يقول أبو حيان التوحيدي في كتاب البصائر والذخائر: (قال لي رجل من العجم يدعي العلم ويزعم أنه منطقي: اقعد حتى تتغدى بنا، قلت: لا أبلانا الله بذلك، قال: فلم قلت هذا؟ قلت: لأنك أتيت بكلام لو فقهته عن نفسك لما أنكرته على جليسك، قال: فما هو؟ فعرفته الفرق بين الخطأ الذي قد أتى به والصواب الذي لم يوفق له، فنبا طرفه بعد ذلك عني، وثقل حجابه علي، فأف له ولأضرابه، فما شين الدنيا والدين إلا بقوم هذا منهم؛ رزقنا الله الأدب الذي به نعلم ما نقول، وإليه نفزع فيما نعمل، وكفانا شر كل ذي شر بمنه),
صدق أبو حيان التوحيدي ما شين الدنيا والدين إلا بأمثال هذا العجمي المتعالم الذي خرج من ضئضئه أمثال إسحاق الكنتي الذي كأن المتنبي عناه يوم قال:
وكم من عائب قولا صحيحا ** وآفته من الفهم السقيم
ولكن تأخذ الآذان منــــــــه ** على قدر القرائح والعلوم
حين تطالع عنوان (قياس مع الفارق) تستذكر قوادح العلة وتشرئب إلى درر معرفية تمتاح من عيون التراث الفقهي لكنك تصدم أيما صدمة حينما تجد المقال برمته بني على قاعدة أبداها كاتب الحروف من بنات غير شكلها الجهل وقصور النظر فكيف يمكن لمن صبر دقيقتين عن مطالعة أي كتاب من كتب اللغة أن يجزم بوجود الفارق بين الحصر والحبس يقول الجوهري في كتابه الصحاح في اللغة حصره يحصره حصرا: ضيق عليه وأحاط به. والحصير: الضيق البخيل. والحصير: البارية. والحصير: الجنب. قال الأصمعي: هو ما بين العرق الذي يظهر في جنب البعير والفرس معترضا فما فوقه إلى منقطع الجنب. والحصير: الملك، لأنه محجوب. قال لبيد:
وقماقم غلب الرقاب كأنهم ... جن لدى باب الحصير قيام
والحصير: المحبس. قال الله تعالى "وجعلنا جهنم للكافرين حصيرا " ثم قال بعد كلام ظويل: وقال الأخفش: حصرت الرجل فهو محصور، أي حبسته. قال: واحصرني بولي واحصرني مرضي، أي جعلني أحصر نفسي. وحصرني الشيء وأحصرني، أي حبسني.
وفي القاموس المحيط للفيروز آبادي مادة حصر: الحصر كالضرب والنصر: التضييق والحبس عن السفر وغيره كالاحصار و للبعير
وفي المحيط في اللغة للصاحب بن عباد مادة حصر: الحصر: ضرب من العي، حصر فلان. وحصر صدره يحصر حصرا: ضاق. والحصار: الموضع الذي يحصر فيه الإنسان، تقول: حصروه وحاصروه. والإحصار: أن يحصر الحاج عن بلوغ المناسك مرض أو نحوه. والحصير: المحصور المحبوس. وهو الملك المحجوب أيضا. والحصور - كالهيوب - : المحجم عن الشيء. وهو أيضا: الذي يحبس رفده عن الندامى.
وفي معجم مقاييس اللغة لابن فارس مادة (حصر) : الحاء والصاد والراء أصلٌ واحد، وهو الجمع والحَبْس والمنع ثم قال بعد كلام طويل ومن الباب الحَصُور الذي لا يأتي النِّساء؛ فقال قوم: هو فَعول بمعنى مفعول، كأنّه حَصِر أي حُبِس. وقال آخرون: هو الذي يأبَى النساء كأنّه أحجَمَ.
وفي المعجم الوسيط لمؤلفيه إبراهيم مصطفى وأحمد الزيات وحامد عبد القادر ومحمد النجار مادة حصر ( حصر ) بعد كلام طويل: ( أحصر ) البعير حصره وفلانا حبسه ويقال أحصره المرض وأحصره الخوف وفي التنزيل العزيز ) فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي
.هكذا تجمع كتب اللغة قديمها وحديثها على إيراد الحصر بمعنى الحبس فلك يا كنتي أن تقول في الددو ما تشاء ففي الحكمة من رزق من باب فليلزمه، ولك أن تقيس مرسي على مبارك فذلك موقف سياسي والمواقف السياسية تحترم لأصحابها أما تقفر العلم وسلوك مسالك الاستنباط وتعقب مناطات المجتهدين فبه تتعرى
وكنت كعنز السّوء قامت لحتفها ** إلى مديةٍ تحت الثّرى تستثيرها
محمدن ولد الرباني