سمير حباشنة
ما من شك ان الادارة الديمقراطية الجديدة في الولايات المتحدة قد حركت المياه الدبلوماسيه الراكدة في المنطقه، و شرعت ابواباً لمتغيرات سياسية كبيرة “محتمله” تتعلق بالمشهدين الإقليمي والدولي…وذلك بفعل التغير الملموس تجاه مواقف الاداره الجديده من القضايا الكبرى و بالذات في منطقتنا العربية، والتي كانت كانت الادارة السابقة تعاملت معها برتابة او “بتكتيكات”قصيرة الامد، تتأرجح بين قرارات مرتبكة مع غياب شبه تام للمعالجة وفق نظرة أستراتيجية . فأدارة الرئيس ترامب كانت مثل “تاجر البسطة” ، يبحث عن الربح السريع دون أن يسعى الى زبائن دائمين . إدارة حركتها المصالح الآنية و الضيقة فقط . مع عدم أعفال أفعالها السيئة تجاة القضية الفلسطينية والتي لم تكن لتُقدم عليها أية أدارة أمريكية سابقة ! ..
(1)
و أخالُ أن أكبر تلك التبدلات الأفصاح عن الرغبة الأمريكية بالعوده الى الاتفاق النووي الدولي مع ايران، دون الألتفات الى المحاذير الأسرائلية ، وهو الأمر الوشيك الحدوث. ويبدو أن الأمور الآن هي في خواتيمها بعد أن بقيت مباحثات “فينا ” تراوح طوال الفترة السابقة كلٍ يطلب من الآخر أن يبدأ بإتخاذ الخطوة الاولى، رفع العقوبات الاميركية او التوقف الايراني عن رفع مستوى التخصيب، مع أن مبدأ العودة الى الأتفاق قد تم الأتفاق عليه . و أظن أن أجتماعات “فينا” سوف تتوصل الى نقطة لقاء وسطى .. بأن يتم الأمران بآنٍ معاً .. رفع العقوبات و خفض مستوى التخصيب .
(2)
و فيما يخصنا كعرب ، فأن الموقف الأمريكي الأيجابي تجاه اليمن و أعلان الأدارة الحالية بأن وقف الحرب في اليمن تقف على رأس أولوياتها في المنطقة ، وهو الجهد الذي بدأ عملياً بأن تم شطب جماعة الحوثي من قائمة الأرهاب و تعيين مبعوث أميريكي خاص باليمن و البدء بمباحثات أمريكية – حوثية ترعاها عُمان . و أعتقد ان التبدل في الموقف الأمريكي تجاه اليمن و الأنفتاح على أيران عوامل من شأنها وضع حدٍ للحرب العبثية المشتعلة في هذا البلد العربي منذ ما يزيد عن 6 أعوام .
كما أن المنطقة تشهد سلسلة من النشاطات الدبلوماسية المستجدة ، و أهمها مبادرة السعودية الشقيقة نحو وقف الحرب في اليمن و أعلان ولي العهد السعودي عن رغبة بلاده لبناء علاقات متميزة مع إيران تقوم على الأحترام المتبادل و مراعاة كل طرف لمصالح الطرف الآخر ، و التي بدأت عجلتها عملياً بالدوران عبر اللقاءات الأيرانية السعودية التي ترعاها بغداد . و هو عامل كبير لابد ان يؤدي و أن تم على النحو المطلوب الى إنهاء أجواء التوتر التي تعيش في ظلالها منطقة الخليج . ومن شأن ذلك أن يدفع عملية السلام في اليمن قدماً و ذلك بدعوة أطراف المعادلة اليمنية بما فيها الشخصيات التي لم تتلوث بالحرب للأتفاق على شكل ونظام الحكم ،على أساس وحدة الدولة اليمنية أرضاً و شعباً . و أعتقد بأن ذلك قد يصبح أمراً وشيك الحوث ، فالغيوم السوداء المسيطرة على الأجواء اليمنية .. بدأت بالأنقشاع .
