لبنان: رسالة عون لم تقدّم ولم تؤخّر فلا سحب للتكليف ولا مهلة زمنية والمطلوب من وليّ العهد «عملية انتحارية»

أحد, 05/23/2021 - 10:43

بيروت: لم تفض الجلسة النيابية التي دعا إليها رئيس مجلس النواب نبيه بري لمناقشة رسالة رئيس الجمهورية ميشال عون إلى أي قرار أو إجراء بل مجرد موقف غير ملزم أعلنه بري أبدى فيه «حرص المجلس على عدم الدخول في أزمات ميثاقية ودستورية جديدة» معتبراً «أن أي موقف يطال التكليف وحدوده يتطلّب تعديلاً دستورياً ولسنا بصدده اليوم» وداعياً «إلى ضرورة المضي قدماً وفق الاصول الدستورية للوصول سريعاً إلى تشكيل حكومة جديدة بالاتفاق مع رئيس الجمهورية». وجاء موقف بري بعد موقف عالي السقف للرئيس المكلّف سعد الحريري ردّ فيه على تجاهل رئيس الجمهورية سلسلة وقائع ومغالطات، متهماً إياه بالسعي للتخلّص منه وبممارسة التعطيل «كرمال عيون الصهر» مشدداً على أنه لن يشكّل الحكومة كما يريدها فريق رئيس الجمهورية بل كما يريدها وقف الانهيار. وأبدى نواب التيار الوطني الحر إنزعاجهم الشديد من موقف الحريري ومن وصفه لبعض الوزراء الذين سمّاهم عون بأنهم « أزلام». وسبق موقف الحريري مداخلة مطوّلة لرئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل الذي أوضح «أن الموضوع ليس طائفياً بل هدف الرسالة هو الحثّ على التشكيل وهو ليس سحب التكليف» ملوّحاً بحلّ المجلس النيابي رافضاً «أن يكون رئيس الجمهورية باش كاتب» وخلُص إلى اقتراح تعديل دستوري يرمي إلى تحديد مهلة شهر للرئيس المكلف لتأليف الحكومة. وهكذا، لم تؤد رسالة رئيس الجمهورية إلى مخرج للأزمة الحكومية العالقة بل تركت الباب مشرّعاً على التعطيل إلا في حال إستجاب جبران باسيل لطلب الرئيس بري بالقيام بـ»عملية انتحارية» لايجاد الحل. وقد حرص بري على عقد خلوة معه بعد إنتهاء الجلسة في محاولة لتطرية الأجواء وتسهيل عملية التأليف. ويمكن القول إن اتصالات بري نجحت في عدم تفجير الجلسة النيابية ونقل التوتّر إلى خارجها، وذلك من خلال حصر المداخلات بكلمة واحدة لكل كتلة وعدم السماح بالتشويش لا على باسيل ولا على الحريري، وهو ما كان يُخشى أن تؤدي إليه رسالة رئيس الجمهورية لو ترك بري الباب مفتوحاً أمام النواب للتراشق في ما بينهم وتسجيل النقاط من كل طرف على الآخر نتيجة الرسالة الرئاسية الرسالة التي حاول فيها عون التبرؤ من تهمة تعطيل تشكيل الحكومة ورمي المسؤولية على الرئيس المكلّف، متهماً إياه بالعجز عن تشكيل حكومة قادرة على الانقاذ وبتأبيد التكليف، داعياً بشكل مقنّع إلى سحب التكليف منه، وهو أمر يصبّ الزيت على النار ويستفزّ الطائفة السنيّة بكاملها وليس فقط جمهور تيار المستقبل وقياداته. وأبلغ أحد النواب في «اللقاء التشاوري» السنّي المعارض للحريري «القدس العربي» أن رسالة رئيس الجمهورية تتجاهل أوضاع البلد وتأتي في توقيت غير مناسب. ونوّه النائب بجهود رئيس مجلس النواب نبيه بري لضبط إيقاع المداخلات تفادياً لنقل التوتّر بين التيارين البرتقالي والأزرق إلى داخل أروقة مجلس النواب. وكشف المصدر النيابي أنه «لو قرّر نواب كتلة المستقبل الانسحاب من جلسة المناقشة لإفقادها ميثاقيتها، فلا يمكن لنا كمكوّن سنّي البقاء في القاعة، وكنا لنُضطر للانسحاب أيضاً لأننا لا نتحمّل أي تغطية لمحاولة النيل من صلاحيات رئيس الحكومة المكلّف وتقييده بسقف زمني لتشكيل