لا أتذكر أول مقال كتبته ضده، لكني أذكر أنني في نهاية سنة 1996 كتبت مقال "صحافة الخدامين"، الذي كشفته فيه استخدام وزير الاعلام المصري صفوت الشريف بعض الصحف وعدد من الصحفيين في مهام لصالحه!
وكنت حينئذ أكتب مقالاً أسبوعياً يتمدد على ثلاثة أعمدة (أقل من النصف صفحة بعامود) بطول الصفحة، وفي قلبه صورة مرسومة للشخصية المهمة التي تناولها المقال، وقد كانت له. وأذكر أن أحد رؤساء التحرير الذين رأوا أن المقال يستهدفهم اتصل برئيس تحرير "الأحرار" الدكتور صلاح قبضايا شاكياً، وكيف أن الوزير صفوت الشريف اتصل به وعنفه، واتهمه بأنه لا تأتي من تحت رأسه سوى المصائب، وأنه لولا خلافنا لما أدخلته أنا في جملة مفيدة. ولم يكن هذا صحيحاً بإطلاق، بدليل أن كتابتي ضده استمرت حتى قيام الثورة، وعندها رأيت أنه ليس من المروءة أن يتعقب المرء فاراً أو يجهز على جريح!
وإذ تولى الدكتور كمال الجنزوري رئاسة الوزارة، وكان واضحاً أنه يريد أن يتصرف على أنه الرجل الأول في الحكومة فعلا وليس خيال مآته، بعد تجربة رئيس الوزراء المستكين الدكتور عاطف صدقي، الذي كان يبدو أنه "رجل بركة" وطيب ومتنازل عن دوره ولهذا استمر لثماني سنوات في موقعه. وكانت هذه ملاحظة إبراهيم نافع، نقيب الصحفيين، بعد أول لقاء حضره رئيس الحكومة الجديد بعد تعيينه مباشرة، في اجتماع أعضاء مجلس النقابة وعدد من رموز المهنة مع مبارك، بعد أزمة قانون الصحافة الشهير 95 لسنة 1993، فقد كان الجنزوري يتحدث في حضرة الرئيس، ويجادل ويعترض!
وقد دخل الجنزوري في معركة تحجيم مراكز القوى، ممن كانوا أكبر من أي رئيس حكومة، وهم وزير شؤون البرلمان كمال الشاذلي، ووزير الإعلام صفوت الشريف، ويوسف والي، نائب رئيس الوزراء ووزير الزراعية والأمين العام للحزب الحاكم. وبدأت المعركة في محافظة المنوفية، حيث تعد الباجور الدائرة الانتخابية للشاذلي ومسقط رأسه أحد مدنها، وبدا المحافظ المستشار عدلي حسين يتحرش به، ويعمل على هز هيبته هناك، وإن كان قد نجح التكتل الأخير في إبعاد المذكور عن المحافظة، ليعينه الجنزوري محافظاً للقليوبية. فقد استمرت المعركة، وكان يساند الجنزوري فيها الرجل القوي في الحكومة وزير الدولة لشؤون مجلس الوزراء والمتابعة، المستشار طلعت حماد، ورغم أن اختصاصه الوظيفي في حدود القيام بأعمال السكرتارية لرئيس الحكومة، الا أنه كان حاداً وسليط اللسان في التعامل مع الوزراء، إلى درجة أنه نقل عنه أنه سب أحد الوزراء القدامى، وكان الرجل مهذباً فلم يصد أو يرد!
وقد استمر على سلاطة لسانه هذه حتى بعد الإطاحة بالجنزوري وبه بطبيعة الحال، وإذ كان عائداً من الخارج فقد رفض الدخول من صالة كبار الزوار، ووقف يطلب بصوت جهير من رجال الجمارك أن يفتشوا حقائبه، مما وضع مدير أمن المطار في حرج، وهو يهتف أنه ليس حرامي، لكن الجميع يعلمون من الحرامي في هذا البلد. وكان تلميحاً يغني عن أي تصريح، كل هذا أمام الناس، ولم يتمكنوا من إسكاته ووقف تطاوله في جلساته الخاصة، إلا بالطريقة الخاصة لأي نظام مستبد!
