آلان هارت، الصحافي والاعلامي البريطاني الشهير ،عرفناه نحن المنخرطين بإطارات الثورة الفلسطينية أو مثلي في اتحاد الطلاب آنذاك،من خلال كتابه المعنون "ياسر عرفات إرهابي أم صانع سلام". وهو الكتاب الصادر عام 1984م، ولهذا الصحفي التقدمي جولات وصولات مشهودة مع الحق سواء في فيتنام أو في منطقتنا، وما ميزه هو مناصرة القضية الفلسطينية ورفض الفكر الصهيوني برمته وباعتباره عبئا على الانسانية، وانه المخرب لليهود والذي سيؤدي لزيادة ما يسمى "معاداة السامية" لهم.
يأتي "آلان هارت" (1942-2018م) كواحد من المفكرين والصحفيين المناصرين أو المهتمين بمنطقتنا أمثال "باتريك سيل" والذي كان له كتاب"الأسد، الصراع على الشرق الأوسط" (عام 2007م)، أيضًا "مايلز كوبلاند" وكتابه المعنون: لعبة الأمم (1970م)، و"أريك رولو" صاحب كتاب أبوإياد صلاح خلف فائق الشهرة المعنون: فلسطيني بلا هوية (صدر عام 1978م).
في كتاب "آلان هارت" الشهير عن الرئيس الشهيد "أبوعمار"، يروي المؤلف قصة الفدائي والقائد الشهيد عرفات البطولية، ويقول:"كيف قاتل عرفات ليس بهدف تحرير فلسطين وحسب، ولكن قاتل أكثر من أجل إبقاء القضية الفلسطينية حيّة، حيث حاولت أنظمة الحكم العربية أولاً وإسرائيل ثانيا تصفيتها وشطبها من الخارطة".
ويقول أيضًا أن "عرفات هو رجل الأسرار، فلو لم يُحِط نفسه بالغموض، لما تمكن النجاة من المحاولات العديدة للنيل من حياته". وفي مقدمة الكتاب يوضح آلان هارت كيف ولماذا استطاع أن يكون أول غريب يكتسب ما يكفي من ثقة الرئيس الراحل ياسر عرفات، ليتمكن من الخوض في أعماق شخصيته، حيث استطاع الكاتب أن يجري معه ما يزيد على 200 ساعة من المحادثات المسجلة.
وخلال أعوام خمسة من العمل المرهق، وبعد 20 عامًا من كتابه عن الرئيس الخالد ياسر عرفات، أصدر 3 أجزاء من كتابه الضخم المعنون "الصهيونية.. العدو الحقيقي لليهود".
يعرف الكاتب والاعلامي الشهير "آلان هارت"، كتابه المثير عن الصهيونية واليهود، عبر دعاية ساخرة على أنه الكتاب الذي لا يريدون أن تقرأه، ويعني بذلك أن كل من لا يريدون إظهار الحقيقة حول قضية فلسطين وتوضيح الفرق بين اليهودية والصهيونية لا يريدون أن يتم نشر هذا الكتاب الذي يهدف الى توضيح ما كان يحدث فعلاً مقابل ما تخترعه الصهيونية من أساطير.
"آلان هارت"، المفكر والصحفي العميق يعرّف بأنه الخبير بقضية فلسطين والشرق الأوسط لأربعين عامًا متصلة عدا عن عمله الإعلامي في قناة (بي بي سي) وغيرها.
وإن كنّا سنتحدث عن بعض مقاطع الكتاب المثير حول الصهيونية واليهود، فإنه من المهم معرفة أن الرجل قد تعب في آخر حياته فقدم كتاب استقالته حرفياً. وفيه قال: “إنني أنسحب من ميدان معركة النضال بحثاً عن حقيقة التاريخ فيما يتصل بصنع وإدامة الصراع في وحول فلسطين”. فلماذا فعل ذلك؟ حسب رأي هارت، فإن الكفاح من أجل العدالة في فلسطين هو “مهمة مستحيلة”.
وحسب الكاتب د. لورنس دافيدسون- الذي ردّ عليه رافضًا منطق استقالته-، فلقد نحى"هارت" باللائمة في النصر الصهيوني في الحرب الدعائية على الافتقار إلى الدعم المالي لأولئك الذين يحاولون الكتابة والتحدث عن العدالة الفلسطينية، ويسوق مقارنة بينهم وبين حالة الكتاب الصهاينة والمنافحين عنهم، الذين يتمتعون تقريباً بتدفق أموال غير محدودة.
وبغض النظر عن استقالته وأسبابها وربما لشعوره بالمرارة الحقيقية، قبل سنوات قليلة من وفاته (وقعت الاستقالة عام 2013 وتوفي عام 2018م) فإن كتابه الضخم باجزائه الثلاثة مما يستحق القراءة أوالاطلاع عليه أوعلى أجزاء منه لمن لا يُقبل على القراءة العميقة والواسعة.
