارة حملتها، وإنما تقع عاتق تراكمات سنين من المنهج الذي اتبعته قيادة الحركة منذ أن دخلت في مسار أوسلو. فقد تهيأ لهذه القيادة في بدايات مسار أوسلو أنها حققت الهدف وأنها في مرحلة جني الثمار وجمع الغنائم، فأصبحت المطالبة بالاستحقاقات هي السمة المميزة للعديد من كوادر وقيادات الحركة.
ورغم فشل مسار أوسلو وتعثر المفاوضات الى أن توقفت بشكل نهائي دون أن تحقق أي تقدم على الطريق نحو انهاء الاحتلال وإقامة الدولة، إلا أن مرحلة توزيع الاستحقاقات وتحقيق المكاسب الشخصية ظلت مستمرة وأصبحت أحد أهم أسباب الانتقادات التي توجه للقيادة الحالية لحركة فتح، وخاصة في كل ما يتعلق بالتعيينات في الوظائف العليا في الداخل والخارج لأبناء مسؤولين ومتنفذين في الحركة، والترقيات والامتيازات وغير ذلك من مظاهر الفساد الإداري والمالي الذي يسود الانطباع بأنه يعم مرافق السلطة نتيجة غياب آلية المساءلة والمحاسبة وخاصة الآلية المتمثلة بوجود مجلس تشريعي منتخب من جهة ، وزاد الطين بلة تسلق الكثير من الطحالب البشرية على أكتاف الحركة وتحولت الى عبء عليها وصارت مصدرا ً للإساءة لسمعتها وأدائها. وإضافة لذلك بروز الدور البوليسي في قمع الحريات، وفي التعامل مع المعارضة التي هي في الأساس أهم مكونات أي مجتمع أو نظام ديمقراطي يؤمن بالتعددية السياسية والمشاركة ويسعى نحو تحقيق الأفضل. ثم أخيرا ً ما يسمى بالتنسيق الأمني مع الاحتلال وفقا ً لاتفاق أوسلو حيث تحول هذا الموضوع الى أداة بيد أعداء السلطة لمهاجمتها وكيل الاتهامات لها، لا سيما في ظل جنوح إسرائيل وبشكل متطرف نحو خيار تكريس الاستيطان والضم وتغيير معالم القدس والأراضي المحتلة وتجاهل التطلعات الوطنية للشعب الفلسطيني والتمادي في ممارسة الظلم والقهر العنصري ضد أبناء شعبنا وضربها عرض الحائط كل الاتفاقيات الموقعة مع م ت ف.
وفي هذا السياق فإن المتابع لوسائل التواصل الاجتماعي يستطيع إعداد قائمة تضم عشرات الأمثلة على اتهامات الفساد التي توجه السلطة بالأسماء والأرقام والمعطيات التي لا يخلو جزء كبير منها من الصحة رغم المبالغة في بعضها أو عدم الصحة البعض الآخر. ولست هنا بصدد تعداد أو الإتيان بالأمثلة على الاتهامات التي توجه للسلطة سواء بحق أو بغير حق ولكنني أتطرق لهذا الموضوع لكي أخلص الى القول بأن هذه الاتهامات يتم تجييرها تلقائيا ً الى حركة فتح باعتبارها المرجعية السياسية للحكومة ولأجهزتها المختلفة وتحميلها وزر ذلك.
والى جانب هذه الاتهامات فإن هناك غياب كامل للديمقراطية داخل الحركة واتباع لأسلوب تفصيل المواقع والمسؤوليات على مقاييس أشخاص يدينون بالولاء لقيادة الحركة وكل من يحاول التعبير عن أي انتقاد أو صوت معارضة داخل الحركة يجد نفسه إما مهمشا ً أو منبوذا أو في طريقه الى البوابة المفضي الى خارج الحركة.
وقد أدى غياب العمل المؤسساتي واتباع الأسلوب الديمقراطي لتجديد الدماء داخل عروق الحركة الى تصحر بعض قياداتها من جهة وتشظي البعض الآخر من جهة ثانية.