وذلك في وقت تحول فيه الأسد "كمال الجنزوري" إلى حمامة، وقد لزم داره بعد واقعة حمله على الأعناق عقب صلاة أول جمعة له بعد خروجه من الوزارة، وأوصله المصلون إلى منزله في مظاهرة، وهو أمر يخيف أي إنسان في هذه المرحلة، لا سيما إذا كانت سمعة الجنزوري حسنة في الشارع المصري ولدى العامة والنخبة على حد سواء، ونسجت الأساطير حوله وعن مواقف له في مواجهة النفوذ المتصاعد لجمال مبارك، تبين بعد الثورة وعندما لم يكن هناك خوف من العقاب أنها ليست صحيحة جملة وتفصيلاً.
وإذ تأخر احتفال القوات المسلحة بعيد السادس من أكتوبر هذا العام بسبب التعديل الوزاري، فقد طلب الجنزوري من المشير محمد حسين طنطاوي أن يحضر هذا الاحتفال، وقيل إنه عرض الرغبة على مبارك فوافق على حضوره، لتكون هذه المرة الأخيرة له التي يظهر فيها في محفل عام، وقد شاهدته بعد ذلك بسنوات خارجاً من معرض سيارات بوسط البلد، وتردد أن صاحبه صديقه!
كنت حاضراً هذه الاحتفال، وكان مبارك وقيادات الدولة في مقصورة في الجانب الذي نحن فيه، في حين كان ضباط وجنود الجيش يجلسون في الناحية المقابلة لنا ولهم، وإذا حدث تصفيق حاد من جانبهم، وهم من يشاهدون الداخل للمقصورة، فقد ظننت أن الرئيس وصل، قبل أن أكتشف أنها حفاوة برئيس الحكومة المعزول، والذي كان من الذكاء بحيث أنه لم يرد التحية لرجال القوات المسلحة الذين استقبلوه بوابل من التصفيق، حيث وضع عينيه في الأرض، وأعطاهم ظهره، قبل أن يجلس، ولأنهم كانوا في مواجهته فقد استمر مشغولاً بالنظر في موضع قدميه!
ولأن التفاصيل مهمة في هذه اللحظة، فقد راعني أن الوحيد من الوزراء الذي قام من مقعده وذهب إليه ورحب به هو وزير الخارجية، عمرو موسى، الذي صافحه وانحني له والجنزوري جالس في مكانه، وكان الوزير يضم يديه ولا يتوقف عن هز رأسه، وهو يتحدث إليه، وكأنه يبلغه امتنانه، أو يقول له إنه سيكون في خدمته إذا احتاج لشيء! بينما أشاح فاروق حسني وزير الثقافة بوجهه في "الاتجاه المعاكس"، وكان لا يخفي امتعاضه، ولم يصافحه مع أن الفاصل بينهما هو مقعد واحد أو مقعدان. وبعد ذلك روى لي حسني سبب ذلك عندما سألته، وقال إنه لم يكن من الوزراء المقربين للجنزوري، وكان مبارك قد كلفه بتشكيل الحكومة الجديدة قبل أن يطيح به بعد ثلاثة أسابيع وقبل تشكيلها، وقد اتصل الجنزوري بوزير الثقافة وطلب منه أن يغادر مكتبه من الآن، لأنه لن يكون معهم في الوزارة القادمة.
وقال إنه بدأ بالفعل في لملمة أشيائه في المكتب قبل أن تنصحه مديرة مكتبه السيدة خديجة لملموم بالاتصال بـ"الهانم"، وكان هو يائساً من العائد من هذا الاتصال، وقال لها: وماذا سيفيد الآن؟ فكان جوابها وكلها أمل: جرب، وإذا اتصل بزوجة مبارك، شاكراً على الفترة التي قضاها في الوزارة، فسألته وهي في دهشة (بحسب روايته): "فيه إيه يا فاروق"؟! فأخبرها بأن الدكتور الجنزوري طلب منه مغادرة الوزارة، لتطلب منه ألا يغادر، وأنه مستمر مع الوزارة الجديدة!