ومما كتب عن الكتاب وخاصة بقلم د. علي السيد يمكننا الإشارة لملامح من هذا الكتاب بأجزائه الثلاثة كالتالي:
عن عنوان الكتاب يقول هارت: "إن ما نشهده في العالم اليوم، على صعيد الشعوب إن لم يكن على صعيد الحكومات هو مدٌّ هائل مُعادٍ لإسرائيل، إنه ليس مُعادياً للسامية بل مُعارضٌ لإسرائيل، تُثيره سياسة هذه الاخيرة الإجرامية وأفعالها".
وحين يأتي للتعريفات يقول: ما التعريف الدقيق للصهيونية؟ الصهيونية هي القومية، إنها القومية ذات الطراز الاستعماري الجديد المُتبّنى من قبل بعض اليهود والتي خلقت دولة لبعض من اليهود من خلال تطبيق سياسة التطهير العرقي.
ويتابع هارت عن سبب قوله إن الصهيونية واليهودية متضادتان كلياً:"اليهودية، كما الإسلام والمسيحية تحمل في جوهرها.. وهنا نتكلّم عن اليهودية المعاصرة وليس صيغها القديمة التي حملت كثيراً من المعاني الدنيئة، ولكن اليهودية المعاصرة تحمل في جوهرها كما في الديانتين الأُخريين مجموعة من القيم والمبادئ الأخلاقية، لكن الصهيونية شوّهت كل تلك الأخلاقيات وأظهرت إزدراءً كاملاً."
ويشير الكاتب إلى ما قاله "جون ميرشيمر" و"ستيفى والت" في كتابهما "اللوبي الإسرائيلي وسياسة الولايات المتحدة الخارجية"، أن الانحياز الكامل وغير المشروط للدولة العبرية ليس فى مصلحة الولايات المتحدة كما أنه ليس في مصلحة أي فرد في هذا العالم بمن فيهم اليهود الذين يعيشون في كل بقعة فيه، إلا أن مؤلف هذا الكتاب يرى أن اللوبي الصهيوني وليس الإسرائيلي هو الذي يحرك السياسة الخارجية الأميركية.
يرى هارت أيضًا في الجزء الأول (الطبعة الانجليزية الاولى في عام 2005) من كتابه أن الإرهاب الصهيوني كان مسؤولاً عن التطهير العرقي الذي تعرض له العرب الفلسطينيون، وأن بقاء إسرائيل لم يكن أبداً معرضاً للخطر من جانب القوة العسكرية العربية مجتمعة. وهو ما يتفق مع ما كتبه المفكر الإسرائيلي "أيلان بابيه" تحت عنوان "التطهير العرقي" الصادر بالعربية عام 2007م. وفي الحقيقة أيضًا فلقد قام "بابيه" نفسه بتقديم الجزء الثاني للكتاب الصادر عام 2007م.
ولقد وجدت في قراءاتي الأخيرة ما يتفق مع هذه المحصّلة والنتيجة فيما كتبه المفكر العربي الفلسطيني منير شفيق بكتاب من "جمر الى جمر" بتدوين وتحرير نافذ أبو حسنة عام 2021م.
لنعد ل"آلان هارت" فهو يقول أن: المد اليهودى القومي الحالي في شكله الاستعماري الطائفي الذي سعى إلى انشاء وطن قومي لليهود في قلب العالم العربي عن طريق الإرهاب والتطهير العرقي لا يعدو إلا أن يكون شكلاً من أشكال السخرية والاحتقار للقيم والمُثُل الأخلاقية لليهودية.
ويستطرد الكاتب قائلاً: إن مؤيدى "إسرائيل" - سواء أكانوا على صواب أم خطأ - يدمجون كلاً من اليهودية والصهيونية معاً حتى يتمكنوا من الادعاء بأن الانتقاد الذي يوجه إلى دولة إسرائيل الصهيونية هو مظهر من مظاهر العداء للسامية.
لذا هو يرى بوضوح أن اليهودية والصهيونية السياسية نقيضان ومتعارضان تماماً والتعرف على الفارق بينهما هو المفتاح لفهمهما الكامل:
1- بناءً على كل الحقائق: لماذا من الممكن أن يعارض الإنسان الصهيونية بمشروعها الاستعماري دون أن يكون معادياً للسامية (معاداة اليهود) بأي شكل من الأشكال؟.
2- لماذا يعدّ من الخطأ أن نلوم جميع اليهود في كل مكان على الجرائم التي ترتكبها القلة القليلة من الصهاينة المتشددين في فلسطين التى أصبحت "إسرائيل" الصغرى ثم "إسرائيل" الكبرى بعد ذلك؟.
حين يأتي على ذكر الأميركان يقول آلان هارت، أن الكثير من الأميركيين لا يريدون معرفة ما حدث تماماً مثلما لا يريدون معرفة ما حدث للهنود الحمر(السكان الأصليين) الذين كانوا يعيشون في أميركا، وما حدث لهم على أيدي آبائهم وأجدادهم.
وما يذكره بالمجلد الثاني كما قرأ د. علي السيد بكتابه، فإن الجيوش العربية لم تكن لديها القوة الكافية لهزيمة "إسرائيل" بعد إعلانها ("الاستقلال"-هو احتلال فلسطين) من جانب واحد عام 1948. هذا علاوة على أن الأنظمة العربية لم تكن تهدف إلى كسب الحرب بقدر ما كانت تمارس عملية دعائية، الأمر الذي كان بمثابة هدية قدمت للصهيونية.