الحكومة، وما يعنيه هذا الأمر من تعديل دستوري غير مقبول». وكان الكثير من المواقف رأى أن توجيه رئيس الجمهورية رسالة إلى المجلس هو أمر دستوري لكن مضمونها مخالف للدستور، وهذا ما عبّر عنه رؤساء الحكومات السابقون نجيب ميقاتي وفؤاد السنيورة وتمام سلام الذين أكدوا أن «ما احتوته رسالة رئيس الجمهورية يطيح بأحكام الدستور وبمبدأ الفصل بين السلطات ويشكل انقلاباً حقيقياً على الدستور، وهي الممارسات عينها التي عطّلت تطبيق أحكام الدستور، كما عطّلت تشكيل الحكومة ووضعت البلاد على حافة الانهيار». وليست المرة الأولى التي يُقحم فيها عون البلاد بأزمات من أجل مصالح سياسية، ويكفي التذكير بحرب التحرير التي أطلقها عام 1988 ضد سوريا التي رفض رئيسها حافظ الأسد انتخابه رئيساً، ثم حرب الالغاء التي أطلقها ضد القوات اللبنانية عام 1989 لبعث رسالة إيجابية إلى دمشق بقدرته على ضرب أحد أعدائها في الداخل اللبناني. وقد أدّت هذه الحرب إلى إضعاف المكوّن المسيحي وأوصلت إلى اتفاق الطائف الذي يشكو منه عون نفسه قبل أن يتهم القوات ورئيسها سمير جعجع بالانقلاب عليه ومؤازرة السوريين في الدخول إلى القصر الجمهوري في بعبدا في 13 تشرين الأول/أكتوبر. وهذا المنطق هو ذاته يعتمده الرئيس عون حالياً مع الرئيس المكلّف الذي منذ تكليفه باشر بإجراء مشاورات في ساحة النجمة مع الكتل النيابية على اختلافها بما فيها مع «تكتل لبنان القوي» برئاسة النائب جبران باسيل، ثم وضع تشكيلته الحكومية بين يدي رئيس الجمهورية الذي لم يتجاوب مع طرح الحريري، وكان في كل مرة يضع العراقيل أمام تصوّر الحريري لحكومة مهمة من اختصاصيين غير حزبيين تضع خطة لوقف الانهيار وتستقطب الدعم من المبادرة الفرنسية بحسب ما وعد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون. وكانت تتمثّل العراقيل تارة بالثلث المعطّل وطوراً بالجلوس والاتفاق مع الصهر جبران خلافاً لنظرة الرئيس المكلّف الذي يعتبر أن الشخص الوحيد الذي سيتشاور معه بحسب الدستور حول تأليف الحكومة هو رئيس الجمهورية وليس أي شخص آخر في إشارة إلى «الرئيس الظلّ» جبران باسيل. وبعد ذلك يضع باعتباره رئيساً للحكومة ومسؤولاً عن أعمالها أمام مجلس النواب مشروعاً لتشكيلها، ويقترحها على رئيس الجمهورية الذي يصدر بالاتفاق معه، مرسوم تشكيلها. أما محاولة رئيس الجمهورية سحب التكليف من الحريري أو عزله فهو ينطوي أولاً على مخالفة للدستور وثانياً على استفزاز للطائفة السنّية التي لن تقبل بمثل هذا الإجراء. فجمهور تيار المستقبل لم يقبل اعتذاراً تلقائياً من الحريري نفسه فكيف سيقبل محاولة إجباره على الاعتذار من قبل رئيس الجمهورية؟ يبقى أن سيّد بعبدا من خلال فتح هذه المعارك مع الحريري يحاول استرجاع شعبية مسيحية فقدها نتيجة أدائه وخيبة الأمل التي أصيب بها اللبنانيون، علّ هذه المعارك تفيد وليّ العهد في سعيه للوصول إلى سُدّة الرئاسة خلفاً لعمّه. إلا أن الهرطقات الدستورية التي يحاول العهد اللجوء إليها كمثل سحب التكليف من نواب سمّوا الحريري باستشارات نيابية ملزمة، قد تفتح الباب مستقبلاً امام هرطقة مماثلة، إذ ماذا يمنع في المستقبل القريب أن تعلن كتل نيابية ونواب تراجعهم عن انتخابهم لميشال عون وطلب سحب أصواتهم، وعندها تصحّ المعادلة التي رفعها خصوم العهد: اعتذار الحريري مقابل استقالة عون.

الفيديو

تابعونا على الفيس