وقد تلقى وزير التعليم حسين كامل بهاء الدين اتصالاً شبيهاً من رئيس الوزراء المكلف، فغادر في التو واللحظة، وانطلقت الزغاريد تهز أركان المبنى العتيق، وجلس في بيته خلال هذه الفترة، لتشكل الوزارة ويستمر هو وزيراً بينما يطاح برئيس الحكومة. وعندما حكى لي ما جرى، قال وصفاً للمرحلة السابقة: "أياما سوداء لا أعادها الله"!
ولا شك أن هذا الطلب المبكر من الوزراء بمغادرة مواقعهم يكشف حالة الخشونة المنتجة للرعونة التي كان يتسم بها الجنزوري، فلم يلق بالاً إلى أن من بين الوزراء الذين يكرههم هم من لهم اتصال مباشر ببيت الرئيس، وإقالة هؤلاء لا تصلح لها سوى المفاجأة، كما فعل خليفته عاطف عبيد، عندما أراد التخلص من وزير الصحة الدكتور إسماعيل سلام، المقرب من "الهانم" وكان يمثل مصر في مؤتمر طبي في الخارج، وانتهز أن يسأل عنه مبارك سؤالا روتينيا ليفيده بأن معلومات بلغته بأنه على سفر، فهو يتعالى عليهم ولا يحيطهم علماً بسفره، فاتخذ مبارك قرار عزله في التو واللحظة! لكن، كيف للدكتاتور كمال الجنزوري أن يتصرف بهذه النعومة؟!
وقد خرج كمال الجنزوري من الحكومة، لكنه ظل محبوباً من الناس، حتى كتب أحد الصحفيين: كيف أحب المصريون دكتاتوراً بهذا الشكل؟! وكتبت رداً عليه بأن الشعب لم يصله شيئاً من هذا، فمن كان يجرؤ على الاقتراب من رحاب كمال الجنزوري وهو في السلطة؟ لقد تركته الصحافة حتى بنى له الشعب شخصية في ذهنه، ليس فيها كثير من الحقيقة، وربما ما وصل للناس أعجبهم عن تصديه لمراكز القوى من جمال مبارك (ولم يكن من بين الروايات التي راجت بين الناس رواية واحدة صحيحة). وأفخر بأني كتبت ضده أكثر من مرة، وقد استدعى زميلنا مندوب مجلس الوزراء إلى مكتبه، ليسأله سؤالاً واحداً: إن كنت أفعل هذا بتنسيق مع كمال الشاذلي، فلما أبلغه بأنني ممن يكتبون ضد الشاذلي أيضاً، تنفس الصعداء، وربما لم يشغله شيء مما أكتب والحال كذلك!
وبعد خروجه من الوزارة أصدر عادل حمودة كتابه "أنا والجنزوري"، انتقاماً لنفسه، فقد كان نائباً لرئيس تحرير مجلة "روزا ليوسف" بصلاحيات رئيس التحرير، وكان يعيش على أمل أن يعين رئيساً لتحريرها وقد قفز بتوزيعها لأرقام كبيرة، فعزله الجنزوري وعينه كاتباً في "الأهرام" يكتب مقالاً باهتاً كل أسبوعين. كان واضحاً أنه فقد اتزانه ولياقته بشكل كبير، وكان يشعر بمرارة بالغة، وقد عُزل لأنه من رجال صفوت الشريف في الصحافة الذين يستخدمهم في تصفية حساباته مع رئيس الحكومة. وإذ انشغل غيره بالهجوم على الوزير طلعت حماد؛ ذراع الجنزوري الأيمن، فإن عادل حمودة أراد أن يجرب نقد رئيس الوزراء رأساً، فكتب مقالاً عن "التكويش"، حول استحواذ رئيس الوزراء على عدد كبير من المناصب والمسؤوليات، وهي كثيرة، لكن المقال لم يكن فيه سوى عنوانه، أما المتن فكان رقيقاً، فبعد أن عدد هذه المناصب، بدا كما لو كان مشفقاً عليه من كل هذه المسؤوليات، لكنه نفخ في المقال من روحه في الكتاب، وبدا كما لو كان صقراً في مواجهة الجنزوري!
