من الفائز ومن الخاسر الأكبر، الفجوة بين اقتصاد البلديين هائلة، وأي حل سياسي يجب أن يأخذ في الاعتبار حقيقة أن الاقتصاد الفلسطيني يتم إدارته بعملة الشيكل والواردات والصادرات هي عبر إسرائيل. هناك اعتماد على العمل في إسرائيل– وتزداد الفجوة بين اقتصاد البلديين يومياً.
أين نحن من الاستقلال الاقتصادي والانفكاك عن الاحتلال الذي يعد بمثابة المقدمة الفعلية والخطوات العملية للتحرر ونيل الاستقلال الوطني الشامل وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، أين تلك الاستراتيجيات الوطنية التى تسعى نحو الاستقلال الاقتصادي عن الاحتلال والنواة لبناء الاقتصاد الوطني الفلسطيني؟
وحسب تقرير البنك الدولى فقد نما الاقتصاد الفلسطيني بالضفة الغربية الى 5.3% ، وتكاد ان تكون تلك المؤشرات احتفالية نتغنى فيها، ونعتبرها انجازاً اقتصادياً وطنياً، ونعتلي منصات الاعلام مفتخرين بالنمو، لكن الحقيقة الواقعة إن الأسباب الرئيسية للتعافي اعتمدت بشكل رئيسي على إسرائيل: فعودة وزيادة عدد العمال الفلسطينيين للعمل في إسرائيل وزيادة الصادرات الى إسرائيل بعد إغلاق كورونا هما المكونين الرئيسين في اسناد النمو.
في ذكرى توقيع بروتوكول باريس الاقتصادي:-
تستند العلاقة الاقتصادية بين الجانبين على ملحق "اتفاقية اوسلو الاقتصادي" ، والذي سمى باتفاقية "باريس الاقتصادية" والتى تنظم العلاقة ببن الجانبين الفلسطيني والاسرائيلي والتى تم توقيعها بتاريخ 29 أبريل 1994 ، والأجمل من ذلك انها وقعت لمدة مؤقتة تصل بحدها الاقصى الى خمس سنوات، وعلى الرغم من انتهاكات الاتفاقيات السياسية، فإن البروتوكول الاقتصادي يتم تنفيذه حرفيا تقريبا، والذي وصف بانة النواة "نحو الاستقلال الاقتصادي الفلسطيني"
ومن حيثيات البروتوكول “المؤقت” حيث يحظر على السلطة الفلسطينية إصدار عملتها الخاصة، والعملة الرسمية والعملية للسلطة، بما في ذلك في غزة، هي الشيكل ويتمثل دور سلطة النقد الفلسطيني بالاشراف فقط على بنوك السلطة ولا يصدر عملاته وسنداته.
أما حقائق التجارة فتتمثل في حوالي 55-60% من الواردات الفلسطينية إلى الضفة الغربية وقطاع غزة تأتي من إسرائيل، وأكثر من 80% من الصادرات الفلسطينية المحدودة معدة لإسرائيل
التجارة الخارجية:- تمر البضائع عبر مطار بن غوريون والمعابر الحدودية التي تسيطر عليها إسرائيل وتتم تجارة الفلسطينيين مع الدول الأجنبية عبر الجمارك الإسرائيلية، حيث يُسمح للفلسطينيين فقط بالتجارة مع شركاء إسرائيل التجاريين، لكن البروتوكول يسمح لهم بالتجارة بشكل مفتوح مع دول تكون علاقاتها مع إسرائيل غير رسمية، مثل المملكة العربية السعودية وإندونيسيا، في عدد من السلع المدرجة في قائمة محددة. كل هذا بالإضافة إلى القيود الإضافية التي تفرضها إسرائيل على التجارة في غزة.
نصدر الى إسرائيل يوميا، قرابة 100 ألف عامل بناء وحوالي 15 ألف عامل في قطاع الصناعات والزراعة والخدمات من الضفة الغربية، بالإضافة إلى الآلاف الذين يعملون دون تصريح، ونحو 25 ألف فلسطيني يعملون في المستوطنات. يشكل هذا معا نصف القوى العاملة في الضفة الغربية. ويضاف اليها حوالي 500 مهني في مجال التكنولوجيا من اصل 3000 سمحت اسرائيل لهم بالعمل بمنشآت تكنولوجية، كما سمحت اسرائيل حديثا لقرابة 15 الف عامل من غزة للعمل في إسرائيل. الفلسطينيون يعملون في المستوطنات وفي إسرائيل بأجور الحد الأدنى الإسرائيلية والتى تصل الى 5700 شيكل شهريا، وأحيانا يناضلون حتى من أجل تحصيل حقوق اخرى ضمن قانون العمل الاسرائيلي.
