لقاء مثير تم في شاليه داليا بالساحل الشمالي.. جلست المليونيرة الجميلة أمام الساحر الخطير وهي لا تصدق أن الانتقام اقترب من أن يكون واقعا ملموسا.. عرضت علي الساحر مليون جنيه وطلبت منه أن يعلمها السحر الأسود!.. وسال لعاب الساحر وهو يتسلم الشيك!
لم يكن ينقصها المال، فقد كان تحت يديها ما يكفي لتنفق منه عشرات السنين!
ولا الجمال كان ينقصها، فقد كانت تصيب الرجال من النظرة الأولي بالارتباك، والنساء بالغيرة والحسرة فهي فتنة للناظرين!
الذكاء الحاد ساعدها علي التفوق الدراسي، لكنها اكتفت بالليسانس، واستكثرت علي شبابها أن تهينه في تحضير الماجستير والدكتوراه، هكذا كانت تعتقد!
الدنيا فتحت لها ذراعيها منذ نعومة أظافرها.. الحظ كان صديقا مخلصا لها، تجده حيثما أرادت ووقتما تمنت!.. هوايتها الوحيدة هذا الكمان الذي كانت أوتاره تطاوعها رغم أنها لم تدرس الموسيقي.. ربما كانت بين الأوتار وأصابعها علاقة حب.. واحترام.. أثمرت عن أعذب الألحان!
لكن قلبها الأسود.. كان مشكلتها الوحيدة.. لم تعرف طعم الحب.. عشقت نفسها حتى غرقت في نرجسية أبعدت عنها الناس أو أبعدتهم هي عن نفسها عمدا مع سبق الإصرار.. لم تسمح لمخلوق أن يشاركها القمة.. أو حتى القاع.. فهي التي تملك ولا تسمح لغيرها أن يتملك!
كانت سمر صديقتها الوحيدة التي تحملتها وتحاملت علي نفسها حتى لا تفقدها.. أو تتركها وحيدة.. سمر كانت تحترم العيش والملح بينما داليا كانت تعتبرها أداة من أدوات حياتها!
تزوجت داليا ثلاث مرات وفشلت.. الزوج الأول هرب من جحيم كبريائها.. والثاني رفض أن يتحول إلى طرطور!.. والثالث انتقم لمن قبله وأسقطها من عليائها أمام صديقاتها ووسط النادي الذي تمشي بين طرقاته كالطاووس.. ضربها وأهانها وألقي عليها يمين الطلاق ثم رمي دبلتها فوق الأرض وداسها بحذائه!
قررت داليا أن تنتقم.. ويا لها من انتقام حسناء بيضاء البشرة، سوداء القلب!.. جلست تفكر في رد الصاع صاعين وإبليس يراقبها ليتعلم!
لم تعجبها فكرة استئجار قاتل محترف، ربما انتهي الأمر بالقبض عليه واعترافه عليها، فتكون قد خسرت أكثر مما كسبت!.. واستبعدت فكرة تجنيد إحدى الحسناوات لتعمل في مكتبه ثم تلفق له تهمة التحرش فتكون فضيحته بجلاجل وتدمر سمعته التي يتباهي بها!.. خافت داليا ان تقع الحسناء في غرامه فتنقلب عليها وتصارحه بتفاصيل المؤامرة!
ليلة كاملة قضتها داليا تبحث في فنون كيد النساء عن الوسيلة التي تشفي غليلها وتعيد إليها كبرياءها الضائع وتسرد بها كرامتها المهدرة!
فكرت في أن تشيع عن طليقها الشذوذ وسوف يصدقها الناس فقد كانت زوجته وأدري الناس بأسراره.. لكنه سلاح غير مضمون، فلو لم يصدقها الناس سوف يعرف هو انها مصدر الشائعة ويستخدم نفوذه وربما حاربها بنفس السلاح مثلما حدث مع إحدي رواد النادي الشهير حينما أشاع طليقها أنها مريضة بالإيدز فابتعدت عنها النساء وأوقف حالها في سوق الرجال ودمرها نفسيا!
•••
أخيرا وجدت الحل بعد عناء طويل مع أفكار شريرة لا حصر لها.. اتصلت "بسمر" الصديقة الوحيدة التي بقيت معها.. سألتها عن الساحر الذي كانت تتحدث عنه ذات يوم وجذبت الانتباه بما كانت ترويه عن القوي الخفية التي بهر بها الناس، والسحر الأسود الذي تشيب من حكاياته الرؤوس وتقشعر الأبدان.. قالت لسمر إنها تريد أن تتعرف علي هذا الساحر وتدفع له أضعاف ما يريد، بشرط أن يجعل فهمي عبرة لمن يعتبر، يأخذ منه رجولته، يشتت فكره، يفسد صفقاته، وياحبذا لو جعله منبوذا بين الرجال، مكروها بين النساء، حتى يأتي إليها ذليلا، مكسورات مقهورا، يطلب الصفح أمام كل الذين أهانها أمامهم!
