لقد رحلت كل حروفي ولم استطع الكتابة ، كان خبر رحيلك هو الخبر الوحيد الذي عجزت عن كتابته منذ أمسكت القلم لأول مرة، فطالما كنتَ من يصنع (الحبر) .. إقرأها خبرا أو حبرا أو خبزا حتى.
وقفت عاجزا مخبولا أمام غرفة التحنيط، ولم أستطع أن أودعك بنظرة، فلم يستطع قلبي أن يتحمل تلك الصورة التي ستبقى فيه أمد الدهر.
حين بدأو أدخالك إلى القبر ، أشحت بوجهى حتى يتوارى جثمانك تحت اللبن والرمل، فلم أستطع متابعة هول المشهد.
خنتني يا نصفي الثاني لأول مرة، فقد كنا نتشاور قبل اتخاذ أي قرار، لكنك هذه المرة اتخذت قرارك بشكل إنفرادي، ولم تطلعني عليه كالعادة، فلماذا..؟
أنسيت يا حسونة، أنني صديقك "ماميتو" ، أم نسيت عهدنا أن نتشاور قبل اتخاذ أي قرار، وأن نظل معا..؟ (ماكانت فيك).
مايحز في نفسي يا صديقي أنك رحلت دون تنسيق معي، وأنك اتخذت القرار بشكل انفرادي، وهو أمر لايحق لك، لأنه يخل باتفاقنا، وأنا أحتج عليه يا صديقي.
التعازي التي تنهال علي من كل حدب وصوب، من داخل البلاد وخارجها، تثقلت كاهلي، فمن أعطاك الحق في إرغامي على حملها لوحدي، لم انسحبت دون إبداء المساعدة..؟!
الجميع يعرف جزء طفيفا من العلاقة بيننا، لكنهم لايعرفون مكنوناتها، وبما أنك رحلت دون تشاور معي، فسأكتب عن مكنونات العلاقة دون تشاور معك، وحتى لو رحلت بحبري وحروفي، فساكتب بدماءك الزكية ودموعي الحارة، عن تلك العلاقة التي جمعتنا وجعلت منا شخصا واحدا في جسدين.
سيظل تبصيرك حيا، واستهلالاتك حية وعبراتك حية، مادام لي جفن يطرق، وسأكتب عن جوانب منك لا يعرفها الكثيرون.
استوعب عقلي رحيلك حتى الآن، لكن قلبي لم يستوعب الأمر، فما زلت حاضرا فيه يشحمك ولحمك، ولذلك سأتعامل معك بضمير المخاطب، في كل ما أكتب عنك إرضاء لقلبي، وسأحدث عنك الجميع، حتى يعرف الكل مدى الفراغ الذي تركت في قلبي.
رحمات ربي تغشاك، فقد طبت حيا في عيوننا وقلوبنا ، وحيا في قلوبنا فقط.
للعبرة : الموت هو الفعل الوحيد الذي نقف عاجزين أمامه، ولانجد أمامنا سوى خيار واحد.
الشيخ ولد المامي
#تبصير_سياسي