تقوم إسرائيل بجباية الجمارك وجزءا من ضريبة القيمة المضافة وضريبة الدخل بالنيابة عن السلطة الفلسطينية، والتي تشكل معا حوالي ثلثي تحصيل الضرائب، وتلتزم اسرائيل بتحويل المبالغ لخزينة السلطة شهرياً، يخصم منها التزامات السلطة، كما انها تقوم بتجميد مبالغ مالية جزء من هذه المدفوعات كغرامة لتحويل الأموال إلى عائلات الأسرى، فأين الاستقلال الاقتصادي في كل ما تم سردة سابقا، وأين التحول الاستراتيجي نحو الاعتماد على الذات؟
"الشيكل الاسرائيلي" العملة الرسمية تستخدم من قبل الإسرائيلين والفلسطينيون على حد سواء، عملة واحدة، مغلف جمركي واحد، نحتاج الى أذونات للعمل باسرائيل، وتجارتنا تمر عبر اسرائيل والسيطرة الاسرائيلية الكاملة. لذلك لا توجد أي حدود اقتصادية او سياسية والذي يتحكم في اقتصادنا هو الاحتلال. فعندما نتحدث عن اقتصاد حر يتمثل في حدود ضربيبة، وعملة، وحدود عمل، وحدود تجارية. ولا اجد لهذا التعريف اي قالب فلسطيني، حقيقة نعيش بوهم يسمى اقتصاد مستقل. وفي إطار التجميل في "اتفاقية باريس الاقتصادية "، فقد منح الجانب الاسرئيلي بعض لمحات السيادة لتعويضنا، وقد منحونا فقرة ترمز الى الاستقلال ولكن بمحتوها لا تعني الا زيادة بالسيطرة على اقتصادنا، مثل تصاريح الاستيراد المقيدة من دول لا يبدو أن إسرائيل تستورد منها. إسرائيل تعمل ما هو يمثل مصلحة مصنعيها ومستورديها ومواطنيها، وتسيطر بشكل يمنع تدفق الواردات التي يلحق الضرر بالمصنعين الإسرائيليين، وتفصل ما هو مناسب لنا، والفجوة تزداد بين الطرفين.
بلغ نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في فلسطين بالأسعار الثابتة 791 دولارا أمريكيا خلال الربع الرابع من العام 2021 ، حيث بلغ نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في الضفة الغربية بالأسعار الثابتة 1,148 دولار أمريكي خلال الربع الرابع من عام 2021، أما في قطاع غزة فقد بلغ نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي 314 دولار أمريكي خلال الربع الرابع من عام 2021، كما بلغ نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي الربع سنوي باسرائيل، وهو 10035 دولارًا من نفس العام 2021.
إسرائيل والمجتمع الإسرائيلي المستفيدون من الإحتضان ولا أحد غيرهم، وهم من يديرون الشراكة غير الرسمية وغير المتكافئة مع الفلسطينيين. يقارنون بين العامل الفلسطيني الذي يجني اموالا من عملة وبتكلفة قليلة حيث يعيش بظروف صعبة واخرين يتنقلون يوميا بين الضفة واسرائيل حيث ينفقون ما يجنون في اسرائيل، مقارنتهم بهؤلاء الذين تم استحضارهم سابقا من دول اسيا الشرقية والتى كلفت دولة الاجتلال مبالغ طائلة.
وعليه، وإدراكاً للأهمية المرحلة الحالية التى نمر بها علينا البدء بترتيب وتصويب الاقتصاد بما سيشكل قاعدة مهمة ومحورية لمستقبل الاستقلال الإقتصادي والإنفكاك القادم، وعليه أقدم للأصحاب القرار اقتراحات للعمل عليها:-
اولا:- التوقف عن اعتماد الشيكل كعملة رسمية، والبدء بالتعامل بالدينار الاردني كعملة رسمية في مناطق السلطة. حيث تعتبر العملة الاردنية (الدينار) العملة الثانية من حيث التداول بالسوق الفلسطيني، وأغلب البنوك الفلسطينية تتعامل مع العملة الاردنية كعملة رسمية بداخل المؤسسات المصرفية الفلسطينية.
ثانيا:- وضع قانون لحماية السلع المحلية، وتحسين جودتها، وخفض أسعارها، وذلك للحد من استيراد السلع التي لها بديل محلي، وتحديدًا المستوردة من دولة الاحتلال، لما له من تأثير سلبي على الاقتصاد الفلسطيني.
ثالثا:- تشجيع الجهاز المصرفي الفلسطيني على زيادة حجم الائتمان الخاص بالقطاع الزراعي.
رابعا: زيادة حصة القطاع الزراعي في الموازنة العامة، ومن المساعدات المقدمة من الدول المانحة، وذلك لأن القطاع الزراعي له الدور الأكبر في تحقيق نظام اقتصادي تنموي.
وختاماً، الاستقلال ليس بالعبارات ولكن بالاعمال التى تعزز دور الفرد الفلسطيني بالوجود على هذه الارض الفلسطينية الطيبة.
بقلم: الدكتور سعيد صبري- مستشار اقتصادي– شريك وممثل لصندوق دعم المشاريع الناشئة- فاستر كابتل– دبي