الثورات الشعبية التي انطلقت قبل عشر سنوات في تونس وانتقلت بما يشبه العدوى لعدد من الدول العربية كمصر وليبيا وسورية بعثت الأمل ببزوغ فجر جديد بالدول العربية. الشعوب التي رزحت تحت الحكم الدكتاتوري لعشرات السنين وعانت من القهر والجوع والإحباط، هذه الثورات كانت بمثابه بارقة أمل لها بالحرية والمساواة والعدالة الاجتماعية بعد عشرات السنين من الإحباط واليأس.
لم يمض وقت طويل حتى تبددت أحلام الشعوب التي كسرت حاجز الخوف وملأت الشوارع بالاحتجاجات السلمية من قبل كل الفئات، وخاصة الشباب والنساء وفئات الطبقة الوسطى.
لكن لم يمض وقت طويل حتى تبددت أحلام الناس وحدث الانكسار الكبير وتحول الربيع العربي إلى الخريف أو الشتاء العربي. لقد تم إجهاض الربيع العربي ودخلت بعض الدول العربية في حالة من الصراعات والحروب الداخلية وأدت لانهيار دول ودخول أخرى في حالة صراع لم ينته بعضها منه حتى اليوم.
هناك مجموعة من العوامل التي أسهمت بالنتائج التي آلت إليها الأحوال وفشل هذه الثورات مع الاستثناء الوحيد وهو تونس، هذه عوامل عريضة تندرج تحتها عوامل فرعية كثيرة.
العامل الأول هو غياب القيادة لهذه الثورات، فقد كانت الجماهير التي نزلت للشوارع تضم فئات عديدة من شعوب هذه الدول لم تفرز قيادات وطنية قادرة على بلورة أهداف الثورة وضبط تحركاتها وتكتيكاتها من أجل الوصول للهدف المنشود. إن غياب قادة وطنيين في أغلب الدول التي شهدت هذه الثورات أسهم في ضعف هذه القوى وقدرتها على تحقيق أهدافها وأفسح المجال لأطراف عدة للتحكم بها والعمل على تناقضاتها وبالتالي إضعافها. القيادات الميدانية لهذه الثورات لم تستطع أن تحافظ على تماسك قوى الاحتجاج، ما سهل عملية تفكيكها أو التحكم بها لاحقًا.
والعامل الثاني مرتبط بطبيعة القوى المعارضة التي استطاعت الولوج للسلطة في بعض الدول بعد هذه الثورات والتي كانت منظمة بشكل سلطوي، علاوة على أنها كانت تحمل أيديولوجية شمولية كانت في أغلب الأحيان إقصائية للعديد من التيارات السياسية الأخرى وبعض الفئات الاجتماعية ولم تكن ملتزمة ببعض أهداف الثورات كالحريات والمساواة الاجتماعية وغيرها. كل ذلك وفر مناخًا معاديًا لهذه القوى سواء كانت من قبل الدولة العميقة أو من بعض الفئات السياسية والاجتماعية التي أسهمت بشكل مُباشر في إحداث ردة على هذه القوى التي لم تكن قادرة على أن تكون جامعة للكل.
وأخيرًا وقد لا يكون أقل أهمية عما سبق، لا بل قد يتداخل مع العوامل السابقة، وهو التدخل الخارجي بهذه الثورات. منذ اندلاع الثورات دخلت العديد من القوى العالمية والإقليمية على خط الثورات العربية في محاولة هندستها حسب مصالحها ومحاولة توجيهها لمسارات معينة تتماشى مع رؤيتها لمصالحها الاستراتيجية في المنطقة؛ حيث بلغ هذا التدخل أوجه في التدخلات العسكرية في بعض هذه الدول كسوريا وليبيا سواء بالاصطفاف مع الأنظمة أو المعارضة المسلحة، وخاصة المتطرفة منها. هذا التدخل حول الاحتجاجات السلمية والثورات في بعض هذه الدول إلى كابوس من الصراع المسلح الذي أدى لتشتت قوى الثورة السلمية وتحويلها لنزاعات مسلحة كان لها آثار كارثية على شعوب تلك الدول والدول المجاورة لها.
إن النتيجة التي وصل إليها الربيع العربي لا يمكن اعتبارها نهائية، لا بل يجب النظر إليها كمحطة مهمة في سلسلة طويلة من التحولات السياسية التي تخضع لها هذه الدول. هذه هي سنة الثورات حتى على المستوى العالمي التي قد تشهد انتكاسات وتشرذما وعنفا. لكن الأسباب التي أدت لهذه الثورات ما تزال قائمة، وإذا أخذنا بالدروس من الثورات العالمية فلا يجب أن نستبعد موجة أخرى من الربيع العربي والتي يصعب التوقع بتوقيتها.