العمليات الإرهابية التي نفذت في بئر السبع (22 آذار) والخضيرة (27 آذار) كبداية لموجة الإرهاب الحالية التي أودت حتى الآن بحياة 14 شخصاً، تم تشخيصها كعمليات لـ”داعش” بسبب معتقدات من نفذوها وماضيهم وعلاقتهم بهذا التنظيم وأفكاره. هذه العمليات القاتلة أعادت إلى جدول الأعمال مسائل بخصوص وجود وفاعلية التهديد الذي تتعرض له إسرائيل من جانب “داعش” والمتماهين مع رؤيته من أوساط الجمهور العربي في إسرائيل، وبخصوص حجم دعم الإرهاب في أوساط هذا الجمهور بشكل عام.
رغم أن العمليات التي جرت في بئر السبع والخضيرة قد نفذها مخربون متماهون مع “داعش”، وقضى بعضهم عقوبة بالسجن بسبب الانتماء له، إلا أن هناك فروقاً بين خصائصها؛ فعملية بئر السبع نفذت على أيدي مخرب منفرد مسلح بسيارة وسكين، عمل بدون مساعدة من محيطه وبدون إنذار مسبق، المخرب محمود أبو القيعان بدوي من الحورة، عمل لدقائق إلى أن تم تحييده من قبل مدنيين، ونجح في قتل أربعة مواطنين، وكان أمضى بدءاً من 2016 عقوبة سجن مدتها أربع سنوات بسبب محاولته الانضمام لمقاتلي “داعش” مثل آخرين من قبيلة القيعان، التي تعدّ أكثر من 8 آلاف شخص، والتي سبق وأخرجت من وسطها عدداً من النشطاء الذين حاربوا في صفوف “داعش” أو أيدوا أفكاره. أما عملية الخضيرة فقد نفذها مخربان عربيان إسرائيليان، أبناء عم من عائلة اغبارية ومن سكان أم الفحم، أحدهما سجن من قبل بسبب محاولته العبور إلى سوريا للمحاربة في صفوف تنظيم الدولة الإسلامية. هذه العملية، خلافاً لسابقتها، كانت منظمة ومخططاً لها مسبقاً، ونفذت بواسطة سلاح ناري وذخيرة كثيرة، وتضمنت استخدام سلاح جنود حرس الحدود الذين قتلوا في العملية. الرد السريع من قوات الأمن حد من زيادة القتلى.
في هذه المرحلة، ليس معروفاً ما إذا كانت هناك علاقة بين العمليتين، على الأقل تأثير إلهام محتمل للعملية الأولى على منفذَي العملية الثانية اللذين عملا دون صلة مع جهات خارجية، من بينها “داعش”، وتوجيه من قبلها. لم يتبن “داعش” العمليات إلا بعد عملية الخضيرة. يبدو أنه -شبيهاً بسلوكه في العمليات التي نفذت حتى الآن باسم التنظيم في الغرب- استغل الذين نفذوها في إسرائيل للدعاية رغم أنه لم يعرف مسبقاً حتى عن جزء من تخطيطهم وتنفيذهم.
إن فحص تدخل سابق لتنظيم الدولة الإسلامية في عمليات داخل إسرائيل يشير إلى أن “داعش” لم يحصل على مكانة عميقة في أوساط العرب من مواطني الدولة. منذ إقامة الدولة الإسلامية في العام 2014 وحتى الآن، لم يزد عدد السجناء بتهمة الانتماء ووجود أي علاقة مع “داعش”، عن مئة، من بينهم الذين اعتقلوا بعد العمليات الأخيرة. ورغم محاولة وسائل الإعلام المتماهية مع “داعش”، على رأسها الصحيفة الرئيسية الناطقة باسمه “النبأ”، استغلال نجاح العملية كي تنسب للتنظيم نشاطات واسعة ضد إسرائيل، إلا أن الحقائق تثبت أن “داعش” لم يخصص -باستثناء الخطاب المسموم- أي موارد واهتمام كبير لتخطيط عمليات إرهابية في إسرائيل. هذا يسري أيضاً على عملياته وعمليات شركائه في السابق في مناطق أخرى في العالم.
