الاستيطان هو نواة العنف والـ"أبارتهايد"‏ / بقلم الأسير: أسامة محمد عودة

خميس, 05/19/2022 - 13:47

في كتابه "في مصيدة الخط الأخضر" يقول الكاتب اليهودي يهودا شيلهاب: "الحقوق المستندة ‏إلى العنف والأبارتهايد لا يمكن أن تبقى مضمونةً إلى الأبد، والدرس المستخلص من التاريخ ‏العالمي يبيّن أن دولة من هذا النوع لا بد أن تُهزم أو تهزم نفسها، وقد تجد إسرائيل نفسها ذات ‏يوم في خضم انقلاب سياسي مثلما حصل في جنوب إفريقيا، أو في أتون حمام دماء مسحوب ‏بمقاطعة دولية". فالاستيطان وتوسُّعُه بشكل كبير جداً يلازمه عنف مستمر ومتواصل من ‏المستوطنين تجاه الفلسطينيين برعاية حكومة الاحتلال ينذر بتغيُّر شكل الصراع وإطالة عمر ‏الاحتلال ما يعني تهديداً مباشراً لإمكانية إقامة دولة فلسطينية مستقلة على ما تمَّ إقراره دولياً وما ‏تم الاتفاق عليه ما بين حكومة الاحتلال ومنظمة التحرير الفلسطينية فيما عُرِف لاحقاً باتفاقية ‏مبادئ أوسلو في العام 1993.‏
حيث أكد على ذلك رئيس حكومة الاحتلال الأسبق ورئيس المعارضة الحالي (نتينياهو) بتاريخ ‏‏28-1-2020 خلال مؤتمر صحفي مع رئيس الولايات المتحدة الأسبق (ترامب) عندما قال: ‏‏"أنت يا سيادة الرئيس تعترف بكل المستوطنات كبيرة وصغيرة، وهذه المستوطنات تم بناؤها بناء ‏على تعاليم التوراة، لنا أجداد في الخليل، ونعمل على تحقيق الوصايا العشر الموجودة في ‏الكتاب المقدس، وهذه الأرض تعبير عن روح الشعب اليهودي في العالم، وهذا اعتراف منا بأنها ‏ملك إسرائيل". وفي تناغم صريح وتوافق استراتيجي ما بين الحكومة الاحتلالية والمؤسسات ‏الدينية اليمينية المتطرفة بخصوص الموقف من الاستيطان في الضفة الغربية والقدس الشرقية ‏بغض النظر عن نتائجه؛ صرَّح الراب (حييم دروكمن) راب الصهيونية المتدينة، من على شاشة ‏القناة 13 الإخبارية الإسرائيلية في اليوم الذي تلا خطاب نتينياهو نصّاً بأنه "يثق برئيس ‏حكومة الاحتلال –نتينياهو- وعليه أن يفرض السيادة والقانون الإسرائيلي على كل الضفة ‏الغربية، وما يقلق هو إمكانية إقامة دولة فلسطينية، ونحن نثق بأن هذه الدولة لن تقوم، وقرار ‏تقسيم أرض إسرائيل باطل ويجب أن نسيطر على كل أرض إسرائيل).‏
وتوسيعاً لدائرة السيطرة وخدمة المشروع الاستيطاني الذي وفقه يتم شرعنة عنف واعتداء ‏المستوطنين؛ أعلن وزير جيش الاحتلال الإسرائيلي( غانتس) بتاريخ 23-10-2021 عن ‏ستّ مؤسسات فلسطينية مدنية أهلية بأنها مؤسسات إرهابية، وأنها -أي حكومة الاحتلال- ‏ستجرّم كل من يتعاطى معها أو يساندها أو يعمل فيها، وهذه المؤسسات هي.. مؤسسة ‏الضمير: وهي مؤسسة أقيمت في العام 1993، تهتم بالنواحي الحقوقية الخاصة بالأسرى ‏وذويهم، ومؤسسة الحق: وهي مؤسسة أسست في العام 1979، وتعمل في مجال توثيق حالات ‏المساس بحقوق الإنسان في إطار الصراع العربي الإسرائيلي، ومؤسسة بيسان: وهي التي أعلن ‏عنها في عام 1984، وهي تعمل على تقوية الهوية القومية الفلسطينية من خلال مراكز ثقافية ‏ومنظمات نسوية وشبابية وتعمل بالأساس في المناطق الريفية، ومؤسسة الدفاع الدولية عن ‏أطفال فلسطين التي أنشئت في العام 1991، وتركز على الأطفال الذين تعرضوا للبطش من ‏جنود الاحتلال، واتحاد لجان المرأة الفلسطينية والتي تأسَّسَت في العام 1980، وتهدف إلى ‏مساندة النساء الفلسطينيات ومنع التميز ضدّهن ولأنها أيضاً تساند منع التطبيع مع دولة ‏الاحتلال ومقاطعتها دولياً، واتحاد لجان العمل الزراعي، وهو يعمل على تطوير القطاع الزراعي ‏في الأراضي المحتلة... وعليه، فما هو الإرهاب الذي تمارسه هذه المؤسسات؟ ولماذا يتم ‏استهدافها بهذا الشكل؟ وهل سيفتح استهدافها الطريق أمام الاستيطان في حال تغيُّبها وإعاقة ‏عملها؟ ‏
