سُمع تصريح رئيس الوزراء الأردني بشر الخصاونة، بكامل حدته: “أحيي كل فلسطيني وموظف في وزارة الأوقاف الإسلامية يلقي الحجارة نحو الصهاينة”، كما أعلن في جلسة البرلمان في عمان، وأضاف: “تحاول إسرائيل تغيير الوضع التاريخي والقانوني في الحرم، وتنفذ تقسيماً زمانياً ومكانياً، وهذا تصعيد خطير”. وعاد قائلاً: “تتحمل إسرائيل المسؤولية الكاملة عن التصعيد”.
أعرف الخصاونة لسنوات طويلة، فقد اتخذ في نظري دوماً صورة الرجل المثقف، المنفتح، الموضوعي والمستحب. كما أنه عندما تسلم منصب رئيس الوزراء قبل سنة لم يغير سلوكه. تصريحه القاسي ضد إسرائيل أثار فينا العجب للحظة، وفي اللحظة الثانية، حتى المتشددون مع الأردن اضطروا للاعتراف بأن الحديث يدور عن وضعية معقدة: المواجهات في الحرم أمسكت الملك عبد الله بعد عملية جراحة خطيرة في ظهره بمستشفى في فرانكفورت. ويقيم مقامه بكرُه ولي العهد الحسين في عمان للمرة الأولى.
الأردن هو المسؤول عن الأماكن الإسلامية المقدسة في القدس، وعلى رأسها الأقصى. نائب رئيس الوزراء الأردني الذي يشغل منصب وزير الخارجية أيضاً أيمن الصفدي، استدعى سفير إسرائيل في الأردن كي ينقل رسالة حادة لرئيس الوزراء وللوزراء وللشعب في إسرائيل. غير أن الصفدي وجد نفسه يجلس مع المفوض الإسرائيلي سامي أبو جنب بدلاً من السفير ايتان سوركيس، الموجود في إسرائيل. الاثنان، الموبخ الأردني والدبلوماسي الإسرائيلي، هما من أبناء الطائفة الدرزية، يجتمعان لبحث وضع المسجد المقدس لأبناء الطائفة الإسلامية. الصفدي، ذو الخبرة الطويلة مع إسرائيل، تحدث بحدة، وأوضح أبو جنب بأن إسرائيل تعمل على تهدئة الوضع في الحرم. عندما خرج الصفدي لإطلاق بيان لأعضاء البرلمان، امتنع، دون صدفة، عن ذكر الانتماء الطائفي للمفوض الإسرائيلي.
تسللت التقارير القادمة من المسجد الأقصى إلى قصر الملك، ونقلت إلى المستشفى في فرانكفورت على عجل. اتخذ قراراً فورياً: السماح لمتظاهري الأردن بإغراق الشوارع نوع من التنفيس. 46 نائباً (من أصل 180 عضواً في مجلسي النواب والأعيان) صوتوا لصالح إلغاء اتفاقات السلام وإعادة السفير الأردني من إسرائيل. امتلأت الصحف والبث التلفزيوني والإذاعي بالعناوين المناهضة لإسرائيل، وجرى تصويت ثان في البرلمان مرة أخرى. وأمس، دعا 87 من أعضاء المجلس إلى طرد السفير الإسرائيلي. وعندها ظهر رئيس الوزراء وألقى خطابه الحاد.
غير أن إلغاء اتفاقات السلام وإعادة السفراء ليس من صلاحيات مجلس النواب. الملك هو المقرر الوحيد والأخير، والملك، هكذا في رسالة اختبأت بين سطور التحذير التي تلقاها المفوض الإسرائيلي، لا يسارع إلى إلغاء اتفاقات السلام، خصوصاً في عهد حكومة بينيت. فهو يعرف أن العلاقات مع إسرائيل على المستوى الاستخباري ممتازة، والتعاون الأمني “جيد زائد” بعد التردي الذي لاح في الأسابيع الأخيرة. ينبغي ألا ننسى بأن الأردن يتلقى كميات زائدة من مياه الشرب وللزراعة من إسرائيل، تتجاوز الاتفاق. كما أن إسرائيل أوضحت بأنها ستعمل على استئناف نقل البضائع والمنتجات إلى مناطق السلطة الفلسطينية.
للقصر الملكي الأردني سببان آخران للسماح للهواء المضغوط في المملكة بالصعود إلى الأعلى: فلم تهدأ بعدُ قضية الأمير حمزة الذي حاول التنافس على كرسي المملكة، ووضع قيد الإقامة الجبرية المحروسة وتخلى عن لقب الأمير في ظروف غير واضحة. كما أن حادّي النظر يتلصصون على تقارير “ويكيليكس” ويرون ثراء فاحشاً لعبد الله، حاكم المملكة الغارقة في الفقر – وحساباته البنكية الستة التي فتحت في سويسرا – التي حتى نشر التقارير، لم يعرف بها أحد، والآن يدعي بشأنها: “هذا مالي الخاص”.
لا يوجد محقون في هذه القصة، ولكل طرف روايته. مسموح التخمين بأن مسؤولين إسرائيليين رفعوا الهاتف لنظراء في الأردن في محاولة للتهدئة.