ومع أن من الطبيعي في حركة جماهيرية عريضة كحركة فتح أن تظهر داخلها تكتلات وأجنحة ولكن تظل جميعها داخل إطار واحد إلا أن سعة صدر القيادة الحالية لم يتسع للانتقادات من داخل الحركة وآثر قمع أي صوت يختلف معها في الرؤيا، فتمرد البعض ومارس العلنية في انتقاداته فتم فصله عقابا ً على ذلك ، أو قامت قيادة الحركة بفصل أو طرد البعض الآخر استباقا ً لما يمكن أن يقوم به، مما جعل الحركة تبدو أمام الرأي العام ممزقة مهلهلة فقدت الكثير من رصيدها الشعبي.
لقد حققت حركة فتح والفصائل الأخرى المنضوية تحت لواء م ت ف رصيدها الشعبي حين كانت فصائل مقاومة وحركات تحرير وطني تعد شعبها بالعمل من أجل انهاء الاحتلال ورفع الظلم الواقع عليه. ولكنها منذ دخلت مسار أوسلو بدأت تبتعد تدريجيا ً عن مفهوم التحرير والمقاومة وتتحول نحو ما يشبه العمل الحزبي، ثم بدأت تنزلق تدريجيا ً نحو حالة ذهنية قوامها التعايش مع الاحتلال والتعامل معه على أساس أنه أمر واقع أو ربما قدر لا مفر منه. وأصبح بعضها مجرد أسماء تعيش على أمجاد الماضي وتعتاش على حساب ميزانية م ت ف، ولا وجود حقيقي لها على الأرض وقد عرّت انتخابات بير زيت بعضا ً منها!
وأصبحت هناك حالة انفصام شخصية بين الخطاب السياسي الأشبه بالخطاب الإعلامي الذي يتميز بالشعارات والكليشيهات الثورية الخالية من المضمون، بينما يتسم أداؤها على أرض الواقع بالرضوخ للاحتلال باعتباره أمرا ً واقعا ً والتعايش والتعاون معه وكأنه قدر لا بد منه.
ورغم أن أحدا ً لا يستطيع إعفاء قيادة الحركة والحكومة التي تأتمر بأمرها من مسؤولية التردي العام في الوضع على كل الأصعدة إلا أنه لا بد من القول بأن هناك عملية شيطنة للسلطة من قبل جهات إسرائيلية مغرضة ومن قبل جهات تحسب نفسها معارضة وطنية ولكنها بقصد أو بغير قصد تساعد على تمرير خطط الاحتلال في ضرب الروح المعنوية للشعب الفلسطيني من خلال تشويه صورة قيادته الوطنية وزعزعة الثقة بها وتركه نهبا ً للأوهام والمخاوف على مستقبله ومستقبل قضيته. ومع أن هذه الخطة تستهدف السلطة في ظاهر الحال إلا أنها تدرك أن شيطنة السلطة تعني بشكل غير مباشر إضعاف فتح وضرب مصداقيتها في الشارع لأن ضرب حركة فتح وإضعافها يضمن تكريس الاحتلال وتمرير برامجه الاستيطانية التوسعية وإجهاض حلم إقامة الدولة الفلسطينية.
وهكذا تكون حركة فتح بممارسات قيادتها من جهة، وسوء الأداء والفساد المنتشر في ربوعها بما في ذلك الحكومة التي تخضع لتوجيهات قيادتها من جهة، والمساعي الإسرائيلية لإضعافها تمهيدا ً للإجهاز عليها من جهة أخرى، تشهد تراجعا وتعثرا كما أظهرت الانتخابات البلدية التي جرت مؤخرا ً وفي انتخابات مجلس طلبة بير زيت.