وكان الجنزوري قد استنن سنة الاجتماع برؤساء تحرير الصحف في الأيام الأخيرة له في الوزارة، ربما ليكسر سيطرة وزير الإعلام عليهم، ولم تكن لديه القدرة على احتوائهم ومد جسور الصلة بهم لطبيعته الجامدة، فكان الاجتماع رسميا محافظاً، وقد جرب عادل حمودة أن يمارس مهمة التهجم على الجنزوري، بمناسبة القبض على مجموعة من الفنانات في شبكة دعارة!
وكان رئيس الوزراء قد أخبر الحاضرين في الاجتماع أنه اتصل بالنائب العام ليفرج عنهن على أساس أنه لا قضية هناك في الحقيقة فقد صنعت للإثارة والتغطية على إخفاقات سياسية، ولم يكد عادل حمودة أن يقول: إن الحكومة لا تريد أن تتعلم، حتى قاطعه الجنزوري بحدة بالغة، وضرب بيده على المنضدة، وهو يقول بعنف: "مكانك أنت الآن في حضرة رئيس وزراء مصر"، وارتج على "عادل حمودة" وسكت، وأنقذ صفوت الشريف الموقف بقوله إنه لا يقصد دولته، فالمصريون يتوسعون بطبيعتهم في وصف الحكومة، وفي الريف يطلقونه ولو على "الخفير" بنقطة الشرطة!
المعركة الوحيدة التي خاضها "عادل حمودة" لصالح صفوت الشريف ونجحت، كانت في الموضوع الصحفي "فضيحة على النيل"، ولم يذكر أسماء أطرافها، لكنه هدف منه لاتهام رئيس قطاع الإنتاج بالتلفزيون بالقوادة لصالح أمير خليجي، مقابل سيارة مرسيدس هدية، بأن سهل له لقاء فنانة معروفة!
عندما كان رئيس تحرير الأحرار في هذه الفترة يناقش معي الأمر، قلت له إن واقعة لقاء الأمير بالأقصر صحيحة، فقد اتصل بي صديق يعمل في فندق هناك قبل عدة شهور، وحدثني عن أزمة حصلت عندما صدرت لهم الأوامر من إدارة الفندق بالقيام بضم سريرين في جناح الأمير، فرفضا وأبوا أن يستجيبوا لذلك باعتبار أنه مقيم كفرد واحد في الفندق، فاستعانت إدارة الفندق بجهاز الأمن الذي حذرهم من التدخل فيما لا يعنيهم. وقد سألت هذا الصديق إن كان معه ما يفيد بإقامة الفنانة في الفندق في هذه الفترة ولو في غرفة أخرى، فقال إنها أقامت بدون تسجيلها، وهنا أفهمته بأنه لا يمكن نشر موضوع بدون مستندات. وبطبيعة الحال كان يمكن أن يكون النشر على طريقة مقال عادل حمودة، لكن هذه الموضوعات لا تروق لي ولا أعتبرها تدخل في اختصاص عمل الصحفي.
ولأن الدكتور قبضايا كان يجيد "فن المقالب"، فقد فوجئت به يتصل برئيس المجلس الأعلى لمدينة الأقصر هاتفياً، وبمجرد أن سأل من معه، كان صاحبي يرد عليه بخشونة أربكته:
أنا كمال!
كمال مين يا أفندم؟!
ازداد صوته علواً وهو يسأله باستنكار بالغ:
مش عارف صوتي؟.. أنا كمال الجنزوري يا سيدي!
ثم سأله ما حقيقة هذا الموضوع الذي تتكلم فيه الدنيا كلها ولم يعرف هو تفاصيله؟!
وبدا رئيس الأقصر كمتهم يبرئ نفسه، فقال بأنه لا علاقة له بالأمر، وقد أبلغوه بأن الأمير في سهرة وسط زراعات القصب وقد مهدوا له مكاناً في وسط الزراعات.. فذهب ليسلم عليه باعتباره ضيف المدينة ووجد "البنت دي" جالسة معه فلم يكرر الزيارة أو الاتصال!