كما أن شهر كانون الثاني من العام المنصرم شهد جدلاً واسعاً داخل حكومة الاحتلال على إثر ‏تغريدة على موقع التواصل الاجتماعي "تويتر" أطلقها وزير الأمن الداخلي (عمر بارليف) قال ‏فيها إنه ناقش معضلة عنف المستوطنين مع نائبة وزيرة خارجية الولايات المتحدة أثناء لقاء عُقِدَ ‏بينهما، وما إن أكمل تغريدته حتى جاء الرد من شركائه في الحكومة حيث قالت وزيرة الداخلية ‏‏(أيليت شاكيد) نصاً "إن المستوطنين هم ملح الأرض"، وردّ وزير الأديان (متان كهاما) معلقاً بأن ‏المستوطنين طلائعيون وليسوا عنيفين، مع العلم أن رئيس حكومة الاحتلال هو ابن الصهيونية ‏المتدينة ورئيس مجلس الاستيطان الأعلى قبل عشر سنوات تقريباً (نفثالي بينيت).‏
فهذه السياسات الرسمية تعطي غطاءً وشرعنة للاستيطان وعنف المستوطنين الذي أخذ يحوّل ‏المناطق الفلسطينية إلى معازل وكنتونات خاصة بهم من خلال إنشاء شبكة طرق خاصة ‏بالمستوطنين، الأمر الذي يرسل من خلاله حدوداً للأبارتهايد ويفتح المجال أمام توسيع عنف ‏المستوطنين وحمايته من خلال جنود الاحتلال. فقد نشرت مؤخراً أجهزة الأمن الإسرائيلية ‏معطيات موثّقة عن نسب عنف المستوطنين بحق الفلسطينيين والتي جاءت كما يلي في العام ‏‏2019: 363 حادث عنف ضد الفلسطينيين، وفي العام 2020: 507 حوادث مماثلة، وفي ‏العام 2021 وحتى شهر يونيو (حزيران) 416 حادثا، وتدَّعي هذه الأجهزة أن عدد من يمارس ‏هذا العنف من المستوطنين محصور ما بين 80-200 مستوطن مع العلم أن عدد المستوطنين ‏في الضفة الغربية عدا القدس المحتلة 483 ألفا و975 مستوطنا يتوزّعون على 150 ‏مستوطنة وعشرات البؤر الاستيطانية التي تعتلي قمم الجبال، وهذا ما وثَّقته أجهزة الأمن، وما تم ‏الاعتراف به، فهل هذا معقول؟ ‏
يعلن المجتمع الدولي ليلَ نهار عن رفضِه للمشاريع الاستيطانية وكل ما يترتب عليها، ويعتبرها ‏خرقاً للقانون الدولي وتعدّياً عليه، وذلك منذ زمن بعيد وحتى وقتنا الحاضر، ففي استطلاعات ‏للرأي دولية ومستقلة وخاصة بمنظمات أهلية مدنية تُجرى في كل عام نأخذ منها مثلاً: استطلاع ‏رأي أجرته جامعة بيلسلد في ألمانيا في العام 2004 أوضح أن 51% من الألمان يعتقدون بأن ‏إسرائيل تمارس بحق الفلسطينيين ما مارسته النازية على اليهود، وفي نفس الفترة هناك ‏استطلاع آخر أُجريَ في إيطاليا يوضّح أن 36% من الإيطاليين يعتقدون نفس ما اعتقده ‏الألمان، واستطلاع آخر أُجريَ في العام 2012 يُظهر أن 38% من النرويجيين يحملون ذات ‏الاعتقاد، واليوم ثلث يهود أمريكا تحت سن الأربعين عاماً يعتقدون أن إسرائيل تنفّذ (جنوسايد - ‏أي مذابح بحق الفلسطينيين) و25% من يهود الولايات المتحدة يعتقدون بأن إسرائيل هي دولة ‏أبارتهايد.‏
وبهذا؛ فإن ما يترسَّخ اليوم من مفاهيم في المجتمع الدولي لغالبية مكوّناته الرسمية والأهلية ‏ومعظم هيئاته المدنية حول مخاطر الاستيطان وممارسات حكومات الاحتلال وعنف مستوطنيه ‏تجاه الشعب الفلسطيني يقضي حتماً بأنه لا وجود لمستقبل هذا المشروع على الأرض وأن ‏الإرادة الشعبية المناصرة لحق تقرير المصير للشعب الفلسطيني ستنتصر على ما ينتجه هذا ‏الاحتلال من الأبارتهايد الذي يرسم حدوده العنف وجنود الاحتلال، ولن تستطيع كل قوى الظلم ‏في العالم إجبار شعب كامل له تاريخ وماضٍ وحاضر أعمق من دولتهم واستيطانهم على أن ‏يسلّم ويرفع الراية، ما دامت هناك رغبة فلسطينية وإصرار على السير قدماً نحو خلق إرادة ‏مشتركة مع المجتمع الدولي ومؤسساته لبناء مجتمع فلسطيني إنساني يتمتع بازدهار، وبنظام ‏ليبرالي، ويؤسّس للعيش في دولة فلسطينية مستقلة وسيادية قادمة شاء من شاء وأبى من أبى، ‏كما قال زعيم ثورتنا الشهيد ياسر عرفات.‏

الفيديو

تابعونا على الفيس