من بين القضايا التي يثيرها كتاب «ما بعد الإمبراطورية دراسة في تفكّك النظام الأمريكي» العلاقة بين الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل، إذ يراها إيمانويل تود (1951) المفكر الفرنسي الشهير، أنّها غير طبيعية، وعصيّة على الفهم، والتفسير أيضاً، بل فريدة من نوعها في العلاقات بين الدول، فإخلاص أمريكا لإسرائيل، ووقوفها إلى جانبها بتلك الطريقة الفجة واللامعقولة، ومن دون وجود مصالح ظاهرة وواضحة، يرسم العديد من علامات الاستفهام، جاعلا من أي محاولة لتفسيرها مغامرة قد لا تُؤتي أُكلها، وما يزيد من صعوبة الفهم أكثر أن قراءات الاستراتيجيين الأمريكيين الجدد، لم تقدم أي توضيح جديد حول هذه القضية، فصاموئيل هنتنغتون (1927-2008) مثلا في معرض حديثه عن صراع الحضارات «يضع إسرائيل خارج منطقة الحضارة الغربية التي يراها كتلة استراتيجية» في حين لا يولي كل من زبجينو بريجنسكي (1928-2017) وفرانسيس فوكوياما (1952) أي اهتمام لهذه العلاقة أثناء حديثهما «عن الموضوع الإسرائيلي».
غير أنّ تود مع كل هذا يحاول تفكيك سر هذا الإخلاص والوفاء، وحلّ لغز هذه العلاقة، حيث يقدم تفسيراً في غاية الأهمية، مستدعياً ما يشبه التحليل النفسي والاجتماعي للعلاقات بين الأفراد، ومن ثمّ، يقوم بتعميمه على العلاقات بين الدول، مبدّداً، في الوقت نفسه، الأوهام التي يسعى البعض إلى زرعها في العقول، من أجل تبرير تلك العلاقة غير الطبيعية، من ذلك أن أمريكا في حاجة إلى الجيش الإسرائيلي، باعتباره جيشاً قوياً ومحترفاً، وهي، أي أمريكا، تعاني ضعفاً في جاهزية قواتها البرية وعدم احترافيتها، إذ يقول موضحاً هذه النقطة: «لعل المنفعة العسكرية للجيش الإسرائيلي تشكل تفسيراً أكثر جدية. إن ضعف القوات العسكرية البرية الأمريكية البطيئة التي تأنف أكثر فأكثر من تحمُّل الخسائر بالأرواح».