لم أكن في الحقيقة في دهشة من رئيس التحرير وهو يعطيني درساً في كيفية الحصول على المعلومة من مصدرها، ولكن في هذا الانهيار الذي بدا عليه اللواء سلمي سليم، رئيس المجلس الأعلى لمدينة الأقصر، بالشكل الذي جعله لا ينتبه إلى أن رقم الهاتف الذي يطلبه مختلف، والصوت أيضاً، فلم يبذل الدكتور قبضايا جهداً في تغيير نغمة صوته، ومع أن اللواء سليم كان جنرالا كبيراً بالجيش!
تأكدنا من صحة المعلومة، لكن لم ننشرها، وفي الجانب الآخر فإن هذا لا يعني صحة ما ذهب إليه عادل حمودة في "فضيحة على النيل"!
القصة أن هذه الفنانة كانت تشارك في مسلسل لقطاع الإنتاج بالتلفزيون، وقد طلبت إجازة لظروف تخصها، ووافق ممدوح الليثي على الإجارة، وتعطل التصوير خلالها لأنها كانت بطلة العمل، وهو ما استخدم في التأكيد على صحة الاتهام الذي تم الترويج له بالرموز، وأنه قبض الثمن عبارة عن سيارة مرسيدس من هذا الأمير، ونشرت فواتيرها.
ولا يعني حصول "الليثي" على الهدية أنه متواطئ في موضوع الفنانة، فلم يصطحبها إلى هناك، فقط أنه وافق لها على الإجازة، ولم يعترض طاقم العمل، فضلا عن أنه ليس الوحيد الذي حصل على الهدية، فقد تردد أنها لم تكن سيارة واحدة ولكن عدة سيارات، وزعت على مسؤولين، وأن صفوت الشريف نفسه حصل على واحدة، وهو تصرف قديم معلوم من القوم لأصدقائهم، على النحو الذي يفعله الآن الوزير تركي آل الشيخ، لكن بشكل سافر وأداء أرعن!
القصة وما فيها، والتي تكشفت بعد ذلك، أن حاكما بدولة خليجية كان في زيارة لمصر، وقبل أن يلتقي نظيره المصري، قال لممدوح الليثي إن كان يستطيع أن يقدم له خدمة ما، ليخبره الليثي بأن هناك أنباء عن تعديل وزاري وشيك، وكل ما يطلبه أن يتوسط له لدى مبارك ليضعه في الصورة!
وكان المعنى الذي وصل لوزير الإعلام صفوت الشريف أن ممدوح الليثي يطمح في منصبه، فكان مقال "فضيحة على النيل"، لتدميره كاملاً، وبعد أيام قليلة من النشر كان "الليثي" قد تقدم ببلاغ للنائب العام يتهم عادل حمودة بالسب والقذف، وأنه المعني بهذا المقال، وكأنه يعترف على نفسه بأنه بطل الفضيحة!
وحددت معه لقاء لمقابلة صحفية، وفي مكتبه حاولت بدون طائل أن أحرضه على الوزير؛ قلت له إن المنشور ليس بعيداً عنه، وأنني أرى أنه يريد تدميرك لأسباب لا أعرفها، فتغدى به قبل أن يتعشى بك، ووجه سهامك إليه وأنا سأقوم بالنشر!
قال لي بالعكس: صفوت بك منزعج جدا مما نشره عادل حمودة، وهو من نصحني بتقديم بلاغ للنائب العام!
قلت له: لقد ورطك بذلك، فها أنت تعترف على نفسك بأنك بطل فضيحة على النيل وفي بلاغ رسمي، ولم يكن عادل حمود ليجرؤ على نشر اسمك في هذا الاتهام الذي يعاقب عليه القانون!
فرد وقد بدا أنه يستجمع قواه ليصرف عنه هذا الوسواس القهري، الذي أمثله أنا: هل تعلم أن صفوت بيه هو من استدعى المحامي فريد الديب ليتولى الموضوع قضائيا!
فقلت له: هذا ليس مكرمة منه، ولكن ليسيطر عليك به، ويرسم لك حدود التحرك فلا تذهب بعيداً!
وكان يقاومني وهو يشير بسبابته ويقول: "لا" بشكل متكرر!
