الاستقلال الاقتصادي .. ألم يحن؟ / بقلم: الدكتور سعيد صبري

اثنين, 05/09/2022 - 21:22

من الفائز ومن الخاسر الأكبر، الفجوة بين اقتصاد البلديين هائلة، وأي حل سياسي يجب أن يأخذ في الاعتبار حقيقة أن الاقتصاد ‏الفلسطيني يتم إدارته بعملة الشيكل والواردات والصادرات هي عبر إسرائيل. هناك اعتماد على العمل في إسرائيل– وتزداد الفجوة ‏بين اقتصاد البلديين يومياً. ‏
‏ أين نحن من الاستقلال الاقتصادي والانفكاك عن الاحتلال الذي يعد بمثابة المقدمة الفعلية والخطوات العملية للتحرر ونيل الاستقلال ‏الوطني الشامل وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، أين تلك الاستراتيجيات الوطنية التى تسعى نحو الاستقلال الاقتصادي عن الاحتلال ‏والنواة لبناء الاقتصاد الوطني الفلسطيني؟ ‏
‏ وحسب تقرير البنك الدولى فقد نما الاقتصاد الفلسطيني بالضفة الغربية الى 5.3% ، وتكاد ان تكون تلك المؤشرات احتفالية نتغنى ‏فيها، ونعتبرها انجازاً اقتصادياً وطنياً، ونعتلي منصات الاعلام مفتخرين بالنمو، لكن الحقيقة الواقعة إن الأسباب الرئيسية للتعافي ‏اعتمدت بشكل رئيسي على إسرائيل: فعودة وزيادة عدد العمال الفلسطينيين للعمل في إسرائيل وزيادة الصادرات الى إسرائيل بعد ‏إغلاق كورونا هما المكونين الرئيسين في اسناد النمو.‏
في ذكرى توقيع بروتوكول باريس الاقتصادي:- ‏
تستند العلاقة الاقتصادية بين الجانبين على ملحق "اتفاقية اوسلو الاقتصادي" ، والذي سمى باتفاقية "باريس الاقتصادية" والتى تنظم ‏العلاقة ببن الجانبين الفلسطيني والاسرائيلي والتى تم توقيعها بتاريخ 29 أبريل 1994 ، والأجمل من ذلك انها وقعت لمدة مؤقتة تصل ‏بحدها الاقصى الى خمس سنوات، وعلى الرغم من انتهاكات الاتفاقيات السياسية، فإن البروتوكول الاقتصادي يتم تنفيذه حرفيا تقريبا، ‏‏والذي وصف بانة النواة "نحو الاستقلال الاقتصادي الفلسطيني" ‏
‏ ومن حيثيات البروتوكول “المؤقت” حيث يحظر على السلطة الفلسطينية إصدار عملتها الخاصة، والعملة الرسمية والعملية للسلطة، ‏بما في ذلك في غزة، هي الشيكل ويتمثل دور سلطة النقد الفلسطيني بالاشراف فقط على بنوك السلطة ولا يصدر عملاته وسنداته.‏
‏ أما حقائق التجارة فتتمثل في حوالي 55-60% من الواردات الفلسطينية إلى الضفة الغربية وقطاع غزة تأتي من إسرائيل، وأكثر من ‏‏80% من الصادرات الفلسطينية المحدودة معدة لإسرائيل
‏ التجارة الخارجية:- تمر البضائع عبر مطار بن غوريون والمعابر الحدودية التي تسيطر عليها إسرائيل وتتم تجارة الفلسطينيين مع ‏الدول الأجنبية عبر الجمارك الإسرائيلية، حيث يُسمح للفلسطينيين فقط بالتجارة مع شركاء إسرائيل التجاريين، لكن البروتوكول يسمح ‏لهم بالتجارة بشكل مفتوح مع دول تكون علاقاتها مع إسرائيل غير رسمية، مثل المملكة العربية السعودية وإندونيسيا، في عدد من ‏السلع المدرجة في قائمة محددة. كل هذا بالإضافة إلى القيود الإضافية التي تفرضها إسرائيل على التجارة في غزة.‏

نصدر الى إسرائيل يوميا، قرابة 100 ألف عامل بناء وحوالي 15 ألف عامل في قطاع الصناعات والزراعة والخدمات من الضفة ‏الغربية، بالإضافة إلى الآلاف الذين يعملون دون تصريح، ونحو 25 ألف فلسطيني يعملون في المستوطنات. يشكل هذا معا نصف ‏القوى العاملة في الضفة الغربية. ويضاف اليها حوالي 500 مهني في مجال التكنولوجيا من اصل 3000 سمحت اسرائيل لهم بالعمل ‏بمنشآت تكنولوجية، كما سمحت اسرائيل حديثا لقرابة 15 الف عامل من غزة للعمل في إسرائيل. الفلسطينيون يعملون في ‏المستوطنات وفي إسرائيل بأجور الحد الأدنى الإسرائيلية والتى تصل الى 5700 شيكل شهريا، وأحيانا يناضلون حتى من أجل ‏تحصيل حقوق اخرى ضمن قانون العمل الاسرائيلي.‏
تقوم إسرائيل بجباية الجمارك وجزءا من ضريبة القيمة المضافة وضريبة الدخل بالنيابة عن السلطة الفلسطينية، والتي تشكل معا ‏حوالي ثلثي تحصيل الضرائب، وتلتزم اسرائيل بتحويل المبالغ لخزينة السلطة شهرياً، يخصم منها التزامات السلطة، كما انها تقوم ‏بتجميد مبالغ مالية جزء من هذه المدفوعات كغرامة لتحويل الأموال إلى عائلات الأسرى، فأين الاستقلال الاقتصادي في كل ما تم ‏سردة سابقا، وأين التحول الاستراتيجي نحو الاعتماد على الذات؟ ‏

