تحولات هامة في الكونغرس الأميركي

ثلاثاء, 04/13/2021 - 21:47

د. سنية الحسيني
أدى التحول المستمر نحو اليمين في إسرائيل وانتصار الحكومة الإسرائيلية اليمينية الواضح لرؤية «إسرائيل الكبرى»، والمتمثلة باستمرار الاحتلال والتوسع الاستيطاني في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام ١٩٦٧، إلى نفور الديمقراطيين والمعتدلين والتقدميين في الكونغرس الأميركي من سياساتها. وجاء دعم الرئيس دونالد ترامب وإدارته المطلق لسياسات إسرائيل ليزيد من حدة النفور. فقد أكد جو بايدن مرشح الحزب الديمقراطي للرئاسة في أحد نشاطات حملته الانتخابية، بأن موقف الولايات المتحدة لا يتفق مع ضم الاحتلال الإسرائيلي لأراضي الفلسطينيين. وقد تزامن موقف بايدن مع رسالة أرسلها 107 من أعضاء مجلس النواب الديمقراطيين إلى إدارة الرئيس ترامب يدينون فيها قرار الإرادة المخالف لسياسة الولايات المتحدة الأميركية التقليدية الطويلة المعارضة لبناء المستوطنات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وأعربوا عن معارضتهم لما يسمى بـ «صفقة القرن»، معتبرين أن هذه الصفقة لا تتوافق مع السلام.
ولكن من هم هؤلاء النواب الديمقراطيون الذين مثلوا هذه الكتلة الكبيرة نسبياً في الكونغرس لصالح الفلسطينيين في تطور يعد تاريخياً لهم؟ إنهم الديمقراطيون التقدميون، الذين أصبحوا يشكلون كتلة تعد الأكبر في اطار الحزب الديمقراطي اليوم، وتضم حوالي 97 نائباً من أصل 233 نائباً ديمقراطياً في مجلس النواب. ويعد السناتور بيرني ساندرز من أبرز الشخصيات السياسية التقدمية التي تحظى بدعم شعبي واضح، وقد أسس ساندرز هذه الكتلة بعشرة أعضاء فقط في عام ١٩٩١، عندما كان نائباً في مجلس النواب. وشهد الحزب الديمقراطي تحولاً أيديولوجياً ملحوظاً في الولايات المتحدة على مدار السنوات الماضية، حيث انقسم الحزب إلى كتلتين رئيستين من الوسطيين والتقدميين، بعد انحسار نسبة الاعضاء المنتمين للكتلة المحافظة في الحزب. وهناك إلى جانب ساندرز كل من السناتور إليزابيث وارن والسناتور كامالا هاريس، اللتين تعتبران من القادة البارزين في الاتجاه التقدمي في الكونغرس.
ويدعم التقدميون في الكونغرس، بمجلسيه الشيوخ والنواب، خصوصاً في السنوات الأخيرة، الفلسطينيين، بعد تصاعد حدة مواقف الحكومات الإسرائيلية اليمينية ضدهم. ويعتبر التقدميون تياراً يسارياً داخل الحزب الديمقراطي، له توجهات أكثر انفتاحاً وجرأة من سياسات بقية أعضاء الحزب، ويمكن تصنيفهم بأنهم في يسار الحزب الديمقراطي. ويميل هؤلاء في القضايا الداخلية إلى الحلول الأكثر جرأة وحسماً، فهم على سبيل المثال يدعون إلى توفير رعاية صحية مجتمعية شاملة تحت اشراف الدولة، ويميلون باتجاه توفير تعليم جامعي مجاني في الجامعات الحكومية، كما يدعمون المهاجرين والمثليين وغيرهم من الأقليات العرقية، ويعتبرونهم جزءا أصيلاً ومتساوياً في الحقوق والواجبات في المجتمع. ويطالب هؤلاء أيضاً بالتعامل بشكل حاسم مع عنف رجال الشرطة تجاه الملونين. وفي العلاقات الخارجية للولايات المتحدة، يميل التقدميون لتقليص التواجد والتدخل العسكري الأميركي خارج حدود البلاد، واقتصار ذلك على التدخلات الأخلاقية في مجال حقوق الإنسان والحفاظ على البيئة.
وتصاعدت مكانة التقدميين الديمقراطيين وشعبيتهم في الولايات المتحدة في السنوات الأخيرة مع بروز توجه بات يستاء من السياسات التقليدية والحلول الوسطية للحزب الديمقراطي، فزاد دعمهم للسياسات والمواقف الجريئة في طرح الحلول لمشاكل البلاد الداخلية. وعكس فوز ساندرز في الانتخابات التمهيدية عن ولاية ويسكونسن مدى المصداقية والمكانة التي حققها التيار المتمرد في الحزب الديمقراطي. ورغم هزيمته أمام هيلاري كلنتون في الترشح للرئاسة، الا أن شعبيته ألهمت المزيد من التقدميين للنزول والمنافسة في انتخابات مجلس النواب عام ٢٠١٨ والتي جاءت بكل من ألكسندريا أوكاسيو كورتيز، وإلهان عمر، والفلسطينية الأصل رشيدة طليب، وغيرهم في الانتخابات التالية ممن تغلبوا على المرشحين الديمقراطيين التقليديين وحلوا مكانهم مثل جمال بومان وكوري بوش وماري نيومان.
