هذا السؤال الذي يطرحه خبراء سياسيون في الغرب، وأيضاً مواطنون عاديون: هل بدأت فعلاً الحرب العالمية الثالثة، لكن بوسائل غير عسكرية؟ يتوازى مع تحذير من الجانبين الأمريكي والروسي من إمكان اشتعال حرب عالمية ثالثة، وما أعلنه منذ أيام وزير الدفاع، ورئيس هيئة الأركان المشتركة الأمريكيان، من أن الحرب الدائرة الآن في أوكرانيا قد تستمر لسنوات، أو ما جاء على العكس من ذلك قول المتحدث باسم الكرملين أن الحرب قد تنتهى خلال الأيام القادمة.
كل ذلك يثير سؤالاً آخر هو هل الحرب في حد ذاتها صارت، مطلوبة في بعض الأحيان؟ ربما يتعرض لهذه المقولة تقرير لمؤسسة «راند» المعروفة بأبحاثها السياسية والعسكرية التي تكلفها بها وزارة الدفاع ويقول التقرير: «هناك سؤال يشغل الكثيرين من وقت لآخر، وهو هل توجد وسائل معروفة، وأكثر فاعلية من الحرب، لتحقيق أهداف الدول، وتكون الحاجة إليها في حالة ما إذا كانت هناك رغبة في تبديل حياة شعب بأكملها؟». ثم تختتم «راند» هذا الطرح بأن الذين شغلوا بهذا السؤال، توصلوا إلى نتيجة قاطعة، بعدم وجود وسائل معروفة للبشرية أكثر فاعلية من الحرب.
وبالنظر إلى هذه الرؤية على ضوء المشهد الراهن للمواجهة العسكرية في أوكرانيا، نجد ما يشير إلى أن مثل هذه المعارك قد تستخدم فيها أسلحة أخرى ليست عسكرية، بخلاف ما اعتادته القوى الكبرى في الحروب العالمية السابقة.
واستناداً إلى ذلك يمكن اعتبار ما يجري الآن حول أوكرانيا صورة معدلة للحرب العالمية الثالثة.
يقترب من هذه الرؤية شرح سبق أن قدمه الرئيس الأسبق ريتشارد نيكسون – بعد إبعاده عن منصبه الرئاسي – في حوار أجرته معه مطبوعة Parade الأمريكية، حيث قال: إننا والاتحاد السوفييتي، خضنا الحرب العالمية الثالثة، في صورة 40 حرباً، كنا نحن الأطراف غير المباشرة فيها، والتي دارت معاركها في دول العالم الثالث، وبعيداً عن أراضي بلدينا.
يتصل بهذه المفاهيم تصور لما يجري الآن من اشتباكات عسكرية بين روسيا وأوكرانيا، ووصفه بأنه ليس سوى الصورة الخادعة لتلك الحرب، بينما الحقيقة الكامنة في خلفيتها، تنبئ بأنها صراع أمريكي روسي في المقام الأول.
لكن هذا الاتجاه للهيمنة واجهته منذ السبعينات آراء مخالفة، من جانب مفكرين بارزين، أعلنوا أن العالم دخل في طور التحول الفعلي، وإن من المتوقع أفول شمس تربع أمريكا على قمة النظام العالمي، ومن الذين طرحوا هذه الرؤية المفكر المعروف فريد زكريا، وأيضاً هنري كيسنجر، الذي قال إن مركز الجاذبية والتأثير في العالم، سوف ينتقل من الغرب إلى آسيا. وأن صعود الصين، إلى جانب القفزات التنموية في آسيا، سوف يغير النظام الدولي في عقود قادمة، وإن أمريكا ستكون واحدة ضمن شركاء آخرين على قمة النظام الدولي القادم.
يحدث ذلك بينما الإدارات الأمريكية، ومن بينها إدارة جو بايدن الحالية تتمسك بشعار ضرورة أن تكون أمريكا القائدة للعالم، بمعنى الهيمنة عليه حسب التعبير الدارج في المصطلحات السياسية في الولايات المتحدة.
وفي مواجهة تحركات من جانب الصين وروسيا، من أجل شكل مختلف للنظام الدولي، تتشارك فيه عدة أطراف، بدا في نظر العديد من المحللين أن اشتعال الحرب في أوكرانيا، في ظروف ضغوط أمنية على روسيا من جانب الولايات المتحدة، وحلف الأطلسي، كان من أكبر الدوافع للتدخل العسكري الروسي، وبدا للكثيرين أن أوكرانيا مجرد واجهة للصراع الدولي بين أمريكا وروسيا، وبحيث يدار في الساحة الخلفية لهذا الصراع، شكل من الحرب، التي اتخذت صورة العقوبات الاقتصادية الموجعة، والمقاطعة المالية، وحظر التعامل مع روسيا في مختلف المجالات بما فيها الرياضية والثقافية، وخلق حالة من العزلة تطوق روسيا من كل ناحية، أملاً في إضعافها من داخلها، وكسر إرادتها، ودون أن تقترب أمريكا وأوربا وحلف الناتو بشكل مباشر من ساحات المعارك بين روسيا وأوكرانيا.
هذه الصورة قد تحمل قدراً من الإجابة على السؤال المطروح والقائل: هل دخلنا بالفعل في أجواء حرب عالمية ثالثة، مطلوب منها أن تنزل بالدولة المستهدفة ضربات موجعة ومؤثرة، ولا حاجة لنا بالاشتباكات العسكرية المباشرة والتي ألفناها في عقود مضت.
بالاتفاق مع "الخليج"