تعتبر قناة السويس واحدة من أهم المضائق في العالم وهي بمثابة شريان حيوي للتجارة الدولية تربط بين آسيا وأوروبا، ويمر عبرها سنوياً حوالي ١٩ ألف سفينة محمّلة بما يزيد على المليار طن من البضائع أو حوالي ١٣٪ من تدفق التجارة الدولية.
القناة توفّر الكثير من الوقت والمال إذا ما قورنت بالمسار التقليدي تاريخياً للسفن والمتمثل بمسار رأس الرجاء الصالح جنوبي القارة الأفريقية باتجاه أوروبا، وهو مسار يتطلب حوالي ٧ أيام إضافية من الإبحار مقارنة بمسار السويس، علاوة على التكاليف المتعلقة به.
وتشكّل القناة كذلك مصدر دخل أساسي لمصر باعتبارها توفّر عملة صعبة تبلغ سنوياً حوالي ٦ مليارات دولار، وتعطي أهمية جيوبوليتيكية خاصة للدولة المصرية ولدور القاهرة على المستوى الإقليمي والدولي.
في العام ٢٠١٥، افتتحت الحكومة المصرية تفريعة جديدة للقناة كلّفت الدولة مليارات الدولارات، واعتبر النظام أنّها تمثّل ولادة جديدة لمصر. كان الهدف من الإنفاق الهائل على هذا المشروع والتضخيم الإعلامي الذي رافقه إعطاء صورة مغايرة عن النظام، وتحسين صورته داخلياً وخارجياً على أمل أن تؤدي كذلك في نهاية المطاف إلى تعزيز حركة الشحن وتحقيق المزيد من الإيرادات.
لكن تبيّن فيما بعد أنّ هذه التفريعة ليست بالأهميّة المذكورة ومقارنة بالـ٨ مليارات التي تمّ إنفاقها عليها ليست بذات جدوى اقتصادية أو لوجستية، كما أنّ الاتفاقات الأخيرة بين الإمارات وإسرائيل والمشاريع المقترحة المصاحبة لها كمشروع إحياء أنبوب إيلات ـ أشدود الإسرائيلي لنقل نفط الخليج إلى إسرائيل وأوروبا، من المتوقع أن يؤدي إلى خسارة القناة حوالي نسبة مهمّة من إيراداتها. علاوةً على ذلك، فإنّ إحتمال بروز أو إنشاء مسارات بحريّة جديدة للملاحة الدولية و/أو إمكانية استخدام خط بحر الشمال أو حتى البنية التحتية لطريق الحرير المستقبلية كلّها تقوّض من أهميّة القناة بشكل متزايد.
تعتبر قناة السويس واحدة من أهم المضائق في العالم وهي بمثابة شريان حيوي للتجارة الدولية تربط بين آسيا وأوروبا، ويمر عبرها سنوياً حوالي ١٩ ألف سفينة محمّلة بما يزيد عن مليار طن من البضائع أو حوالي ١٣٪ من تدفق التجارة الدولية.
في الثلث الأخير من الشهر الماضي، علقت سفينة شحن عملاقة "إيفر غيفن" في القناة عندما التفّت داخلها وعلى متنها ما قيمته حوالي ٣.٥ مليارات دولار. أغلقت السفينة الضخمة القناة مانعة بذلك تدفّق ما قيمته حوالي ٩ مليارات دولار من البضائع يومياً، ومجبرة حوالي ٤٠٠ سفينة على التكدّس في مدخلي القناة.
ونتيجة لحالة الخوف وتأثر التجارة الدولية وارتفاع التكاليف وفشل محاولة تعويم السفينة عدّة مرات خلال ستة أيام، عرضت العديد من دول العالم مساعدة مصر على تجاوز الأزمة. وفقاً لبعض التقديرات، فإنّ الخسائر الناجمة عن توقف إيرادات القناة كانت تكلّف مصر حوالي ١٥ مليون دولار يوميا. واستناداً إلى تقديرات رئيس هيئة قناة السويس أسامة ربيع، فإنّ الخسائر الكليّة الناجمة عن الإغلاق العرضي للقناة قد تتجاوز المليار دولار.
الحادثة بحدّ ذاتها تعطي فكرة عن عدم جهوزية الأنظمة العربية للتعامل مع الحالات الطارئة حتى في الأمور التي تعتبر ذات أهمّية حيويّة للدولة والنظام والشعب. قناة تدر مليارات الدولارات سنوياً ويعتمد عليها العالم برمتّه في التجارة الدولية لا يتم إعداد محاكاة مسبقة لسيناريوهات إغلاق القناة وخيارات تحريرها من الإغلاق وما يترتب عن ذلك بالنسبة إلى مصر، علماً بأنّها ليست المرة الأولى التي يحصل فيها مثل هذا الأمر إذ سبقتها حالات مشابهة في عام ٢٠٠٤ و٢٠٠٦.
هذه الحادثة ستسلط الضوء من دون شك على الاعتماد المتزايد للتجارة العالمية والسفن العملاقة على ممرات ضيقة عالية الخطورة، كما أنّها ستطرح موضوع البدائل المستقبلية على طاولة البحث سيما في ظل المخاطر المتزايدة للاعتماد على ضمانات غير ذات مصداقية.
إغلاق المضائق أو قطع الطريق أمام السفن ليس أمراً طارئاً، وسبق أن تمّ استخدامه كتكتيك عسكري في العصور الغابرة، حيث استخدمه البيزنطيون على سبيل المثال قبل حوالي ألف عام في القرن الذهبي (إسطنبول حالياً) لمنع السفن من الدخول إلى الميناء من خلال إنشاء سلسلة ضخمة، وقد استطاع السلطان محمد الفاتح الالتفاف عليها عند فتح القسطنطينية. لا يزال التكتيك نفسه مستخدماً حيث استخدمته روسيا ضد أوكرانيا قبل عدّة أعوام فقط على سبيل المثال، كما تهدّد إيران دوماً بإمكانية إغلاق مضيق هرمز.
وبالرغم من أنّ النقاش انحصر بشكل كبير حول التداعيات الاقتصادية لهذه الحادثة ومدى ارتباطها بالتجارة الدولية، إلاّ أنّ الأكيد أنّ معاينتها والاستفادة من دروسها سيخضع من دون شك لاهتمام أكبر كذلك من قبل المخططين العسكريين في القوى الكبرى لاسيما الولايات المتّحدة والصين.
الصين باتت حاضرة بشكل متزايد في المنطقة، والممرات البحرية العالمية تنقل بشكل أكبر من حوالي عقدين من الزمن المزيد من البضائع الصينية من الشرق إلى الغرب والعكس بالعكس مع تقدّم الاقتصاد الصيني إلى المرتبة الثانية عالمياً وسط توقعات بأنّ يتحوّل إلى أكبر اقتصاد في العالم قريباً. في المقابل، فإنّ هذه المضائق تعدّ طريقاً أساسياً لمرور وتمركز القطع الحربية وحاملات الطائرات الأمريكية العملاقة في المياه المجاورة.
إغلاق بعض المضائق قد يكون حاسماً في أي حرب مستقبلية ليس على المستوى التجاري فحسب وإنما العسكري أيضاً.