وبدأنا الحوار، وسألته في ثناياه:
هناك من يقولون إن وزير الإعلام صفوت الشريف وراء هذا النشر ضدك!
ورد: لو ثبتت هذه الاتهامات عليّ لكان صفوت الشريف المتهم رقم واحد!
ونشرنا إجابته هذه في أعلى الصفحة الأولى وقد تمددت على ثمانية أعمدة، ورغم أنها لا تعني اتهامه بشيء إلا أن صفوت الشريف كان منزعجاً للغاية من حشر اسمه في الموضوع، لا سيما وأنها إجابة على سؤال سألته أنا! ورغم أن المتمدد بعرض الصفحة كلام يبدو عادياً، لكن ذكر صفوت الشريف في جملة كان في هذا الوقت من المحظورات، فماذا لو كان النشر حول فضيحة؟!
وقد عبر صفوت الشريف عن انزعاجه، لرئيس التحرير، وطلب ألا يزج به مستقبلا في الموضوع، فقد كان يدرك أن تدخلي فيه سيجعل من هذا النشر ليس الأخير، لا سيما وأنني حاورت طرفي الموضوع، لكن عندما طلب مني أقرباء للفنانة بأن يدخلوا طرفا بحوار لبراءتها، نصحتهم بالابتعاد، فما يتردد يدور في إطار الشبهات لكن حديثهم سيعطيه مصداقية مهما كانت درجة النفي.. هل أبلغه ممدوح الليثي بتحريضي إياه؟!
ولم أفقد الأمل في دفعه لإعلان الحرب، فقد كانت النيابة الإدارية قد تدخلت في التحقيق في الموضوع الخاص بوقف العمل، ومنح الفنانة إجازة، وبدا أن هناك جهة أخرى قد دخلت على الخط، لتحقيق ما قاله ممدوح الليثي وهو يقاومني بأنه لو ثبتت في حقه الاتهامات فالمتهم الأول هو الوزير بحسبانه هو المسؤول بحكم منصبه، وكان المفروض أن يبدأ التحقيق في موضوع إجازة الفنانة إن كانت فيه ثمة شبهة أخلاقية، ولأن تصرفات مرؤوس له بهذا الشكل تمت دون علمه، أيضاً من باب المسؤولية التضامنية!
ذات صباح وصلت الصحف اتهامات النيابة الإدارية في حجم المجلد، وكانت تحتوي على خمسة وثلاثين اتهاماً ضد الليثي الذي أحيل للمحكمة التأديبية بقرار من النيابة، وقال ممدوح الليثي إن النيابة لم تحقق معه لكي تتهمه، وأنه جلس مع رئيس النيابة جلستين أو ثلاث جلسات للدردشة وليس للتحقيق، ولو وجهت له هذه الاتهامات رسمياً لرد عليها!
واتصلت به: "تاهت ولقناها"، فما رأيك أن أواجهك أنا بهذه الاتهامات ومنحك فرصة للرد عليها؟
ووافق والتقينا هذه المرة في مكتب خاص به، في نهاية شارع قصر النيل وفي بناية مطلة على ميدان عبد المنعم رياض، فقد كان صفوت الشريف قد استغل قرار النيابة لوقفه عن العمل لحين الحكم في الموضوع!
وهناك حاولت أيضاً أن يؤوب معي في أن الوزير قد فعلها وأنه انتظر الوصول لهذه النتيجة ويتخلص منه، لكنه لم يستجب لي، وإن رد على الاتهامات!
وكان واضحاً أن كمال الجنزوري دخل على الخط، ورأى في إدانة مرؤوس لصفوت الشريف ادانة للوزير، وإذ كان هذا القرار هو آخر الأعمال الوظيفية للمستشار صبري البيلي، رئيس النيابة الإدارية، فقد خرج بعدها للتقاعد، ليعينه الجنزوري محافظاً. وقد تلاقت الإرادات في التخلص من الليثي؛ الجنزوري لإدانة الوزير، والوزير لإبعاد ممدوح الليثي من طريقه! لتعد هذه القضية واحدة من قضايا استخدام صفوت الشريف للصحافة، لكنها ليست القضية الوحيدة!