حتى بعد العمليات موضوع النقاش، لا يبدو أنه حدث انعطاف استراتيجي في سلم أولويات “داعش” إزاء إسرائيل. في الخطاب الإعلامي الحالي لـ”داعش” تتكرر وتبرز نظرته السلبية المتطرفة تجاه المنظمات الإرهابية الفلسطينية، مثل حماس والجهاد الإسلامي الفلسطيني، وتجاه “حزب الله”. هذا رغم أن هؤلاء أثنوا على منفذي العمليات الأخيرة في إسرائيل المتماهين مع “داعش”، مثل الفلسطيني من مدينة جنين الذي نفذ عملية “بني براك” في 29 آذار. بشكل عام، يحرص “داعش” على إدانة هذه المنظمات بشدة، ويدينها كمتعاونة مع أعداء الإسلام، لذلك هو يعتبرهم كفاراً ويتهمهم بالمساعدة على صد الجهاد الذي أراد تنفيذه ضد إسرائيل في العقد الأخير.
رد المجتمع العربي في إسرائيل
حظيت موجة العمليات الحالية منذ بدايتها بإدانة قاطعة من جانب الأحزاب العربية والقيادة القطرية للمجتمع العربي (لجنة المتابعة العليا) ولجنة رؤساء السلطات ومنظمات المجتمع المدني. ثمة جهات عربية راديكالية امتنعت عن الرد. التفسير الفوري للرد الاجتماعي “تقريباً” يرتبط بخوف جماعي للجمهور العربي من العودة إلى أحداث أيار 2021، أي العنف الذي جرى بين اليهود والعرب في المدن المختلطة أثناء عملية “حارس الأسوار”، ومن المس بروتين الحياة والتوجه لإعادة ترميم وضعه الاقتصادي والاجتماعي، لا سيما بعد سنوات من كورونا. معارضة العمليات التي نفذها مخربون لهم علاقة مع “داعش” واعتبارها “أعمالاً إرهابية”، تكمن في حقيقة أن المجتمع العربي في إسرائيل، مثل معظم السكان في مناطق السلطة الفلسطينية، بمن فيهم مؤيدو حماس والجهاد الإسلامي، يعارضون أيديولوجيا “داعش” بشدة، وربط النضال القومي الفلسطيني به.
يمكن القول بأن المجتمع العربي في إسرائيل يشكل أقلية عرقية قومية معتدلة وبراغماتية من ناحية سياسية واجتماعية. ورغم إهمال الدولة للمواطنين العرب من جانب ورغم استمراره، دون توقع تسوية للنزاع بين إسرائيل والفلسطينيين، إلا أن المجتمع العربي تجنب بشكل عام تبني مقاربة احتجاج عنيف، ولا يوجد في أوساطه ميل لانتفاضة شعبية مسلحة أو إرهاب ضد الدولة. على محور الزمن، حدثت في الواقع أحداث إخلال بالنظام واحتجاجات، كان جزء منها عنيفاً، لكنه قليل نسبياً، ونذكر منها أحداث يوم الأرض في آذار 1976 وأحداث تشرين الأول 2000 على خلفية اندلاع الانتفاضة الثانية و”انتفاضة الأفراد” التي بدأت في أيلول 2015، ومؤخراً أحداث أيار 2021، التي حدثت عقب اندلاع العنف في الحرم وشرقي القدس. أحد التعبيرات الأكثر أهمية في خروقات النظام الصعبة لأيار 2021 كان الانزلاق للمس برموز الدولة وتشويش الحركة في الشوارع. حتى هذه نفذها شباب لا انتماء سياسياً لهم، عاطلين عن العمل، وجزء منهم مشاركون في ظواهر إجرامية، الذين اعتبروا أعمال الشغب فرصة لتطهير أنفسهم كزعران عن طريق الاندماج في نشاطات ذات طابع وطني.