"الشيكل الاسرائيلي" العملة الرسمية تستخدم من قبل الإسرائيلين والفلسطينيون على حد سواء، عملة واحدة، مغلف جمركي واحد، ‏نحتاج الى أذونات للعمل باسرائيل، وتجارتنا تمر عبر اسرائيل والسيطرة الاسرائيلية الكاملة. لذلك لا توجد أي حدود اقتصادية او ‏سياسية والذي يتحكم في اقتصادنا هو الاحتلال. فعندما نتحدث عن اقتصاد حر يتمثل في حدود ضربيبة، وعملة، وحدود عمل، ‏وحدود تجارية. ولا اجد لهذا التعريف اي قالب فلسطيني، حقيقة نعيش بوهم يسمى اقتصاد مستقل. ‏‏ وفي إطار التجميل في "اتفاقية باريس الاقتصادية "، فقد منح الجانب الاسرئيلي بعض لمحات السيادة لتعويضنا، وقد منحونا فقرة ‏ترمز الى الاستقلال ولكن بمحتوها لا تعني الا زيادة بالسيطرة على اقتصادنا، مثل تصاريح الاستيراد المقيدة من دول لا يبدو أن ‏إسرائيل تستورد منها. إسرائيل تعمل ما هو يمثل مصلحة مصنعيها ومستورديها ومواطنيها، وتسيطر بشكل يمنع تدفق الواردات التي ‏يلحق الضرر بالمصنعين الإسرائيليين، وتفصل ما هو مناسب لنا، والفجوة تزداد بين الطرفين. ‏
بلغ نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في فلسطين بالأسعار الثابتة 791 دولارا أمريكيا خلال الربع الرابع من العام 2021 ، ‏حيث بلغ نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في الضفة الغربية بالأسعار الثابتة 1,148 دولار أمريكي خلال الربع الرابع من ‏عام 2021، أما في قطاع غزة فقد بلغ نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي 314 دولار أمريكي خلال الربع الرابع من عام ‏‏2021، كما بلغ نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي الربع سنوي باسرائيل، وهو 10035 دولارًا‎ ‎‏من نفس العام 2021.‏
إسرائيل والمجتمع الإسرائيلي المستفيدون من الإحتضان ولا أحد غيرهم، وهم من يديرون الشراكة غير الرسمية وغير المتكافئة مع ‏الفلسطينيين. يقارنون بين العامل الفلسطيني الذي يجني اموالا من عملة وبتكلفة قليلة حيث يعيش بظروف صعبة واخرين يتنقلون يوميا ‏بين الضفة واسرائيل حيث ينفقون ما يجنون في اسرائيل، مقارنتهم بهؤلاء الذين تم استحضارهم سابقا من دول اسيا الشرقية والتى ‏كلفت دولة الاجتلال مبالغ طائلة.‏
وعليه، وإدراكاً للأهمية المرحلة الحالية التى نمر بها علينا البدء بترتيب وتصويب الاقتصاد بما سيشكل قاعدة مهمة ومحورية لمستقبل ‏الاستقلال الإقتصادي والإنفكاك القادم، وعليه أقدم للأصحاب القرار اقتراحات للعمل عليها:- ‏
اولا:- التوقف عن اعتماد الشيكل كعملة رسمية، والبدء بالتعامل بالدينار الاردني كعملة رسمية في مناطق السلطة. حيث ‏تعتبر العملة الاردنية (الدينار) العملة الثانية من حيث التداول بالسوق الفلسطيني، وأغلب البنوك الفلسطينية تتعامل مع العملة الاردنية ‏كعملة رسمية بداخل المؤسسات المصرفية الفلسطينية. ‏
‏ ثانيا:- ‏‎وضع قانون لحماية السلع المحلية، وتحسين جودتها، وخفض أسعارها، وذلك للحد من استيراد السلع التي لها بديل محلي، ‏وتحديدًا المستوردة من دولة الاحتلال، لما له من تأثير سلبي على الاقتصاد الفلسطيني‎.‎
ثالثا:- تشجيع الجهاز المصرفي الفلسطيني على زيادة حجم الائتمان الخاص بالقطاع الزراعي‎.‎
رابعا: زيادة حصة القطاع الزراعي في الموازنة العامة، ومن المساعدات المقدمة من الدول المانحة، وذلك لأن القطاع الزراعي له ‏الدور الأكبر في تحقيق نظام اقتصادي تنموي.‏
وختاماً، الاستقلال ليس بالعبارات ولكن بالاعمال التى تعزز دور الفرد الفلسطيني بالوجود على هذه الارض الفلسطينية الطيبة.

بقلم: الدكتور سعيد صبري- مستشار اقتصادي– شريك وممثل لصندوق دعم المشاريع الناشئة- فاستر كابتل– دبي‏

الفيديو

تابعونا على الفيس