وعلى الرغم من أن الحزب الديمقراطي عموماً انتقد عمليات الاستيطان الإسرائيلية وسياسة الضم والتهديدات المباشرة الأخرى لحل الدولتين، فقد ركز الديمقراطيون التقدميون بالإضافة إلى ذلك على حقوق الفلسطينيين. وهناك مجموعة برلمانية صغيرة ناشطة من الاعضاء التقدميين منهم كورتيز وطليب وعمر، تعمل بقوة في مجلس النواب للتصدي للدعم السياسي غير المحدود للأرثوذكسية البروتستانتية (الافنجليكلز) لدولة الاحتلال. وأرسل أكثر من ثلاثة عشر نائباً تقدمياً في الحزب الديمقراطي في شهر حزيران من العام الجاري رسالة لوزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، تطالب بقطع المساعدات الأميركية عن إسرائيل في حال مضى نتنياهو وحكومته قدماً بعملية الضم. وما هو جدير بالملاحظة في هذه الرسالة أنها اعترضت على الضم انطلاقاً من انتهاكها لحقوق الفلسطينيين، فجاء فيها: «سيديم الضم ويكرس انتهاكات حقوق الإنسان ضد الشعب الفلسطيني، بما في ذلك القيود المفروضة على حرية التنقل، والمصادرة الجماعية للأراضي الفلسطينية المملوكة للقطاع الخاص، وزيادة توسيع المستوطنات غير القانونية، ومواصلة هدم المنازل الفلسطينية، وفقدان السيطرة على مواردهم الطبيعية».
وكانت كورتيز قد ألغت مشاركتها في إحياء ذكرى مرور 25 عاماً على اغتيال يتسحاق رابين، نهاية شهر آب الماضي بعد ضغوط من منظمات مؤيدة للفلسطينيين. كما يأتي مشروع القانون الذي تقدمت به عضو الكونجرس، بيتي ماكولوم، والذي يهدف إلى إنهاء الاعتقال العسكري الإسرائيلي للأطفال الفلسطينيين، أول مشروع قانون يتم تقديمه في الكونغرس لدعم حقوق الإنسان الفلسطيني. شكل ذلك التطور في الكونغرس لصالح الفلسطينيين دليلاً آخر على ذلك التحول. ومن المرجح أن تستمر هذه الأصوات التقدمية في إعلاء صوتها من داخل مجلس النواب بغض النظر عمن سيصعد للبيت الأبيض في الانتخابات الرئاسية الحالية.
ومن المعروف أن بايدن وكاميلا هاريس المرشحة لمنصب نائب الرئيس يؤيدان إسرائيل بشكل عام، كما أن ساندرز يهودي، وكثير من الأعضاء التقدميين إما يهود أو داعمون لإسرائيل. وتتقاطع سياسة التقدميين الديمقراطيين مع سياسة منظمة «جي ستريت» اليهودية الأميركية، التي تدعم حل الدولتين، بينما تبتعد مواقف هؤلاء عن سياسة منظمة الايباك اليهودية الأكثر محاباة لمواقف إسرائيل. وقد يعكس هذا التحول لدى الديمقراطيين التقدميين تجاه الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي حرصهم على مصلحة دولة إسرائيل انطلاقاً من أن تشدد الحكومات الإسرائيلية اليمينية قد يضر بمستقبل الدولة اليهودية الأحادية القومية، ويفتح الباب أمام حلول غير مرغوب فيها، كحل الدولة الواحدة الذي ينطوي على التمييز العنصري «الأبارتهايد».
وبغض النظر عن هوية رئيس الولايات المتحدة القادم، فقد أبرزت نتائج انتخابات أول من أمس استمرار سيطرة الديمقراطيين على مجلس النواب. وفي حالة فوز بايدن بالرئاسة من المرجح أن يتعزز دور التقدميين وتأثيرهم في دعم عملية السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين. أما في حال فوز ترامب بالرئاسة فمن المتوقع تصاعد حالة الاستقطاب والمواجهة في مجلس النواب بين ترامب وادارته من جهة، والأكثرية الديمقراطية عموماً والتقدميين خصوصاً من جهة أخرى. ومن المرجح في حال فوز بايدن، أن تحث الولايات المتحدة إسرائيل الانخراط في عملية سلمية وتفاوضية مع الفلسطينيين، تماما كما حدث في عهد الرئيس الأميركي باراك أوباما ورئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت ما بين عامي ٢٠٠٨ و ٢٠٠٩. وفي حال فوز ترامب بالرئاسة وفوز الديمقراطيين في مجلسي النواب والشيوخ فإنه سيصبح بطة عرجاء.
كاتبة فلسطينية

الفيديو

تابعونا على الفيس