ابتعاد المجتمع العربي عن نشاطات إرهابية بات أمراً بارزاً أكثر في ضوء حقيقة أن أبناءه يشكلون هدفاً جذاباً للتجنيد من جانب منظمات إرهابية فلسطينية و”حزب الله”. هذا على خلفية علاقاتهم العائلية والاجتماعية والتجارية مع سكان مناطق السلطة الفلسطينية، وكونهم يحملون بطاقات الهوية الإسرائيلية التي تسهل وصولهم إلى أماكن في البلاد، ومعرفتهم لأهداف محتملة للمس بها. رغم الإمكانية الكامنة في هذا الخطر، وقعت طوال السنين حالات قليلة نسبياً من مشاركة عرب إسرائيليين في الإرهاب.
إن خاصية كون المجتمع العربي في إسرائيل أقلية غير عنيفة بالأساس، يرتبط مروره بعمليات سيسيولوجية من الحياة المشتركة مع المجتمع اليهودي الذي تربطه بالدولة وبالجمهور اليهودي في مجالات كثيرة. الأغلبية الساحقة من المواطنين العرب يعتبرون إسرائيل دولتهم، وهم معنيون بالحفاظ على هويتهم وعلى حقوقهم فيها، ويسعون إلى اندماجهم فيها. كل ذلك دون التنازل عن هويتهم الذاتية كأقلية أصيلة وكأبناء للشعب الفلسطيني.
يمكن التقدير بأنه لم تكن هناك فترة مثل الفترة الحالية، التي تدفع فيها الظروف المحيطة (“الربيع العربي” و”اتفاقات إبراهيم”) المواطنين العرب إلى تعزيز انتمائهم لإسرائيل. الاندماج السياسي لـ”راعم”في الائتلاف الحالي واستعداد معظم الأحزاب اليهودية للتعاون السياسي مع القائمة المشتركة، وكذلك دعمها لمقاربة الاندماج، كل ذلك تعبير واضح على توجه الاندماج مثلما تم التعبير عنه في أوساط الجمهور اليهودي في الدولة.
نؤكد أن أمام مقاربة معتدلة لمعظم الجمهور العربي، هناك في أوساطه أيضاً مجموعات راديكالية متطرفة تنظر إلى توجه الاندماج بسلبية وتعمل على تقويضه. رغم أن الأمر يتعلق بأقلية صغيرة، إلا أن له حضوراً وتعاطفاً، خصوصاً في أوساط الشباب والشبكات الاجتماعية. حسب استطلاع “اكورد”، الجامعة العبرية، آذار 2022، فإن 87 في المئة من العرب المستطلعين قالوا إن المخربين من مواطني إسرائيل لا يمثلونهم. و8 في المئة قالوا إنهم يمثلونهم بدرجة قليلة، و5 في المئة فقط قالوا إنهم يمثلونهم بدرجة كبيرة أو كبيرة جداً. يبدو أنه من بين الـ 5 في المئة، من هم مستعدون لاستخدام الإرهاب أيضاً لإحباط عمليات الاندماج.
بالإجمال: يقدر أن أي ظروف متطرفة وأي انعطافات يصعب تقديرها، من شأنها أن تساعد أيديولوجيات راديكالية وعنيفة مثل التي يتبناها “داعش” وأمثاله، كي تحصل على دعم جماهيري في المجتمع العربي في إسرائيل. ليس هذا هو الوضع الآن، لكن دور الدولة هو العمل بشكل حازم لتعزيز الأغلبية البراغماتية من خلال منع حازم للمجموعات المتطرفة العنيفة بكل طريقة يسمح بها القانون.
هآرتس 27/4/2022
بقلم: يورام شفايتسر وآخرين