ربى يوسف شاهين
في خضم التطورات السياسية العالمية المتجهة بشكل مباشر لصالح الكيان الإسرائيلي، يبدو واضحاً أنّ بنود صفقة القرن تُنفذ ليس لكونها وُقعت بين أطراف لها أهميتها لدى الولايات المتحدة، بل لأنها تُعتبر ورقة إثبات على الدول المشاركة فيها، لـ النيل من الحق الفلسطيني في التحرير والعودة والاستقلال.
وما لا يدركه السياسيون أنّ الصفقة أخطر بكثير مما يتصورون، فـ بتنفيذ الأوامر الامريكية، اتسعت رقعة الأهداف إلى الصين وفنزويلا، ناهيك عن إيران التي تعاني الخنق الاقتصادي.
وبتصريح السفير الامريكي في اسرائيل ديفيد فريدمان الذي قال ” إنه من الأفضل للحكومة الإسرائيلية جذب استثمارات البنية التحتية من الإمارات العربية المتحدة بدلا من جذب الاستثمارات من الصين”. يتبين جلياً أنّ الإبعاد أو الإقصاء للدول التي تعتبر اتجاهاتها السياسية تميل إلى مع من يقف مع محور المقاومة، فـ تستخدم سياسة الكيل بمكيالين، لتُحقق في النهاية غاياتها الصهيو أمريكية، في السيطرة على السياسة العالمية، فترفع أسهم بلدان على حساب أُخرى، حسب مواقفها من القضية الفلسطينية.
فالحدث الجلل الذي بنى عليه ترامب وشركاه، في اتفاقية الشراكة ما سمي بالسلام، وكأن واشنطن هي حمامة السلام الموعودة، التي ستحقق مالم يستطع الآخرون تحقيقه، أو كأنها الطبيب الذي سيداوي جراح الإرهاب الذي صُنع في معاملها.
الملفت أنّ الحياء السياسي تُجاه القضايا الجوهرية للشعوب، بدأ يتلاشى رويدًا رويدًا، لدى بعض الحكومات العربية والإسلامية خصوصاً، فالذي يجمعهما لا يجمعهم مع الغرب، من اللغة والقرابة المجتمعية والرابط الديني، لكن بعض هذه الدول كانت تُعتبر في الماضي سندًا لها في المحافل الدولية، لتحقيق غايات هذه المحافل الدولية التي تنتظم وفق قوانين عالمية.
هندسة استراتيجية تفوق الوصف رسمتها جماعات الضغط اللوبي الصهيوني، لأنها أدركت أنّ التفكير العربي قابل للتفكك عبر مصطلحات منمقة كالسلام والديمقراطية، فتكون في منأى عن غضب الشياطين في السياسة، فلا تصل لها شظاياها العسكرية.
ورغم أنّ الانتصار السوري شكّل تحديًا قويًا لمحور واشنطن، وفرصة ذهبية لدول التطبيع، لتشكل تحالفًا عربيًا قويًا، ولتُعيد أمجاد التضامن العربي في وجه سياسات الغرب الإرهابية المدمرة، لكنها فضلت الاتجاه الى التطبيع مع اسرائيل، لتُغير بهذا التطبيع اتجاه المجذاف لصالح الكيان الغاصب، الذي يغرق بهزائم لم ينساها منذ 2006، وليُحقق حلم اليهود في تحقيق الدولة المنشودة من النيل الى الفرات على حساب تضحيات 100 عام للشعب الفلسطيني المقاوم.
في المحصلة، بات واضحاً أن مسار التطبيع مستمر، ومن الواضح أيضاً أن ما جرى لا يُعد في أركانه سوى بنداً من بنود صفقة القرن، وعلى الرغم من حالة الألم التي تعتصر قلوب الفلسطينيين وكل المتضامنين مع القدس والشعب الفلسطيني، إلا أنّ الحرب ما زالت مستمرة، وباستمرارها ستؤخذ الحقوق، إذ لم يعد ممكنًا بعد اليوم، ومع إتضاح الصورة والمشهد الشرق أوسطي، لم يعد الصمت ولغة الشعارات واردة في هذا الإطار، فلابد من وضع النقاط على الحروف، واستنهاض كل القوى الوطنية والشعوب الحرّة، للوقوف في وجه تهويد القدس والقضية الفلسطينية.
كاتبة سورية