(3)
وعلى جبهة أخرى فأن العودة الى الاتفاق النووي وتطبيع العلاقات السعودية الايرانية، هي عوامل من شأنها تحريك جهود السلام في الموضوع السوري .. و قد شهدنا واحدةً من أهم تجلياتها المتمثلة بزيارة مدير الأستخبارات السعودية الى دمشق ولقاءه بالرئيس السوري . و أن ما يعزز أملنا في ذلك تلك القمة الاميركية/الروسية المنتظرة والتي بالتأكيد سيكون الموضوع السوري على رأس أجندة هذه القمة …
أي بمعنى أن تلك التبدلات الدبلوماسية النشطة على الصعيدين الاقليمي والدولي سوف تشكل نقطة تحول مهمة في ما يتعلق بالشأن السوري . وعلى أي حال فأن المأزق اللبناني مرتبطٌ صعوداً أو نزولاً بالمسار الخاص بالمسألة السورية .
و ما يرفع من درجة التفاؤل في الانفراج الأقليمي الشامل تلك الخطوات المتسارعة التي تشهدها العلاقات المصريه /التركية و التي بدأت في أجتماع القاهرة “الأستكشافي” بين البلدين و التي بحثت و كما أُعلن الى جانب العلاقات الثنائية كلٍ من الموضوعين الليبي والسوري . و من المأمول أن نشهد في ضوء ذلك قمة مصرية تركية و اعادة العلاقات الدبلوماسية الى سابق عهدها بحيث يدفع ذلك أستكمال تلك المسافة التي تم قطعها نحو احلال السلام في ليبيا والتي أدت الى تشكيل حكومة وحدة وطنية وبالتالي تسهيل مهمة انجاز الانتخابات البرلمانية في موعدها، وسحب القوات الأجنبية من ليبيا بما فيها التركية. و كذلك فأن أنفراج العلاقات التركية/ المصرية المنتظر ، سوف يكون عاملاً أيجابياً مساعداً في حل المسألة السورية.
(4)
أن مجمل تلك التحولات النوعية في المنطقة و وقف روح المناكفة و تضارب المصالح سوف تسهم في نشل المنطقة كلها من أجواء الحروب والدمار والتوتر ذلك ان تم استثمارها فعليا وتوفرت لها ارادة القبول واقدام الأطراف المتقابلة على تقديم تنازلات جريئة من شأنها اعادة الأمن واسلام المفقود للمنطقة وبالذات في القضية اليمنية و السورية و الليبية .
وبعد: تبقى قضية العرب المركزية “قولاً”هي مربط الفرس و أعني القضية الفلسطينية و التي لم توضع بعد على أجندة أي من الأطراف الأقليمية و الدولية المؤثرة . و قد أفادتنا دروس التاريخ بأن العامل الذاتي هو الأساس المحرك لأي قضية تحرر وطني ، و بالتالي فأن الكرة الآن في مرمى الأشقاء الفلسطينيين ، بأن يعيدوا وحدة مشروعهم الوطني و أعادة الحياة الى مؤسساتهم الكفاحية .
و أن ما يجري اليوم في القدس من بطولات فلسطينية فذة في وجه الأحتلال ، يجب أن يبنى عليها ، فالمقاومة الشعبية الفلسطينية و أن أمتدت على كامل التراب الفلسطيني ، فأنها ستعيد الحياة للقضية الفلسطينية و سوف يتحرك الشارع العربي دعما لها . الأمر الذي يعيد للقضية ألقها فتصبح أولوية على الأجندات الدولية و الأقليمية ، ذلك أنه ليس من المهم وجود الشارع المخصص للسيارات ، بل المهم أولاً ان تتوفر السيارة نفسها .
و الله ومصلحة العرب من وراء القصد
وزير اردني سابق