ورغم أن داليا كانت تعتبر سمر صديقتها الوحيدة التي تريحها ولا تعصي لها أمرا، فإن سمر كانت تخفي بينها وبين نفسها اعتراضها علي كل أخلاقيات داليا، ولا تحرص علي صداقتها إلا من باب المنفعة والمصلحة، ومع هذا انتفضت سمر تحذر داليا من اللجوء إلى السحر والذهاب إلى السحرة، فهو باب من أبواب الكفر وقلة الإيمان، ويفتح أبواب الغضب من السماء!.. لكن داليا ظلت علي إصرارها، وظلت سمر لأول مرة علي اعتراضها كيلا تكون شريكة في جريمة تجلب الشقاء!.. قالت لها داليا: هذا فراق بيني وبينك!.. وردت سمر بالموافقة!
انقطعت علاقة الصديقين.. واستمرت داليا في بحثها عن الساحر المرعب.. فتحت خزائنها فظهر المتطوعون!.. تقابلت مع الساحر في شاليه الساحل الشمالي لتضمن أنها بعيدة عن العيون.. ووافق الساحر بعد أن سال لعابه والشيك القابل للصرف في يده.. تحمل قوة برد الشتاء وكان أمام داليا في الشاليه المواجهة للبحر في تمام الموعد!
ويبدو ان الساحر وجد ضالته في داليا فقرر أن ينتهز الفرصة التي لا تأتي في العمر سوي مرة واحدة.. عرض علي داليا أن يعلمها السحر مقابل مليون جنيه حتى لا تتكرر مقابلاتهما وتتخلص داليا من حرصها الزائد علي ألا يراها أحد!.. ووافقت الحسناء صاحبة القلب الأسود والبشرة الشقراء.. وفتح الساحر مدرسته ليلقن دروسه الخاصة للصيد الثمين!
مرت الأيام.. وحصلت داليا علي شهادة التخرج من المشعوذ الخطير!
عادت داليا إلى فيلتها سعيدة بالتجربة التي دفعت مليونا من الجنيهات ثمنا لها، وربما دفعت ثمنا آخر من لوازم السحر الأسود!
الغريب أن فهمي طلق زوجته الجديدة فاعتقدت داليا أنها بدأت تجني الثمار وتحقق النجاحات بعد أن أنهت المهمة السرية التي خاضتها!.. لكن فجأة بدأ الشحوب والهزال يظهران علي داليا.. فقدت معظم وزنها.. أحاطت عينيها هالات سوداء.. تراجع جمالها.. وأصاب أنوثتها برود ظاهر!
استغاثت داليا بصديقتها القديمة.. بكت حتى غطت الدموع وجهها.. طلبت منها ألا تتركها وحيدة. صارحتها بالخيالات التي تراها ليلا.. والاكتئاب الذي يصيبها نهارا.. والعجز عن الحركة معظم الوقت والخوف من دخول الحمام حيث تسمع وتشعر بما لا تراه!
كانت سمر تعرف ان صديقتها تجني ثمار لعبة مخيفة، ونهاية متوقعة لقلب أشد سوادا من قرن الخروب وأشد قسوة من الحجارة!.. ومع هذا لم تتخلي عن داليا التي ساءت صحتها مع الأيام!.. أبلغت سمر المباحث ضد الساحر الذي اختفي كفص ملح ذاب!.. وحملت داليا فوق مقعد متحرك إلى أحد كبار الدعاة.. صارحته داليا بكل كبيرة وصغيرة في حياتها، وبكت وهي تسأل عن ذنوب تجاوزت كل الحد!.. وكانت إجابة الشيخ الكبير موجزة.. ركعتان بقلب مخول بالتوبة والندم!
العجيب أن داليا طلبت من صديقتها أن تعلمها الوضوء وكيفية الصلاة.. والأهم أن داليا أمرت سمر أن تحرق كل الكتب التي نسختها من كتب الساحر، خاصة الكتاب الأخير التي عرفت منه كيف تدخل إلى عالم السحر السفلي دون أن تستوعب كيفية الخروج!
بدأ الناس يتندرون بشبح المرأة التي كانت جميلة الجميلات قبل ثلاثة أعوام فقط، لكن السماء لا تفرق بين التائبين، بل ربما كان شبح داليا مخطئ وأكثر حظا في الاقتراب من حالة الصفاء!
حاول فهمي زيارة داليا من باب المواساة، لكنها رفضت استقباله.. أغلقت تليفوناتها واكتفت بحياتها الخاصة الجديدة بين غرف فيلتها وهي تتنقل بمقعدها المتحرك برعاية سمر في معظم الوقت!
المثير أن داليا تعكف الآن علي كتابة مذكراتها.. تملي علي سمر كل أسرارها تحت عنوان "المرأة الشبح تعترف!".. لكن وصيتها ألا ينشر الكتاب إلا بعد وفاتها!