تحت عنوان: “سياسة عربية جديدة لفرنسا”، قال الصحافي والجيوسياسي رينو جيرار، في عموده الصحافي بصحيفة “لوفيغارو” الفرنسية، إنه مع أن رئيس الدولة هو قائد القوات المسلحة والدبلوماسية، فإن الانتخابات الرئاسية هي دائما فرصة لإعادة التفكير في أولويات السياسة الخارجية لفرنسا. ومن الواضح أن الموضوع الأول سيكون موضوع الدفاع عن أوروبا ضد العدوان العسكري لروسيا، والنهب التكنولوجي للصين، والهيمنة القانونية والمالية لأمريكا. وللحصول على فرصة لمواجهة هذه “الوحوش” الثلاثة، لن تتمكن فرنسا من الاستغناء عن النفوذ الأوروبي. سيستغرق ذلك بعض الوقت لأن الاتحاد الأوروبي الذي يضم 27 دولة، أصبح آلة ثقيلة للغاية.
لكن، على الفور -ينصح الكاتب- يمكن لفرنسا وحدها أن تعيد إطلاق سياستها العربية، إذ تفتح أمامها، بعد خمسة وخمسين عاما، نافذة جديدة في منطقة الشرق الأوسط، التي يتخلى عنها الأمريكيون. فالولايات المتحدة أخذت مؤخراً مسافة من منطقة الشرق الأوسط، حيث يشعر الرؤساء وأعضاء مجلس الشيوخ بالحيرة من التفاعل المعقد بين الأعراق والطوائف الدينية في العالم الإسلامي. ثم إن الأمريكيين احتفظوا بطعم مرير لاحتلالهم لبلاد ما بين النهرين لمدة عشر سنوات. بالإضافة إلى ذلك، لم يعد النفط في المنطقة يمثل لهم رهاناً كما كان في السابق، بسبب امتلاكهم للغاز الصخري والنفط. كما يجدون أنفسهم أمام مواجهتين جيوسياسيتين كبيرتين: الأولى ضد روسيا فلاديمير بوتين في أوروبا، والثانية ضد الصين في المحيط الهادئ، يوضح الكاتب.
ويتابع رينو جيرار القول إن ما وصفه بـ“محور المنطق أو العقل” الشرق أوسطي، الذي يريد ترك الدين للمجال الخاص، يفتح اليوم ذراعيه أمام فرنسا. وبالتالي، على هذه الأخيرة (فرنسا) أن تعرف كيف تأخذ هذه الأيادي الدافئة التي مُدت إليها من قبل هذه البلدان المستقرة مثل المغرب ومصر والأردن والكويت والإمارات وعمان وقطر والمملكة العربية السعودية. وتساعد أيضاً الدول الصديقة التي بالكاد نجت من حروبها الطائفية الطويلة: لبنان والعراق.
ومضى الكاتب إلى وصف اتفاقيات أبراهام بين إسرائيل والمغرب والإمارات والبحرين بالنجاح الكبير، معتبراً أن على الفرنسيين فهم أن ليّ ذراع إسرائيل في القضية الفلسطينية سيؤدي دائما إلى نتائج عكسية، وأن إسرائيل دولة عنيدة عندما يتعلق الأمر بأمنها، لكنها أيضا دولة واقعية، بحسب تعبيره، ستدرك في النهاية بنفسها أن وجود الفلسطينيين في أحياء فقيرة شاسعة ليس أمرا محترما ولا قابلا للتطبيق على المدى الطويل.
ورأى جيرار أن على الفرنسيين أن يتركوا للدول العربية مسؤولية التسوية السياسية مع سوريا على ضوء بدء عملية إعادتها إلى جامعة الدول العربية.
وعاد الكاتب إلى الوراء، مذكِّراً بأنه منذ شارل ديغول، عرفت فرنسا أنه لا توجد سياسة خارجية جادة لا تستند إلى أداة عسكرية ذات مصداقية، موضحاً أن استقلال فرنسا مضمون من خلال قوتها الرادعة وجيوشها وصناعة الدفاع الخاصة بها. وعليه، فإن الاحتياجات الأمنية والدفاعية لأصدقائها العرب يمكن أن تستند إلى اتفاقيات دفاعية وشراكات استراتيجية، مثل تلك التي تربطها بمصر والإمارات وقطر.
بالنسبة للدول العربية، أصبحت فرنسا شريكا استراتيجيا يحظى بمصداقية، ويجب أن تظل كذلك، يقول الكاتب. مشددا في الوقت نفسه، على أن تأثير فرنسا سيعتمد أيضا على أدواتها الثقافية -المعاهد الفرنسية في القاهرة وبيروت، ومتحف اللوفر والسوربون في أبو ظبي، والمدارس والتحالفات الفرنسية التي لا حصر لها- بالإضافة إلى خبرتها في مجال المياه والتنمية المستدامة.
واختتم رينو جيرار بالتشديد على أن السياسة العربية الجديدة لفرنسا يجب أن تستمر في الربط الوثيق بين السيادة والثقافة. لتطبيق هذه الاستراتيجية، تمتلك رئاسة الجمهورية الفرنسية أداة لا تضاهى مثل معهد العالم العربي (IMA)، الذي نجح بالفعل ثقافياً: من الآن فصاعدا، دعونا نعهد إليه أيضا بالمهمة الجيوسياسية المتمثلة في تجذير مفهومنا لـ”محور المنطق/ العقل” في الشرق الأوسط.