ويستعرض الكاتب أيضاً كيف أن الصهيونية العالمية تمكّنت من تضليل قادة كل من: بريطانيا وفرنسا، بالإضافة إلى الصقور في الولايات المتحدة وإيهامهم بأن الرئيس جمال عبد الناصر عدو للغرب وذلك في الوقت الذي كان يسعى فيه للتوصل إلى تسوية للخلافات مع "إسرائيل" منذ وصوله إلى السلطة.
في الجزء الثالث من كتابه، أفرد هارت مساحة خاصة لمناقشة الدور الذي لعبه الرئيس الخالد ياسر عرفات في إعادة القضية الفلسطينية إلى واجهة الاهتمام في العالم، بعدما حاولت إسرائيل والأوساط الصهيونية والمتحالفة معها إغلاق ملف القضية الفلسطينية بعد العام 1948.
ويصل إلى نتائج منها أن الدول الغربية الكبرى مارست سياسة الكيل بمكيالين في الشرق الأوسط، حيث تغاضت عن احتلال إسرائيل للضفة الغربية وقطاع غزة، وعن مصادرة واستيطان الأراضي الفلسطينية، كما قامت بحماية إسرائيل بالمعنى المادي والدبلوماسي، وبالتالي خلقت سابقة خطيرة في العلاقات الدولية، فأصبحت إسرائيل هي الدولة الوحيدة في العالم القادرة على انتهاك القانون الدولي والإفلات من العقاب.
وفي مقال قرأناه ل"هارت" معنون: هل تطلق اليهودية الصهيونية؟
يكتب قائلا: "فمنذ البدء أكدت الآلة الصهيونية على الخدعة الكبرى والهراء الدعائيّ القائل بأن فلسطين "أرض بلا شعب لشعب بلا أرض"، ولذلك يمكنني القول – دون خوف من التناقض – أن الصهيونية، التي تأسست على إدراك أنكَ قد تضطر للجوء إلى التطهير العرقي لتحقيق أهدافك، لم تكن تمتلك أبدًا بوصلة أخلاقية".
مضيفًا أنه: "يمكن التكهن أيضًا بأن اكتشاف أغلبية كبيرة من اليهود الإسرائيليين للبوصلة الأخلاقية سوف يعني نهاية الصهيونية في فلسطين التي أصبحت إسرائيل، وبالتالي نهاية الصهيونية. لماذا؟"
ليجييب قائلًا:"لأن هذا الاكتشاف سيمثل اعترافًا بالخطأ الذي ارتكبته الصهيونية بحق الفلسطينيين، وقبولاً بضرورة تصحيح الخطأ، لكن الصهيونية لن تقوم بذلك أبدًا.. أبدًا."
ويفسر الكاتب النظرة لكثير من يهود العالم حول وهم وخرافة "أرض الميعاد" بالقول: "يرى كثير من يهود أوروبا وأميركا أن الصهيونية لا تعني أكثر من ممارسة اليهود من كل مكان حقهم في العودة إلى أرض الأجداد التي منحهم الله إياها (لن أتطرق هنا لحقيقة أن إسرائيل/ فلسطين ليست موطنًا لأسلاف معظم اليهود في العالم اليوم)، أو بعبارة أخرى: ليس لدى يهود أوروبا وأمريكا أدنى فكرة أن الصهيونية هي عملية تطهيرٍ عرقيٍّ قائمة."
وفي تساؤل يطرحه هو ذاته يقول: لماذا يجب أن تفك اليهودية ارتباطها بالصهيونية؟
ليرد بالقول أن: "جزء من الإجابة هو أن مصداقية اليهودية تقوضت بازدراء الصهيونية لقيمها ومبادئها الأخلاقية، وبهذا المعنى يمكن القول إن الصهيونية تشكل تهديدًا لبقاء اليهودية. كما لوحظ أن مؤسسي الصهيونية كانوا علمانيين، واهتمامهم الوحيد باليهودية كان منحصرًا في استغلالها دينيًّا."
أما الجزء الآخر من الإجابة القصيرة فيقول: "ألمحتُ إليه في عنوان كتابي “الصهيونية: العدو الحقيقي لليهود”، وهي الرسالة التي يؤكدها اليوم ارتفاع المد العالمي المناهض للإسرائيلية، الذي يعتبر أحد مظاهر القلق والغضب من غطرسة الدولة الصهيونية (لا اليهودية)، وليس أحد مظاهر معاداة السامية (التحيز ضد اليهود لمجرد أنهم يهود)، كما يعتبره نتنياهو وذوي النزعة الفاشية الجديدة، ويرجع ذلك إلى أن المزيد والمزيد من أتباع كل الأديان والمعتقدات،بما في ذلك عدد قليل – لكنه متزايد – من اليهود، بدأوا يرون إسرائيل على حقيقتها؛ "ظالمة وليست مظلومة".