إنّ حالة تضخم القوة التي تعيشها اسرائيل وتنفثها سمًّا وعدواناً على الفلسطينيين من خلال جرأة غير مسبوقة في ارتفاع منسوب عنف الاعتداءات على المسجد الاقصى والمقدسات الدينية والمصلّين، الغرض منها توصيل رسالة استخفاف واستفزاز لمشاعر وكرامة الطرف الفلسطيني من ناحية ، واشارة الى إدراك اسرائيلي وقناعة تامة بغياب رد فعل عربي واسلامي. لاشك أن اسرائيل اجتازت مرحلة خرق القوانين الدولية والنقاشات المسدودة حول مسار سلام غائب ووصلت الى مرحلة ارساء واقع جديد لن يتم ترسيخه من وجهة النظر الصهيونية الدينية التي تحكم اسرائيل إلا بتأطير الصراع دينيًّا. ولم يكن رفع العلم الاسرائيلي فوق الحرم الابراهيمي في الخليل من قبل المستوطنين وقوات الاحتلال اعتباطيا ، كذلك دعوة عضو الكنيست المتطرف ايتمار بن غفير بأن الوقت مناسب لبناء كنيس داخل الاقصى ضرب من خيال عقل مريض . أو النفي المسبق والمتكرر من رئيس حكومة الكيان نفتالي بينيت نية الشروع في مفاوضات لاقامة دولة "ارهاب" ــــــــــ حسب قوله ــــ هي مسألة تتعلق بالحسابات السياسية والمحافظة على الائتلاف الحاكم داخل اسرائيل.
في الماضي وخلال تاريخ الصراع، حظي المتطرفون اليهود برعاية سياسية حكومية لاقتحاماتهم ودعم نشاطهم لباحات الأقصى في ظل انتقادات متصاعدة من الجانب العلماني الاسرائيلي، وكان ينظر اليهم على انهم عقبة في مسار السلام. في السنوات الأخيرة وتحديدا منذ العام 2003 منحت اسرائيل المتطرفين المستوطنين حق الدخول الى الاقصى عبر باب المغاربة ، وفي كل عام كانت تزداد الاعداد والاستفزازات . ولقد صاحبت هذه الرعاية الحكومية الرسمية للتطرف اليهودي دعماً مؤسساتيًّا لا محدود من قبل النخبة الاسرائيلية حتى تصاعدت قوتهم التنظيمية والسياسية، وزاد تأثيرها في هياكل الحكومة ليصبحوا أكبر قوة سياسية تسيطر على المشهد لا يمكن تجاوزها بتاتا، فهي اليوم تشكل مسار السياسة الاسرائيلية الحالية والمستقبلية عبر حكومة منتخبة. وبعد أن كانوا أحد اسباب الصراع على الأرض باتوا اليوم في مكان لتشكيل مستقبله الديني.
القدس هي لب الصراع والهدف، والمشروع الصهيوني للسيطرة على المدينة المقدسة عبر إجراءات وسياسات تمييزية وتطهير عرقي لسكانها الفلسطينيين، يبدو أنه وصل الى جزئه الحاسم، فالدين الذي لم يكن أبداً سبباً ولا عائقاً للحل، تريد اسرائيل اليهودية الآن تقديمه كسبب وكعائق.
تأطير الصراع دينيا مصلحة اسرائيلية ، لأنه يجعل الصراع القائم حول الأرض القابلة للقسمة والحقوق العادلة غير قابل للحل والاحتلال مفيد لضمان الأمن، فالقيم المقدسة لا تخضع للتفاوض ولا للقوانين الدولية ولا للضغوطات ولا للتقسيم بل سيكون هناك ضحية للتباكي عليها والتعاطف معها. وباستفزاز الفلسطينيين ومشاعرهم في ظل حالة القهر التي يعيشون بها، فإن نار العنف ستشتعل وسيجد العالم نفسه مجروراً الى جدليات محرقة جديدة على ايدي المسلمين بناء على ادعاءات اسرائيل، ومعظم الأصوات العالمية التي تنادي بحل سياسي عادل ستصمت خوفا من نيران الحرب المقدسة التي ستدور حول سؤال دون إجابة: من له الحق الالهي على هذه الأرض؟