د. فايز أبو شمالة
كلما تصاعدت الأحداث في شوارع القدس، وازداد العدوان الإسرائيلي، وارتفعت وتيرة القهر والاستفزاز، كلما تساءل الفلسطينيون: أين غزة؟ أين المقاومة؟ أين حركة حماس؟ ماذا تنتظرون؟ إلى متى تضعون الحبة في بيت النار دون أن نسمع الدوي؟ متى تضغطون على الزناد؟ متى سنرى بيوت المستوطنين تحترق بصواريخ المقاومة؟ وما قيمة السلاح الذي تخزنون وتجمعون إن لم ينتصر للقدس؟
أسئلة مشروعة طرحها الشارع الفلسطيني، ودارت في خلد الكثير من أبناء الأمة العربية، الذين يتابعون بشغف ودموع تطورات الحالة الفلسطينية، وذلك من منطلقين:
الأول: منطلق الواثق من المقاومة، والمؤمن بسلامة خطها ونهجها، والمؤمن أن المقاومة تمتلك الرد، وقادرة على إشعال المعركة في وسط المدن الصهيونية، بشكل يوجع الغزاة، وهؤلاء القوم جاهزون للعطاء والوفاء، ويعرفون حجم الثمن الذي ستدفعه غزة، وهم جاهزون.
الثاني: من منطلق الشماتة، والرغبة في رؤية الدماء الفلسطينية تسيل كي يلوكوا بألسنتهم صمود غزة، وكي يطعنوا بانتصاراتها، وهؤلاء مخازن أحقاد ضد غزة والمقاومة، يريدون التشفي، وهم يسألون الشيطان ليل نهار بأن يريهم عجائب مكره دماءً تجري في شوارع غزة، ودماراً ينزف من جبينها الشامخ، ليبدؤوا الترويج لأفكارهم وأكاذيبهم عن السلام.
ولكن غزة لها حساباتها الدقيقة، فهي تعرف متى تبدأ المعركة، وهي التي حددت اللحظة الأنسب للرد، فالرد العسكري المقاوم على جرائم الاحتلال لم يأت انفعالياً، ولا مزاجياً، الرد جاء وفق أمنيات أهل القدس، وجاء وفق تطلعات الفلسطينيين لمقاومتهم، فجاء الرد على العدوان الإسرائيلي صادماً للأعداء، ومرعباً لعشرات آلاف الصهاينة الذين فاجأتهم الصواريخ في اليوم الذي كانوا يحسبون أن قوتهم مانعتهم من صواريخ المقاومة، فصلتهم الصواريخ إلى القدس في اليوم نفسه الذي كانوا يحتفلون فيه بذكرى توحيد القدس سنة 67، جاءت الصواريخ لتقول لكل إسرائيلي: القدس عربية، ولن تكون موحدة إلا تحت راية الأمة العربية.
لقد جاء رد المقاومة ميدانياً، ولم يأت إعلامياً، لقد جاء الرد متناغماً مع الحب الذي يحمله أهل القدس لغزة، وجاء بمقدار الثقة التي منحتها الشعوب العربية للمقاومة الفلسطينية، وجاء الرد بحجم العدوان الإسرائيلي على المقدسات الإسلامية، مع الحرص على مواصلة الربط بين الصواريخ والعدوان على المقدسات، ليظل الحدث المركزي في وسائل الإعلام هو القدس.
غزة برجالها ونسائها ومقاومتها وسلاحها فداء للقدس، وأهل غزة لم يخيبوا نداء الواجب، لقد أوفوا بالوعد، ولم يخذلوا صرخات الشباب، وهم يستغيثون بغزة، فجاءت المواجهة مع العدو في موعدها، وانطلقت الصواريخ إلى وجهتها؛ وهي تنطق باسم عشرات آلاف الشباب المرابطين في باحات القدس، ليكتمل المشهد الفلسطيني، حراك جماهيري في القدس، مدعوماً بفعل مقاوم من غزة، لتطبق الدائرة على عنق الاحتلال، حين تحركت جماهير مدينة نابلس الثائرة، وحين غضبت مدينة الخليل الصابرة، لقد تحرك الشعب الفلسطيني في الداخل مع حدث المقاومة الشعبية والمقاومة المسلحة، لقد انتفضت فلسطين كلها، وأسقط الفلسطيني عن كاهله عبء الصمت والانتظار، وخرج من تحت عباءة التنسيق الأمني التي أفسدت انتماءه.
لقد دقت الساعة في غزة، وانشقت الأرض عن صواريخ المقاومة، فإذا بفلسطين كلها أمانة في عنق أهل غزة، لقد حمل أهل غزة الأمانة، وهم يعرفون أنهم سيدفعون الثمن، سيدفعونه من بيوتهم وأولادهم وأعمارهم وأرزاقهم، ولكنه ثمن رخيص لمن أراد العيش بحرية وكرامة، فطالما كان الهدف فلسطين، والمسعى أرض المسرى، فكل شيء يهون، وأهل غزة لم يكونوا يوماً إلا في الموقع الذي يرخص فيه المال والبنون.
كاتب فلسطيني