تتجمع في مدينة القدس، كالعادة، رموز المعركة المستمرة بين الفلسطينيين وقوات الاحتلال الإسرائيلية، ففي حين صعّد المستوطنون اعتداءاتهم في شهر رمضان الكريم، للوصول إلى ذروة في المواجهة مع يوم 28 رمضان، الذي يعتزم فيه المستوطنون اقتحام المسجد الأقصى بحماية قوات الاحتلال، فقد عزّز الفلسطينيون مواجهاتهم عبر أشكال متعددة من النضال.
أدى هذا الجو المشحون إلى اشتداد المواجهات بين الطرفين، فشهدت القدس، مواجهات عنيفة بين السكان الفلسطينيين والمستوطنين المحميين بقوّات الاحتلال الإسرائيلية الذين حاولوا الاعتداء على المنازل والممتلكات والحافلات وامتدّت جبهة المواجهات عبر أحياء الشيخ جراح وباب العمود وباب حطة والصوانة والطور ووادي الجوز بحيث شملت البلدة القديمة ومحيط المدينة، وأدت الاشتباكات إلى وقوع أكثر من 120 جريحا بالرصاص الحيّ المغلّف بالمطاط والتعرض للضرب العنيف من الجنود، وكذلك إلى اعتقال العشرات من المتظاهرين والمحتجين، غير أن الفلسطينيين تصدوا بشجاعة لمئات المستوطنين الذين هاجموا منازلهم، كما أعلنت قوات الاحتلال إصابة أكثر من 20 من أفرادها بعد تعرضهم لإلقاء الحجارة والزجاج والمفرقعات.
الخطوة الثانية التي قام بها الفلسطينيون هي دعوة فلسطينيي الداخل إلى «شد الرحال» إلى المسجد الأقصى كل يوم للوقوف إلى جانب إخوانهم في القدس، والصلاة على الحواجز إذا منعوا من الوصول، وقد قام الاحتلال الإسرائيلي، بدفع قوات كثيفة إلى المدينة المحتلة، فصارت أشبه بثكنة عسكرية تقطعها عشرات الحواجز وينتشر عليها المئات من عناصر قوات الاحتلال، بمن فيهم عناصر أمنية بالزيّ المدني، وتمكن المئات من الفلسطينيين عند أحد الحواجز الإسرائيلية في باب حطة باختراق القيود، واستطاعت حشود كبيرة من الفلسطينيين الوصول فعلا إلى المسجد الأقصى، لأداء صلاة الجمعة الثانية من شهر رمضان.
وسّع الفلسطينيون المعركة على الأرض مع الاحتلال إلى مجابهة افتراضية تخرجها من نطاقها المحلّي وتنشرها في المنطقة العربية والعالم بإطلاق هاشتاغ «القدس تنتفض» الذي شهد انتشارا واسعا في السعودية ومصر والأردن والمغرب والكويت ولبنان، وتم، تحت هذا الشعار إطلاق مقاطع فيديو وصور توثق الأحداث الجارية في القدس.
أدى وجود سكان القدس في عين العاصفة واستهدافهم من قبل قوات الاحتلال والمستوطنين، إلى اتخاذهم معنى رمزيا لفلسطين بأكملها، وتموضعهم بالضرورة على شكل رأس حربة مناهضة للخطط الإسرائيلية، ومقابل الخطط الخبيثة التي تشارك فيها أطراف عربيّة لتسريب عقارات القدس، أو للضغط على الأردن باعتباره يمتلك حق الوصاية والدفاع عنها، أو محاولات نقلها إلى دولة عربيّة، فإن وضعيّة المدينة الرمزية المقدسة تجعلها ركنا أساسيا في الهوية الفلسطينية، وفي حلقات الدفاع العربية والإسلامية عنها.
رغم أن جوهر الصراع الفلسطيني سياسي بين قوى الاحتلال وأهل الأرض الأصليين، لكنّ وضع القدس يمتنع على التسويات السياسية لأنه يحمل عناصر التاريخ والهوية والدين وهو ما يعطيها حصانة تقع حمايتها على عاتق الإنسانيّة جمعاء.