بريطانيا والاعتراف بالدولة الفلسطينية / بقلم:د. ناجي صادق شراب

سبت, 05/21/2022 - 07:00

كما عملت بريطانيا والأمم المتحدة على قيام إسرائيل كدولة ومنحتها الشرعية الدولية لتبدأ معها المشكلة الفلسطينية وحروب كثيرة شهدتها المنطقة، فعلى بريطانيا ومعها دول العالم وخصوصاً أعضاء مجلس الأمن الدائمين الاعتراف بقيام الدولة الفلسطينية كحل نهائي للصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وتكفيراً عن ذنب ومسؤولية دولية عن حرمان الشعب الفلسطيني من ممارسة حقوقه المشروعة التي أقرتها الشرعية الدولية من خلال الأمم المتحدة، بدلاً من الموقف السلبي الذي يشجع إسرائيل على المضي قدماً في سياساتها الاستيطانية الرافضة للسلام مع الفلسطينيين، والتي قد تقود في النهاية لحالة من الانتفاضة الشاملة التي تقود بدورها لحالة من عدم الاستقرار الذي قد يهدد المنطقة كلها.

ولا يكفي الاختباء سياسياً وراء مجرد الدعوة للمفاوضات التي أخذتها إسرائيل مبرراً لرفض قيام الدولة الفلسطينية بذريعة الإرهاب. وكما أشار المؤرخ البريطاني أفي شليم أستاذ العلاقات الدولية في جامعة أكسفورد فإن «إسرائيل لن تجنح أبداً للسلام، وحان الوقت لكي تعترف بريطانيا أولاً بفلسطين الدولة»، وأضاف «إن بوريس جونسون رئيس الوزراء البريطاني سبق أن وصف وعد بلفور بأنه المسؤول عن القضية»، لكن هذا القول غير متماسك بطريقة مأساوية، إذ إن إسرائيل تصرّ على عدم قيام دولة فلسطين، أي على عدم المضي في طريق السلام.

هذا هو الوقت المناسب للخطوة البريطانية التي قد تفتح الطريق أمام بقية دول العالم للإعتراف بالدولة الفلسطيمنية على حدود عام 1967 وعاصمتها القدس الشريف لوضع حد نهائي للصراع. فالحكومة الإسرائيلية الحالية ترفض السلام وحتى لقاء الرئيس محمودعباس، ورئيس وزرائها نفتالي بينيت يعلن صراحة انه لن يقابل عباس ولن يتفاوض معه، كما أن وزير الخارجية لابيد يكرر نفس التصريحات.

وأهم ما أشار إليه المؤرخ البريطاني أن «ورقة التوت التي تتمسك بها أمريكا وأوروبا من أن التفاوض هو الحل لخيار قيام دولة قابلة للحياة، ففيه إنقاذ لإسرائيل فقط وتغطية لسياساتها الرافضة للسلام».

إن هذه الورقة لم تعد قائمة. وكما نعلم جميعاً فالصراع الفلسطيني- الإسرائيلي صناعة بريطانية، وبريطانيا هي أصل المشكلة منذ 1917 من خلال إصدار وعد بلفور الذي تعهدت بموجبه منح اليهود «وطناً قومياً» في فلسطين، رغم أنهم كانوا وقتها أقلية لم تتجاوز 10 في المئة من مجمل السكان، ولا يملكون أكثر من 2 في المئة من الأرض. وهذه السياسة البريطانية هي السمة الغالبة لحزب المحافظين في دعم قيام إسرائيل، بعدما حولت وعد بلفور إلى أمر واقع.

ومعروف أن حزب المحافظين مؤيد لإسرائيل وسياستها، وتصل نسبة المؤيدين لها ما يقارب ال 80 في المئة من أعضائه، وقد زار ثلث أعضاء الحكومة البريطانية الحالية إسرائيل.

لقد حان الوقت لأن تتحمل بريطانيا مسؤولياتها وتبادر إلى الاعتراف بقيام الدولة الفلسطينية. وهذا الاعتراف له جانبان الأول يساعد على حل الصراع، وثانياً يعوض عن خطأ تاريخي ارتكبته بريطانيا بحق الشعب الفلسطيني وديمومة مأساته وتشريده من أرضه في أعقاب النكبة عام 1948.

وعلى الأمم المتحدة ومن خلال مجلس الأمن المسؤول أولاً عن تنفيذ ميثاق الأمم المتحدة وحماية السلام والأمن الدوليين أن يراجع مقارباته في التعامل مع القضية الفلسطينية، كي لا تظل بياناته وقراراته غير ملزمة، وأن تتم معاملة إسرائيل وفقاً لميثاق الأمم المتحدة والفصلين السادس والسابع اللذين يفرضان عقوبات على الدول التي تنتهك ميثاق الأمم المتحدة. مع التذكير هنا بأن قبول إسرائيل عضواً في الأمم المتحدة كان مرهوناً ومشروطاً بقبولها القرار 194 الخاص بعودة اللاجئين إلى أراضيهم ومنازلهم.

وإذا كان هذا الأمر غير قابل للتحقق بسبب «الفيتو» الأمريكي، لكن بقاء القضية الفلسطينية دون حل قد يكون مبرراً لانتشار التيارات المتشددة والتطرف والعنف وقد ينتهي بحروب وصراعات تهدد استقرار المنطقة والعالم. والبديل لذلك هو التعامل مع فلسطين كدولة كاملة العضوية تحت الاحتلال، وتحمّل المسؤولية الدولية الكاملة لإنهاء الاحتلال عن دولة عضو بعد أربعة وسبعين عاماً من النكبة والتشريد.

هذه هي المقاربة الوحيدة لحل الصراع الفلسطيني، وهي قيام الدولة الفلسطينية الديمقراطية المدنية. وهذا الاعتراف مسؤولية بريطانية وأمريكية أولاً، ومسؤولية دولية ثانياً، ولا معنى للشرعية الدولية من دون أن تقوم الدولة الفلسطينية ويمارس الشعب الفلسطيني حقه في تقرير مصيره.

الفيديو

تابعونا على الفيس