وإذ أوثر ألا أتوسع في الحديث عما يدور داخل الحركة أو الحكومة ويؤدي في المحصلة الى تراجع شعبية حركة فتح في الشارع، إلا أنني أقول وبمنتهى الثقة بأن حركة فتح عصية عن التأبين وأنها تبقى في اللاوعي الشعبي الفلسطيني مصدرا ً للمصداقية الوطنية باعتبارها الحركة الرائدة الطليعية التي قادت حركة التحرر الوطني الفلسطيني منذ البدايات ولا تزال بعض كوادرها في الميدان حتى لو اختلفت في نظرتها للأمور مع نظرة قيادتها السياسية. وهي أيضا الحركة التي لا تزال تملك الطاقة الكامنة التي تستطيع إن تم تفعيلها أن تعيد فتح الى مكانها الطليعي الأقدر على تصدر المشهد الفلسطيني. ولقد أثبتت كل تجارب الماضي أن أعتى قيادات فتح يفقد بريقه ومصداقيته إذا ما خرج منها وحاول الوقوف في خندق مقابل لها. فأي تغيير أو تصحيح يجب أن يتم من داخل القلعة لا من خارج أسوارها ومن خلال تفعيل مؤسساتها وتطبيق لوائحها.
ومن أجل ذلك لا بد من إجراء محاسبة ذاتية تتم من خلالها مراجعة كل العثرات التي شهدتها في السنوات الماضية، وبشكل خاص منذ الانقسام المشؤوم الذي وقع في حزيران 2007 والذي وضع السلطة على طريق تفكيك البنية التحتية التي أقيمت كأساس لإقامة الدولة، وذلك بعد أن تم شل عمل المجلس التشريعي ثم الغاء وجوده وبالتوازي الاستيلاء على صلاحياته والولوج في نفق التفرد في القرار الذي أفضى الى متاهة من الضياع القانوني والدستوري والسياسي والوطني، وفتح الباب على مصراعيه أمام التغول على أبسط مبادئ الديمقراطية والحكم الرشيد. وفي إطار هذه المحاسبة للنفس لا بد من أخذ العبرة مما حدث في الانتخابات البلدية الأخيرة ومما حدث في بير زيت وفي غيرها من المواقع لتبني خطة ومنهج جديد يعيد للحركة دورها وزخمها ووهجها الوطني الريادي الذي لا بديل له.
ما تحتاج اليه حركة فتح هو أن تعيد الى أذهان الناس ووعيهم أنها لم تتخل عن خيار المقاومة وأن ذراعها العسكري المتمثل في كتائب شهداء الأقصى وغيرها ما زال جزءا ً عضويا منها وأنها رغم جنوحها المرحلي نحو الخيار التفاوضي إلا أنها ما زالت تملك إرادة المقاومة وأن الخيار التفاوضي ليس هو الخيار الوحيد الذي تملكه.
والحركة بحاجة الى إعادة روح العمل التنظيمي الى كوادرها فلا يجوز اختيار أعضاء المؤتمر بناء على علاقات شخصية واستزلام وضمان تمرير أجندة، بل عليها أن تتبنى ولو لمرة واحدة أسلوب الانتخابات التمهيدية primaries التي تشارك فيها كل كوادر الحركة وعلى كل ساحات الوطن، ولو كان المشاركون بالآلاف، لاختيار أعضاء مؤتمر عام للحركة مع زيادة عدد أعضاء هذا المؤتمر ليضمن التمثيل الحقيقي لكافة عناصرها يعيد مأسستها. والى جانب كل هذا، فإن الدعوة للانتخابات التمهيدية ولمؤتمر الحركة يجب أن تمر من خلال مصالحة حقيقية داخل الحركة تلغي كل قرارات الفصل والإقصاء وتعيد لكل أفراد الحركة من كوادر وقيادات حقهم في المشاركة في إعادة تصويب مسار الحركة وتمتين بنائها لتكون على مستوى التحدي أمام القوى الأخرى التي استغلت الصراعات داخل الحركة وفشل المسار التفاوضي لكي تحاول استقطاب بعض أعضائها الشاعرين بتخلي قيادتهم عن تبنيهم وإعطائهم الدور الذي يستحقونه.
قد أبدو حالما ً أو أعيش في الخيال ولكنني أومن بأن كل عمل عظيم بدأ حُلما ً ثم ومن خلال الجهد غير المتوان تحول الى حقيقة.
لقد كانت فتح وستبقى طليعة التحرر والنضال من أجل الاستقلال وكل ما هو مطلوب هو أن تعود الى ذاتها وأن تنطلق من جديد نحو الهدف الذي قامت من أجله... أليست هذه هي الديمومة؟

الفيديو

تابعونا على الفيس